حرب الإلغاء الإسرائيلية ومسار قمة نيويورك‎ - ناصيف حتى - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 6:28 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

حرب الإلغاء الإسرائيلية ومسار قمة نيويورك‎

نشر فى : الإثنين 22 سبتمبر 2025 - 7:30 م | آخر تحديث : الإثنين 22 سبتمبر 2025 - 7:30 م

تعيش المنطقة على صفيح ساخن تزداد سخونته كل يوم منذ أن بدأت الحرب الإسرائيلية غداة عملية طوفان الأقصى التى قامت بها حماس. عادت القضية الفلسطينية لتحتل موقع الصدارة على جدول القضايا الإقليمية أيا كانت مواقف الأطراف الدولية والإقليمية فى هذا الشأن. والمثير للاهتمام فى هذا الخصوص الطرح الإسرائيلى وكذلك طرح أصدقاء إسرائيل الذى اعتبر أن الصراع قد بدأ مع طوفان الأقصى وليس مع قيام دولة إسرائيل فى العام ١٩٤٨ لا بل عشية قيام هذه الدولة. الأمر الذى يعكس، كما ينعكس، فى رؤية الحكومة الإسرائيلية، بيمينها الدينى الأصولى المتشدد وكذلك يمينها الاستراتيجى المتطرف الذى يمثله نتنياهو، لكيفية إنهاء الحرب الدائرة. بعد أسبوعين تقريبا تكون هذه الحرب المتوسعة قد أكملت عامها الثانى وتبقى كما تدل العديد من المؤشرات مستمرة فى الزمان والمكان كما تذكرنا بذلك كل يوم التصريحات والعمليات العسكرية الإسرائيلية.

هنالك مساران يطبعان المشهد الراهن فى هذا الصراع المفتوح:
المسار الإلغائى الإسرائيلى الذى يعتبر أن العنوان الفعلى لكل محاولات التسوية الجارية لا تتعدى مفهوم الهدنة، هذا إذا ما تم التوصل إليها بالشروط الإسرائيلية بهدف تحرير الأسرى وامتصاص الضغوطات الدولية غير الفعالة أساسا كما نرى، والعودة لتحقيق الأهداف الإسرائيلية التى لا تخفيها إسرائيل. الأهداف التى تؤكد عليها كل التصريحات الإسرائيلية وعلى جميع المستويات. إنها سياسة تهدف إلى الإلغاء الاستباقى لإمكانية تحقيق حل الدولتين ولقيام الدولة الفلسطينية المنشودة من خلال إحداث تغيير كبير فى الديمغرافيا والجغرافيا الفلسطينية. يتم ذلك عبر سياسة الطرد والتهجير ولو على مراحل، وخلق أوضاع ضاغطة وخانقة لا تسمح ببقاء الفلسطينى فى أرضه أو بيته كما نشهد من سياسات إسرائيلية عسكرية وعنيفة ناشطة وتصعيدية فى الضفة الغربية لإحداث التغيير الديمغرافى المطلوب. الأمر ذاته يجرى بشكل أسرع فى قطاع غزة لطرد أهل القطاع إلى جنوبه، وخلق نوع من الحصار الديمغرافى الضاغط والقاتل والطارد لاحقا إلى خارج القطاع. إنها حرب اقتلاع وتغيير الديمغرافيا الفلسطينية كلما طالت، نجحت فى تحقيق ولو جزءا من أهدافها. على صعيد آخر تنشط إسرائيل فى إقامة وتوسيع ما تعتبره مناطق عازلة فى سوريا بهدف تثبيتها. وقد بدأ التفاوض برعاية أمريكية. وعلى صعيد الجبهة اللبنانية لم تعترف إسرائيل بالفعل، بل على الورق فقط، «باتفاق وقف الأعمال العدائية» الذى تم التوصل إليه فى نوفمبر الماضى. وقد أقامت نقاط مراقبة (تلال محتلة) ضمن الأراضى اللبنانية فيما تستمر العمليات العسكرية الإسرائيلية بدرجات مختلفة من التخفيض والتصعيد. وما زلنا ننتظر من الأطراف الدولية (الأعضاء فى اللجنة الخماسية لمراقبة وقف إطلاق النار وغيرهم) العمل على دفع إسرائيل لاحترام الاتفاقية المشار إليها، بغية المضى بشكل فعال فى التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن ١٧٠١ وبدعم فعلى وواقعى لقرار السلطة اللبنانية بحصرية السلاح فى يد المؤسسات المعنية.
مسار حرب إسرائيلية تغييرية مفتوحة، كما أشرنا ومدعومة من الولايات المتحدة، لإقامة إسرائيل الكبرى من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط مع ربما ترك مناطق تحظى بشكل من أشكال الحكم الذاتى تحت سقف منخفض من الصلاحيات لإدارة فلسطينية يتم الاتفاق حولها لاحقا. مناطق تكون بمثابة جزر محاصرة على أرض إسرائيل الكبرى. إنه مشروع حرب مستمرة ويمكن أن تشكل مادة دسمة للتوظيف فى صراعات إقليمية. والتاريخ القريب والبعيد يقدم خير دليل على ذلك.
مقابل سيناريو الحرب المفتوحة والمستمرة بدرجات وأشكال مختلفة والتى تتغذى وتغذى «لعبة القوى» فى المنطقة، يأتى سيناريو مناقض لما أشرنا إليه. إنه سيناريو حل الدولتين الذى هو عنوان المبادرة المشتركة السعودية الفرنسية والذى يحظى بدعم دولى متزايد. وانعكس ذلك فى الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فى هذا الخصوص. قمة نيويورك ستعطى زخما قويا لدعم هذه المبادرة التى دون تحقيق أهدافها عوائق أساسية أهمها دون شك الرفض الإسرائيلى الكلى لحل الدولتين والموقف الأمريكى الداعم كليا لذلك. القمة المصغرة الذى دعا إليها الرئيس الأمريكى مع زعماء دول عربية خمس وتركيا لبحث موضوع غزة يوفر فرصة مهمة لطرح موضوع حل الدولتين. بقى أن ينتج عن قمة حل الدولتين خريطة طريق لتحقيق ذلك الهدف الذى أمامه الكثير من الصعوبات وبالتالى مسار طويل كما أشرنا. ولكنه يبقى الوحيد الذى يسمح بتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم والذى يستند بشكل واضح إلى مبادرة السلام العربية التى أقرت فى قمة بيروت فى ٢٠٠٢. المطلوب خريطة طريق وجدول زمنى ولو مرنا بعض الشىء ولكنه ليس مفتوحا بالمطلق، لإطلاق هذا المسار وتوظيف الإمكانات الموجودة، والقوية إذا ما أحسن توظيفها، لتحقيق هذا الهدف الصعب كما أشرنا ولكنه ليس المستحيل.

ناصيف حتى وزير خارجية لبنان الأسبق
التعليقات