غياب التعاطف مع محنة الطفولة العربية - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غياب التعاطف مع محنة الطفولة العربية

نشر فى : الخميس 22 يونيو 2017 - 9:35 م | آخر تحديث : الخميس 22 يونيو 2017 - 9:35 م
إضافة إلى ما يكشفه المشهد العربى الحالى البائس من تخبُط سياسى تمارسه القيادات السياسية الرسمية والأهلية، ومن مبالغات فى التعامل الأمنى، ومن تجذر للعهر الجهادى التكفيرى الإرهابى المجنون، فإنه يكشف أيضا تراجعا مذهلا فى مقدار الحساسية الضميرية والأخلاقية تجاه فواجع ومآسى ذلك المشهد.
منذ نجاح أطراف خارجية وداخلية فى حرف حراكات الربيع العربى الجماهيرية العفوية من كونها سلمية إلى إدخالها فى متاهات العنف والعسكرة، ومنذ استبدال الشعارات السياسية الديمقراطية الإنسانية، متمثلة فى الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة الاجتماعية، بشعارات طائفية وعنصرية عرقية ملتهبة، ومنذ فتح الأبواب أمام القوى الجهادية التكفيرية الطائفية الإرهابية لتندس وتقحم نفسها فى صلب حراكات الربيع الشعبية تلك، من خلال دعمها بالمال والسلاح والتدريب وتسهيل انتقال أفرادها من كل بقاع العالم إلى ساحات التوترات فى الوطن العربى، ومن خلال مدها بأيديولوجية سبى النساء وتجنيد الأطفال وقتل أصحاب الديانات الأخرى لتشويه صورة الإسلام ونفيه فى هذا العالم..... منذ حدوث ذلك كلُه، فى شكل مؤامرات دنيئة وجنون سياسى وأمنى قل مثيله، بدأ موضوع الضمير والقيم والأخلاق الدينية والإنسانية يطرح الأسئلة بقوة متزايدة. ما عاد المشهد سياسيا وأمنيا فقط، وإنما أصبح أخلاقيا أيضا.
أول سؤال بديهى مطروح:
هل تجرد قادة السياسة والجيوش والأمن فى بلاد العرب من فضيلتى التعاطف والرحمة؟ ليس هذا سؤالا فلسفيا متحذلقا، إنه من صلب واقع الحياة الإنسانية.
الجانب الواقعى لذلك السؤال هو:
كيف يستطيع أولئك القادة العرب أن يناموا ليلهم بهدوء وراحة بال بعد أن يشاهدوا طيلة النهار مشاهد الجحيم الذى تعيشه أرض العرب؟
هل يستطيع من لديه ذرة من ضمير حى أن يرى يوميا وجوه أطفال العرب الخائفة الباكية المتسائلة، التى أضناها الجوع والعطش والنوم فى الخرائب والطرقات وأرعبها رؤية الجثث والجيف من حولها وسماع ضجيج طلقات الأسلحة النارية طيلة النهار والليل، أو التى أضناها المرض لتصبح أجسادها هياكل عظمية وعيونها زائغة حزينة دامعة وهى ترقد على خرق باليه فى المستشفيات المدمُرة المغلوبة على أمرها بلا دواء ولا غذاء ولا رعاية.... هل يستطيع من يرى تلك المناظر أن ينام فى فراشه بهدوء وأن يغطُ فى نوم عميق؟ ألا يرى دموع ودماء أولئك الأطفال وهى تقطر من يديه وتستصرخه أن يفعل شيئا؟ أن يتنازل عن كبريائه، عن طموحاته الأنانية المريضة، عن مشاعر الغضب القاسى فى داخله، ويستبدلها بمشاعر التعاطف والشفقة والرحمة الإنسانية؟
أسأل نفسى مرارا: ألا يقوم هؤلاء المسئولون من نومهم فزعين بعد أن يكونوا قد رأوا فى أحلامهم مشاهد المدن المدمرة المحترقة، ومشاهد الملايين الهائمين على وجوهم فى الطرقات وخيام المنافى الرثة وساحات التسول وبيع العفاف والشرف؟
أسأل نفسى مجددا: هل ماتت فضيلتا التعاطف والرحمة فى أرض العرب وحلت محلهما رذيلتا التشفى والقسوة؟ وأتذكر هنا قول رب الرحمة: «وَلَا تَكُونُوا كَالَذِينَ نَسُوا اللَهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» ويلحُ على السؤال: هل نسى مسئولو العرب الله فأنساهم أنفسهم؟
هنا أتذكر أيضا قول الفيلسوف شوبنهاور من أن التعاطف هو القوة الكبرى التى تقف وراء كل قيم الأخلاق، وأنه يقود إلى العدالة ومحبة الخير للناس، فهل غياب التعاطف إعلان عن نهاية الأخلاق فى أرض العرب؟
***
تاريخ البشرية يعلمنا بأن أرفع وأنقى أنواع الحكمة هى التى تتغذى على فضيلة التعاطف مع آلام الآخرين، بل إننا لا يمكن أن نتكلم عن تواجد الإنسانية فى البشر إلا إذا التزم هؤلاء بحمل المسئوليات التى تتطلبها فضيلة التعاطف وبالشعور بالإخوة الإنسانية مع المتوجعين واعتبارهم إخوة لنا فى السراء والضراء.
نحن هنا لا نقصد التعاطف المتصدُق الذى يمُن على الضحية بمساعدته المادية أو المعنوية لها. فأطفال العرب ليسوا بحاجة لمثل ذلك التصدق المتعالى المتكبر.
نحن هنا نتكلم عن أحاسيس تحركها عذابات الآخرين المساوين لنا فى القيمة الإنسانية، وعن قيمة أخلاقية يحتاج الإنسان إلى أن يتعلمها وينميها فى أعماق نفسه، خصوصا إذا كان سيتحمل مسئوليات القيادة.
ولذلك فالتعاطف الذى لا يؤدُى إلى حمل مسئولية يتبعها فعل لن يكون إلا إحساسا أجوف وتخديرا لمواجهة عذابات الضمير.
تمرُ الأيام والشهور والسُنون وعذابات الطفولة العربية فى ساحات اليباب تزداد وتسوء لتصبح فاجعة إنسانية ملحمية. لكن القادة يذهبون كل ليلة إلى أسرُتهم وينامون، بينما تغيب أية مبادرات أو اجتماعات أو محاولات عربية، من أى نوع كان، وعلى أى مستوى، لإيقاف فجيعة الطفولة العربية.
إنه موت التعاطف الإنسانى وسقوط الأخلاق فى أرض العرب. إنه انتصار لرذيلة القسوة الشيطانية فى النفس العربية.

 

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات