تلقيت الكثير من اللعنات والشتائم من صناع السينما المصرية والعربية بسبب قدرتى على اكتشاف أصول الأفلام التى تمت سرقتها من مصادر أجنبية، وحتى الآن فإن فى الجعبة أفلاما كثيرة لم أكتشف بعد أسرارها، ويحتاج الأمر أن يمنحنى الله ثلاثة أعمار إضافية، ففى كل يوم أتوصل إلى اكتشاف جديد، آخرها هذا الفيلم المجهول المعنون «حبيبة الكل» إخراج وتأليف اللبنانى ميسر عام 1965 بطولة صباح، وعبد السلام النابلسى فى أول أعمالهما بعد العودة إلى بيروت، وفهد بلان، وحسن المليجى.
الحقيقة أننى لم أكتشف مسألة الاقتباس، بل هو أمر أعرض من هذا، فعندما توجه السينمائيون المصريون إلى لبنان كان كل الهم هو استجلاب عيوب السينما المصرية معه، فقدموا أعمالاً سبق أن قدموها بأسماء أخرى فى مصر، هل تذكرون فيلم «قمر 14» إخراج نيازى مصطفى عام 1950، وبطولة كاميليا، ومحمود ذو الفقار، وغيرهما، الذى يدور حول شاب يتزوج فتاة جميلة فقيرة بدون موافقة أبيه الذى دبر له عروسًا أخرى من عائلة ثرية، لكنها من بيئة متواضعة، هنا قررت قمر أن تذهب إلى بيت والد زوجها لتعمل خادمة وترعى الأب المريض، وتجد نفسها حبيبة لكل رجال البيت، الأخ والأب ووالد العروس، كنت حتى صباح اليوم أعرف أن حلمى رفلة قد أعاد إخراج هذا الفيلم مرة أخرى عام 1972 بطولة وردة الجزائرية وحسن يوسف، لكن المخرج والكاتب اللبنانى رضا ميسر قام باستجلاب سيناريو «قمر 14» ليخرجه بين بيروت والقاهرة، فرأينا كل الأبطال يتحدثون باللهجة المصرية، بل إن حسن المليجى قام بتقليد عبدالفتاح القصرى فى دور أب شعبى الذى يرمى بشباكه حول الزوجة الجميلة.
فى الفيلم اللبنانى حرصت صباح وعبد السلام النابلسى والمليجى على الكلام باللهجة المصرية أيضا، لا يهمن هنا الإنتاج بقدر وقوع المخرج فى أسر السينما المصرية، وقد أشارنا فى مقالاتنا أن القصة نفسها تعم السينما المصرية وأنها قامت بمعالجة القصة فى أفلام منها «مقدرش»، أى أن الفكرة الواحدة استهلكت كثيرًا جدًا، ورغم هذا فإننا نتقبلها، فما أجمل المقارنة بين صباح وكاميليا، لكن ليس من الجمال أن نقارن بين محمود ذو الفقار وفهد بلان (وكل منهما تزوج فى الواقع من مريم فخر الدين)، أى أن المقارنة هى العامود الرئيسى للمشاهد الحالى، بمعنى أن المتفرج الذى تابع فيلم «حبيبة الكل» عام 1965 لم يكن موجودًا فى العام 1950، والغريب أن فيلم حبيبة الكل قد كشف أن السينما اللبنانية الغنائية كانت فى تلك الفترة فى حاجة إلى مخرجينا المصريين وليس إلى رضا ميسر، وهو واحد من الذين جذبوا صباح بكل ما فيها من موهبة وتلقائية إلى قاع المجهول، وطوال أكثر من عشر سنوات عملت خلالها فى بيروت كانت الاختيارات أمامها ضعيفة للغاية فى أفلام أخرى مقتبسة من الأفلام المصرية، حتى أنقذتها التجربة المصرية مرة أخرى فى فيلمه «ليلة بكى فيها القمر» إخراج أحمد يحيى، أى أن الخاسر من هجرة صباح إلى بيروت كانت صباح نفسها والسينما المصرية أيضا، وهو أمر يجب الكتابة عنه بالتفاصيل بصرف النظر عن الانتقاد أو المديح.
هذا الأمر لم يحدث فقط بالنسبة للشحرورة، بل امتد إلى كبار الأسماء فى الإخراج والتمثيل مثل يوسف شاهين، وعاطف سالم، وفاتن حمامة، وشادية، ورشدى أباظة، وفريد شوقى، وأسماء صغيرة مثل إبراهيم خال وآخرين، وهذه الظاهرة امتدت منذ منتصف الستينيات وحتى منتصف السبعينيات أى قبل عدوان 67، وقبل بداية الحرب الأهلية التى دمرت السينما هناك، وكان الأمر سببا فى عودة ازدهار السينما المصرية.