مواقف القوى السياسية الجزائرية تجاه الانتخابات البرلمانية - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مواقف القوى السياسية الجزائرية تجاه الانتخابات البرلمانية

نشر فى : الثلاثاء 22 يونيو 2021 - 8:25 م | آخر تحديث : الثلاثاء 22 يونيو 2021 - 8:25 م
أجريت الانتخابات البرلمانية الجزائرية فى موعدها المقرر فى 12 يونيو 2021 وسط أجواء سياسية متوترة، ومنازعات بين تيارات سياسية وحزبية مختلفة، وبين الحراك الشعبى والسلطة الحاكمة، وحالة من تفاوت المواقف داخل بعض التيارات ذات الاتجاهات الإسلامية. وقد بدأت هذه التجاذبات منذ صدور قرار تحديد موعد الانتخابات بين من رأوا أنها استحقاق دستورى واجب لاستكمال عملية التحول الديمقراطى، واستكمال الشرعية بعد انتخابات رئاسة الجمهورية فى نوفمبر 2019، والاستفتاء على تعديلات الدستور فى 2020، ومن رأوا أنها لن تحقق التغيير المطلوب.
وقد لوحظ منذ فتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية إقبال التيار الإسلامى والممثل فى حركة البناء الوطنى، وحركة مجتمع السلم، وجبهة العدالة والتنمية، وإبدائهم حماسا ملحوظا للمشاركة فى الانتخابات حيث اعتبروها فرصة سانحة للحصول على أغلبية نسبية تجعل لهم دورا ومكانا متقدما فى تشكيل الحكومة القادمة، خاصة على ضوء مقاطعة الأحزاب اليسارية والعلمانية للانتخابات فى إطار المقاطعة التقليدية من جانب مناطق القبائل التى تعمل فيها هذه الأحزاب.
وامتدح رئيس مجتمع السلم القانون الجديد للانتخابات وأنه يوفر حدا أدنى لنزاهتها وهو ما لم يتوافر للانتخابات السابقة، وأن التعديلات على القانون التى أدخلها الرئيس عبدالمجيد تبون فى مارس 2021 تقطع الطريق أمام المال الفاسد الذى وظف سابقا لشراء الأصوات. وأبدى الإسلاميون اعتراضهم الشديد على كثرة المرشحين المستقلين الذين ينتمى معظمهم لمنظمات المجتمع المدنى، ورأوا أنهم مدعومون من جانب السلطة نظرا لضعف تأثير ودور الأحزاب التقليدية التى استأثرت لسنوات بالفوز فى الانتخابات، وهم بذلك يشيرون على وجه الخصوص إلى جبهة التحرير الوطنى التى ظلت فى المقدمة منذ استقلال الجزائر وحتى تنحية الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة فى عام 2019. ويرى الإسلاميون أن أغلبية إن لم يكن كل المرشحين المستقلين لم يكن لديهم برنامج يقدمونه للناخبين وإنما اعتمدوا على الدعاية لأشخاصهم وأعمالهم الشخصية.
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات قد صرح بأن السلطة قد تعهدت بصرف مبلغ من المال للمرشحين الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة لمساعدتهم على تمويل دعايتهم الانتخابية، وأشاد بحملة المجتمع المدنى التى أكدت على أهمية الانتخابات التشريعية والمشاركة الفعالة فيها، كما عبر عن ارتياحه لتفادى معظم المرشحين الملاسنات والتراشق أثناء الحملة الانتخابية، وهو ما يدل على أن الخطاب السياسى شهد تطورا إيجابيا، وأبرز أن الصوت الانتخابى أمانة، وعلى الناخب أن يمنح صوته لمن يستحقه لأن فى ذلك ضمان للديمقراطية والهدوء فى البلاد. ولكن لم تكن هناك تجمعات كبيرة أثناء الحملات الانتخابية بسبب عزوف الناخبين من ناحية والإجراءات الاحترازية لمواجهة جائحة كورونا من ناحية أخرى. ولوحظ أن بعض المرشحين لم يكونوا ملتزمين بمراعاة عدم التعرض لقضايا قد تستفز الآخرين ويرون فيها إساءة لهم، وهو ما حدث من المرشح عبدالقادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطنى الإسلامية عندما انتقد بعبارات ساخرة النص فى الدستور على اعتبار اللغة الأمازيغية لغة وطنية فى عهد الرئيس بوتفليقة، وقد أثارت تصريحاته حفيظة قطاع واسع من سكان محافظات القبائل الناطقة باللغة الأمازيغية وطالبوا النيابة بتحريك دعوى عمومية ضد بن قرينة، بتهمة نشر خطاب الكراهية والتمييز على أساس اللغة والانتماء لجهة معينة. وكان بن قرينة قد واجه صعوبة كبيرة فى قبول مرشحين فى ولايات القبائل الانضمام لقائمته الانتخابية، كما أنه لم يكن مهتما بهم لأن أغلبيتهم العظمى قررت مقاطعة الانتخابات لرؤيتهم بأنها لن تغير الأوضاع التى كانت سائدة.
•••
ويرجع اعتقاد الأحزاب الإسلامية بأنهم دخلوا الانتخابات من مركز قوة إلى ما يبدو من تفكك خصومهم إلى حد كبير، خاصة جبهة التحرير الوطنى، والتجمع الديمقراطى اللذين كانا عماد السلطة فى عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ومن ثم أصبحا يحملان تبعات معظم مساوئ هذا النظام خاصة أمام الحراك الشعبى وأحزاب المعارضة الأخرى، كما أن التيار الإسلامى ركب موجة الحراك الشعبى الذى انطلق منذ 22 فبراير 2019 وأدى إلى تنحية الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عن الحكم وما أعقب ذلك من تطورات، وكان حضور الإسلاميين فى الحراك ملحوظا، خاصة عقب صلاة الجمعة وقت أن كان فى أعلى درجاته، ثم بدأ التيار الإسلامى يتباعد عن الحراك الشعبى ويتحرك باستقلالية استعدادا للانتخابات، وأهم حزبين فى هذا التيار هما حركة مجتمع السلم بزعامة عبدالرازق مقرى، وحزب العدالة والبناء بزعامة عبدالله جاب الله.
أما الحراك الشعبى، فرغم دوره الأساسى فى إنهاء حكم بوتفليقة وما أعقب ذلك من تغيرات، إلا أنه لم ينتج قيادات فعالة تمثله وتتحدث باسمه، على الرغم من أن البعض يرى أن ذلك يجنبه إلقاء السلطات القبض على هذه القيادات إن وجدت بهدف الضغط عليه. وقد فقد الحراك الشعبى فى الفترة الأخيرة كثيرا من الزخم الذى كان يتمتع به منذ انطلاقه، وقد حدث انقسام فى الحراك ما بين من يرون مقاطعة الانتخابات ومن يرون المشاركة فيها وأن تصويت بعضهم قد يتجه لقوائم الأحزاب الإسلامية. وكان الحراك الشعبى وفئات من الناشطين السياسيين وأحزاب المعارضة قد طالبوا الرئيس تبون بالإفراج عن نحو 200 معتقل ينتمون للحراك الشعبى، ورفع التضييق على وسائل الإعلام والمظاهرات السلمية قبل إجراء الانتخابات لكى تكون بمثابة تهدئة للأجواء العامة وإزالة الكثير من حالة الاحتقان بين عدة طوائف سياسية، ولكن رؤى أن هذه الإجراءات ضرورية من أجل المحافظة على الأمن والاستقرار وتوفير مناخ هادئ للانتخابات البرلمانية. وقد اتهم الحراك الحكومة بأنها عملت على كسر شوكة الحراك الشعبى وضاعفت الاعتقالات والملاحقات ضد المعارضين السياسيين والناشطين فى الحراك، واعتبر أن الحكومة ما هى إلا واجهة مدنية للمؤسسات العسكرية. وقد ردت الحكومة بأنها استجابت للمطالب الرئيسية للحراك الأصيل فى وقت قياسى، وأنه لم تعد هناك أى شرعية لناشطى الحراك، متهمة إياهم بأنهم فى خدمة أطراف أجنبية معادية للجزائر.
ويلاحظ أنه إلى جانب المستقلين المدعومين من السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات وخاصة الشباب والموالين للرئيس تبون الذى لا ينتمى لأى حزب سياسى، شاركت فى الانتخابات عدة أحزاب صغيرة مؤيدة للرئيس تبون، ومن هذه الأحزاب، حزب جيل جديد، ويرأسه الطبيب البيطرى جيلالى سفيان، وجبهة المستقبل برئاسة عبدالعزيز بلعيد وهو قيادى سابق فى جبهة التحرير، وكان مرشحا للرئاسة فى الانتخابات الأخيرة فى عام 2019، وجبهة الجزائر الجديدة، وصوت الشعب، وكلها أحزاب صغيرة قد لا يكون لها تأثير يذكر إلا فى تفتيت الأصوات بين قوائم المرشحين التى بلغ عددها 1483 قائمة منها 646 قائمة حزبية، و838 قائمة مستقلة، وهى المرة الأولى التى يزيد فيها عدد قوائم المستقلين عن قوائم الأحزاب.
وقد حذر رئيس أركان الجيش الفريق عزيز شنقريحة قبيل يوم الاقتراع مباشرة، من أن أى مخطط أو فعل يهدف إلى التشويش على سير العملية الانتخابية سيواجه بكل حزم وقوة. ومع ذلك فقد شهدت مناطق القبائل يوم الانتخاب أعمال عنف، وإغلاق عشرات مكاتب الانتخاب، ومحاولة ناشطون حرق صناديق الانتخابات، وتناثرت أوراق التصويت على الطرقات فى بعض الأماكن، وحدثت بعض المواجهات مع قوات الأمن وحفظ النظام. وبلغ عدد مراكز الاقتراع التى أغلقت 87 مركزا وكل مركز منها فيه عدة مكاتب اقتراع، وذلك من مجموع 704 مركزا فى ولاية تيزى أوزو وضواحيها. وكانت نسبة مشاركة الناخبين فى ولايات القبائل نحو 1% من إجمالى عدد الناخبين.
وأعلن الرئيس عبدالمجيد تبون، عقب إدلائه بصوته فى الانتخابات، أنه لا يهمه نسبة المشاركة، وأن الناخبين أمامهم فرصة للتصويت باختيارهم، وأن الشرعية ستكون بأيدى من يفرزهم صندوق الانتخاب وستكون لهم سلطة التشريع. ونوه بإقبال النساء والشباب على التصويت، وأن من قاطعوا من حقهم ذلك ولكن ليس من حقهم أن يفرضوا موقفهم على غيرهم، وأن الأغلبية صاحبة القرار عليها أن تحترم الأقلية، وهى إشارة ضمنية إلى مناطق القبائل حيث يرى أنهم أقلية، ويلاحظ أنهم كانوا أو مازالوا على خلاف وفى حالة احتقان مع السلطة.
•••
وقد أعلن رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات أن نسبة الذين شاركوا فى التصويت نحو 23% من إجمالى من لهم حق التصويت وهم 24 مليون ناخب، أى أن المشاركين نحو الربع أى 5,6 ملايين ناخب. وكانت حركة مجتمع السلم الإسلامية قد أعلنت أن النتائج الأولية تشير إلى تصدرها قوائم المرشحين، وأنها والقوائم الإسلامية الأخرى ستحظى بأكبر عدد من المقاعد، وحذرت من أى تلاعب قد يحدث فى هذه النتائج.
ولكن نتيجة الانتخابات الرسمية التى أعلنتها السلطة المستقلة للانتخابات جاءت مغايرة بدرجة كبيرة لكل التوقعات، حيث عادت جبهة التحرير الوطنى إلى تصدر المشهد السياسى بحصولها على 105 مقعدا أى نحو 25% من إجمالى المقاعد البالغ عددها 407، يليها جبهة المستقلون 78 مقعدا، ومجتمع السلم (إسلامى) 64 مقعدا، والتجمع الديمقراطى 57 مقعدا، وحركة البناء الإسلامية 40 مقعدا، ولم يحصل حزب العدالة والتنمية (إسلامى) إلا على مقعدين فقط، وتعتبر نسبة المشاركة فى الانتخابات هى أضعف نسبة منذ عام 1997. وإزاء عدم حصول التيار الإسلامى على ما كان يأمل فيه، فمن المنتظر أن تشكل الحكومة الجديدة من الأحزاب الموالية للرئيس عبدالمجيد تبون، وهى جبهة التحرير الوطنى، والتجمع الديمقراطى، وحركة البناء (40 مقعدا)، وجبهة المستقبل المكونة من المستقلين وتكون كتلة لها أغلبية برلمانية تتكون من 280 مقعدا، هذا إلى جانب المقاعد الأخرى المؤيدة للرئيس تبون فى البرلمان الجديد. إلا إذا رؤى ضم بعض العناصر الإسلامية للحكومة الجديدة ترضية للتيار الإسلامى.
وقد تكون هذه الانتخابات البرلمانية خطوة على طريق التحول الديمقراطى فى الجزائر، ولكنها فى ظل الظروف التى أحاطت بها لم تحقق للأغلبية ما كانت تتطلع إليه والتى لم يكن أمامها إلا مقاطعة الانتخابات وكانت هذه المقاطعة لصالح مؤيدى النظام، كما أعادت أحزاب من التيار الإسلامى من جديد إلى البرلمان، بينما ابتعدت عنها عدة أطياف سياسية وعرقية جزائرية مهمة للغاية، وهو ما سيؤدى بالضرورة إلى استمرار حالة من الاحتقان بدرجات متفاوتة فى الشارع السياسى الجزائرى إلى حين.
رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات