عقلية نظام الحكم الأمريكى - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 8:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عقلية نظام الحكم الأمريكى

نشر فى : الأربعاء 23 فبراير 2022 - 9:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 23 فبراير 2022 - 9:20 م

لو تمعنا فى دلالات تصرفات مؤسسات الحكم الأمريكية المتعاقبة النفسية والسلوكية والعقلية، عبر العالم كله، لفوجئنا بتماثلها وتطابقها مع كثير من أعراض العلل العقلية والنفسية التى يصاب بها بعض الأفراد. أعراض تصرفات أو أمراض نفسية أو عقلية من مثل العصاب والوساوس والهستيريا والتصرفات السيكوباثية والهوس والفصام والبارانويا يلحظها المراقب فى ذاك التصرف التاريخى أو هذا القرار الحالى. وبالطبع نحن نتكلم هنا عن عقلية نظام الحكم وتصرفات مؤسساته تجاه الآخرين، وليس عن الشعب الأمريكى المشهور بطيبته وبساطة معشره والكثير من طباعه الحميدة.
دعنا نصف أمثلة قليلة من تصرفات أنظمة الحكم الأمريكية فى الماضى والحاضر للبرهان على ارتباط التشخيص هذا بوقائع حدثت وعانى الملايين من آثارها الموجعة والمدمرة.
فمثلا، من أجل إرغام اليابان على الاستسلام فى نهاية الحرب العالمية الثانية، كما استسلمت ألمانيا النازية، استعملت أمريكا سلاحا جديدا فتاكا، فألقت قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما. فى ذلك اليوم الأسود قتل مائة ألف من السكان، وجرح وشوه مئات الألوف، وحل دمار عمرانى هائل، ورأى العالم مجزرة بشعة خلال بضع ساعات. وبدلا من أن تنتظر حكومة أمريكا لمدة معقولة كافية لترى إن كانت حكومة اليابان ستستسلم وتتجنب أمريكا إحداث المزيد من قتل بشع غير مبرر أتبعت القنبلة الأولى خلال ثلاثة أيام فقط بقنبلة ثانية ألقتها على سكان مدينة نجاساكى المدنيين. مهما كانت المبررات العسكرية فقد أظهر ذاك التصرف أعراضا سايكوباثية لنظام الحكم الأمريكى، إذ غاب الضمير الذى يتعلم من درس مرعب، ويشعر بالذنب تجاه ضحايا لا ذنب لهم، ويرفض أن يرد الصاع صاعين. غاب أى نوع من القلق الذى يتميز به الضمير المتزن.
ومثلا ثانيا، ولأن السايكوباث لا يتعلم من أخطائه، بل ولا يعترف بها أصلا، فعل نظام الحكم الأمريكى خطئا مماثلا فى فيتنام عندما استعمل قنابل النابالم ومادة الأورنج السامة ليسمم وليحرق الغابات والمزارع ويقتل ويسمم الألوف من سكان غابات فيتنام.
ومثلا ثالثا، كرر الأمر نفسه فى العراق عندما استعمل القنابل المخصبة بمادة اليورانيوم المشعة، ضد المدنيين العراقيين فقتل من قتل ونشر فى العديد من الأنحاء العراقية أنواع أمراض السرطان فى أجسام أطفال العراق الذين يعانون حتى يومنا هذا.
ومثلا رابعا، ومن قبل قيام الدولة الأمريكية برر كهنة المذهب البروتستانتى عند الرجل الأبيض إبادة السكان الأصليين الهنود الحمر بأنها تصرف مبارك من الرب، لأن إبادتهم ستقلل عدد الكفار وتقوى شوكة المؤمنين. فكان أن قادت وساوس وهلوسات الفصام وكل أعراض البارانويا الخيالية الدينية آنذاك إلى تحليل نشر شتى أنواع الأمراض الوبائية بين السكان الهنود الأصليين وهم فى أضعف حالاتهم الجسدية عندما كانوا يساقون مشيا على الأقدام لمسافات طويلة.
سيتعب الباحث لو أراد تغطية مئات الصراعات والحروب والاغتيالات، بما رافقها من أكاذيب إعلامية وتبريرات غير أخلاقية، التى خاضتها أمريكا عبر تاريخها الطويل تحت تأثير مجموعة من الأفكار والانطباعات والعواطف والسلوكيات والعلاقات مع الآخرين الخاطئة والعدوانية، ورافقتها أحيانا حالات من التصرفات الهستيرية والهلوسات المتخيلة التى لا ارتباط لها بالواقع.
فى يومنا هذا أنظر كيف تتعامل أمريكا مع تعقيدات الوضع فى أوكرانيا بهستيريا صاخبة، أو كيف تتعامل مع منافساتها الاقتصادية والتجارية مع الصين، المليئة بالتصرفات العصبية غير الناضجة، أو كيف تتصرف بعقلين ووجهين مع الممارسات الاستعمارية الصهيونية تجاه الشعب الفلسطينى أو مع ظاهرة الإرهاب بكل أشكالها.
إننا نضع نماذج من تصرفات أنظمة الحكم الأمريكية المتعاقبة، الدالة على عدم التوازن وكثرة الاضطرابات الذهنية والنفسية، نضعها أمام مسئولى أنظمة الحكم العربية الذين يضعون ثقتهم التامة الساذجة فى أميركا كجهة محايدة عاقلة قادرة على حل كل مشكلة يواجهونها.
ذلك أن أمريكا أصبحت ظاهرة محيرة، فهى بلد كبير وغنى وغير مهدد أو محاصر، وفيه أفضل العقول المبدعة والبشر الإنسانيين الشرفاء، ولكنه يسمح لنظام حكمه، جيلا بعد جيل، أن يتصرف بتلك الأساليب والعقليات والأمراض التى ذكرنا.
إنها حقا أحجية العصر المليئة بالتناقضات والأسرار.
مفكر عربى من البحرين

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات