الكراهية.. مرض عميق فى المجتمع الإسرائيلى - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكراهية.. مرض عميق فى المجتمع الإسرائيلى

نشر فى : الأحد 23 أكتوبر 2022 - 9:55 م | آخر تحديث : الأحد 23 أكتوبر 2022 - 9:55 م
الاستقطاب السياسى لا يُعد شعوريا ذاتيا. فبحسب استطلاع للرأى أجراه معهد الحريات والمسئوليات فى مايو الماضى فى جامعة رايخمن، تبين أن أغلبية الجمهور، ليس أقل من 80%، تعتقد أن الاستقطاب السياسى بين اليمين واليسار فى إسرائيل ازداد خلال الأعوام الثلاثة الماضية. معطى آخر يشير إلى أن الكراهية العالية ما بين التيارين فى إسرائيل ازدادت، وباتت أكثر، قياسا إلى الاستطلاعات السابقة للمعهد ذاته، والتى تم إجراؤها فى سبتمبر 2021.
وهذا ما تؤكده أبحاث أُخرى جرت خلال الأعوام الماضية. وتشير النتائج إلى أنه وإلى جانب الاستقطاب السياسى ــ ويمكن أيضا بسببه ــ حدث تراجُع فى وحدة المجتمع الإسرائيلى. ويتم التعبير عنه من خلال الفروق الاجتماعية ــ الطبقية الآخذة بالتوسع بين الأغنياء والفقراء، وبين المركز ومدن التطوير. وهو ما يؤكده مؤشر الأمن القومى الذى يصدر عن معهد أبحاث الأمن، إذ يوافق 70% ممن شملهم الاستطلاع على مقولة أنه «حدث تراجع فى شعور التضامن داخل المجتمع الإسرائيلى».
• • •
يؤدى استعمال الألاعيب السياسية والاستناد إلى ظروف برلمانية إلى عدم تمثيل إرادة الناخب والناخبة، وعدم تمثيل الأغلبية فى مواقع القوة والتأثير. والأسوأ من هذا ــ أنها تعمق الشعور لدى الناخبين والناخبات بأن الديمقراطية غير فعالة ولا تعمل لخدمتهم، كما يزعزع الثقة بالنظام السياسى. الطريق من هنا إلى الفوضى قريبة، ويتم تسريعها على يد الموظفين والإعلام، الذين يقومون بدور غير محايد فى النظام السياسى. وعمليا، عندما لا يكون لدى أعضاء الكنيست المختارين أى قوة برلمانية كممثلين للشعب، ولا يوجد تمثيل ديمقراطى حقيقى فى الكنيست، فإن كل ما تبقى لهم هو الخضوع للرئيس، والتفاخر به فى الساحات والاستوديوهات، والإيمان بأن الشعب مضلَل وأعمى. أنا أعتقد أن الجمهور فى اليمين واليسار أيضا محبَط من هذه الطريقة السطحية.
• • •
الاستقطاب السياسى يتسرب إلى النسيج الاجتماعى، وخصوصا أن خطوط الانقسام ــ تتماشى بشكل جزئى مع خطوط الانقسامات الأُخرى: الإثنية، الاقتصادية، الديموغرافية والثقافية ــ مما يدفع كل مجموعة إلى تعميق الفوارق بينها وبين المجموعات المختلفة، وتحصنها فى مواقفها وتعميق الفجوة التى تمنع الحوار مع الطرف الآخر.
من الممكن أيضا القول إن الاستقطاب السياسى هو نوع من أنواع الموجة الحاملة، Carrier، التى تحمل الاستقطاب السياسى إلى أبعد من حدوده السياسية، وتوسعه إلى مجالات اجتماعية وشخصية. عامل محفز يقوى مشاعر الكراهية فى ساحات أُخرى بسبب المشاعر الجياشة التى تميز النقاش السياسى، إلى جانب أفكار مسبقة، وأساطير ومعتقدات ثابتة. الحديث هنا يدور عن مسار يغذى نفسه، وقاتل للمجتمع الإسرائيلى بكونه رجعيا جدا. وفى النهاية، فإن الكراهية لا تسمم فقط، إنما تمنع الاهتمام بقضايا مهمة فعلا.
• • •
كيف يمكن تفسير هذا الاستقطاب السياسى الواضح جدا؟ يبدو أنه وعلى مدى السنوات تم طمس الخلافات السياسية، أو نجحوا فى إبراز قضايا أكثر إلحاحا، كالفجوات الطبقية الاجتماعية. الآن، ومع تحول القضايا السياسية إلى قضايا أقل خلافية فى المجتمع الإسرائيلى، ترتفع وتبرز القضايا الملحة الخلافية فى المجالات الاجتماعية، وفى الخلفية، حالة عدم المساواة التى تميز المجتمع الإسرائيلى.
ففى الوقت الذى لا يزال الجيل الثالث من سكان مناطق التطوير اجتماعيا وجغرافيا يعانى جراء فروقات جذرية فى مجالات التعليم والصحة والعمل، تكون لديه الأسباب العادلة والكافية للغضب. وعندما يكون وصولهم إلى التعليم العالى، وظروف الحياة الجيدة والتنقل الاجتماعى، كلها أمور ممتلئة بالتحديات، يكون لديهم أسباب كافية للإحباط.
وهكذا، تطفو على السطح الذكريات التاريخية المؤلمة عن التمييز والعنصرية فى جيل الآباء، والأزمات الاجتماعية فى مدن التطوير والأحياء الفقيرة، إلى جانب عدم المبالاة من طرف النظام الذى استقبلهم كمهاجرين فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى. وبذلك، لا يغذى الاستقطاب السياسى الاستقطاب الاجتماعى فقط، بل إن الاستقطاب الاجتماعى يغذى الاستقطاب السياسى أيضا. مصيدة يعيش فيها المجتمع الإسرائيلى.
• • •
الصهيونية، منذ تأسيسها كانت ساحة للخلافات الصعبة ــ بين التصحيحيين والعمال، بين حكماء الصهيونية السياسية ومن يدعم الصهيونية العملية وغيرها. لذلك، فإن الاستقطاب ليس جديدا علينا، لكن الاستقطاب الحالى له مميزات أُخرى ــ فهو متعدد الأبعاد، شامل وقابل للانفجار. وعلى عكس الماضى، حين احتاج مسار بناء الأمة إلى قوة وموارد طغت على الخلافات (بناء، واستيطان، وهجرة)، فإن الوضع اليوم مختلف جوهريا، وكل الطاقات موجهة إلى الخلاف الداخلى ذاته.
تعزيز الاستقطاب خطر على المجتمع الإسرائيلى، وله تداعيات عميقة. فمقابل مشاكل الأمن، من السهل نسبيا التكتل، ومن الصعب أكثر التكتل أمام الاستقطاب السياسى والفجوات الاجتماعية. هذا بالإضافة إلى أن الاستقطاب السياسى والاجتماعى يلتقى الأزمات البنيوية فى إسرائيل، ولذلك، فإنه يهدد وجود الدولة برمته ــ عدم الاستقرار السياسى المستمر، وانعدام السيادة فى جميع مناطق الدولة، وانعدام الأمان الشخصى، وموجة قومية تجتاح المجتمع العربى، إلى جانب تعاظُم قوة الطبقة الاقتصادية المتحكمة وغيرها.
• • •
حالة عدم الاستقرار السياسى أدت إلى خلق فراغ على صعيد النظام دخلت إليه قوى قوية غير منتخبة فى المجتمع الإسرائيلى بسعادة ــ كبار الموظفين، البيروقراطية، النظام القضائى، الإعلام، ومجموعات المصالح الكبيرة إلى جانب النخب الاقتصادية. جميعهم ينظرون إلى عدم الاستقرار فى النظام، وضعف القوى المنتخبة، والتبدل السريع للوزراء، ويقومون ببناء قوة حُكم خاصة بهم، قوية، ومستقرة، وقادرة على الصمود، تعيش زمنا أطول، وتبدو اليوم أكبر من النظام المنتخب.
بسبب الظروف والجو السياسى المسموم، فإن كل محاولة تهدف إلى استعادة التوازن ما بين المستوى المنتخب والموظفين غير المنتخبين، تفشل. وكنتيجة لصراع القوى ما بين النخب السياسية المنتخبة وبين النخب غير المنتخبة، التى تعزز قوتها وتشل قدرة النخب المنتخبة (إلا إذا كانت تنفذ ما يريدونه)، حدثت حالة شلل نظامى أكثر من مرة.
والأسوأ من ذلك، أن التحالف ما بين الأحزاب غير الديمقراطية التابعة لـ«الحاكم الواحد»، والنخب غير المنتخبة، يؤدى إلى تحالف غير معلن، الهدف منه تقوية الطرفين اللذين يعانيان جراء نقص انتخابى ويدركون ضعفهم. الالتصاق بمراكز القوة والتأثير باتجاه واحد لا يؤدى فقط إلى حفظ القوة والعظمة بيد قلة بشكل غير ديمقراطى، إنما إلى تسييس المجتمع والاقتصاد أيضا.
لكل هذا يوجد معنى واحد ــ الاستقطاب الداخلى يعمق المشكلات الداخلية ويشكل خطرا على التكاتف الاجتماعى، كما يهدد مصير الدولة. هذا صحيح بصورة خاصة حين يتم أخذ التهديدات الخارجية بعين الاعتبار.
• • •
المجتمع الإسرائيلى على مفترق طرق تاريخى، فعليه أن يقرر مستقبله وطريقه فى عالم غير مستقر. لكن ما هو الدواء للمرض المستمر فى المجتمع الإسرائيلي؟ مفتاح الخروج من هذا المأزق يرتبط إلى حد بعيد بجمهور المصوتين.
عليه التصرف كشخص راشد ومسئول حيال حالة الفوضى السياسية والاستقطاب الاجتماعى. عليه أن يطالب القيادات السياسية بطرح رؤيتها إزاء القضايا المختلفة والمجالات المختلفة. عليه أن يطالب السياسيين والقيادات بالتطرق إلى القضايا الجدية. وعليه أن يطالب بحوار جدى فى القضايا المهمة فى المجتمع الإسرائيلى، أبعد من النقاش السطحى والشعبوى الذى يُعرض فقط على الشاشة. حوار يتطرق إلى القضايا المهمة التى تساعد على بناء وصوغ المجتمع الإسرائيلى لأجيال مقبلة.
يجب اختيار القائد القادر على الموازنة ما بين التحديات الخارجية والداخلية، ويجند المجتمع الإسرائيلى لتحقيق أهدافه البعيدة المدى، ويخلق مساحة مشتركة واسعة، كمعالجة مشكلات المجتمع الجدية فى مجال التعليم، والصحة، والأمن الشخصى، والسكن، وغيرها. وهذا بروح ما قاله الرئيس الأمريكى أبراهام لنكولن خلال خطاب التنصيب الثانى له ــ الذى اقتبسه مناحيم بيجن فى خطاب النصر يوم 17 مايو 1977: «من دون استثناء أحد ومع عدالة للجميع ومع ثقتنا بعدالة الرب الذى يسمح لنا برؤية الحقيقة، هيا لنمضى إلى الأمام وننهى العمل الذى بدأنا به، نعالج جروح الأمة، ونساعد مَن خاض المعركة كما نساعد أرملته وأيتامه، نقوم بالمطلوب بهدف الوصول إلى السلام العادل فى داخلينا، ومع جميع الأمم».

مديرة جمعية «إسرائيل لأجل النقب»
معاريف
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات