صحيفة القبس - الكويت: شرفهم وشرفنا - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 10:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صحيفة القبس - الكويت: شرفهم وشرفنا

نشر فى : الثلاثاء 23 نوفمبر 2021 - 8:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 23 نوفمبر 2021 - 8:10 م
نشرت صحيفة القبس الكويتية مقالا للكاتب أحمد الصراف روى فيه موقفا أوضح الاختلاف فى مفهوم «الشرف» بين المجتمع البريطانى والمجتمعات العربية... نعرض منه ما يلى.
يقول «حسان» إنه وصل إلى بريطانيا عام 1960. كان كل شىء غريبا عليه كعربى ومسلم، ومن أسرة من إحدى قرى الشام.
لم يكن صعبا عليه إيجاد عمل، ولكن البرودة كانت لا تطاق، ونوعية الأكل أكثر صعوبة، والتواصل مع الإنجليز، بالرغم من دماثة خلقهم، لم يكن سهلا، بسبب عائق اللغة، وطبيعة المجتمع الإنجليزى المحافظ، وبدا له حينها طبقيا متمسكا بالأصول والتقاليد، إلا أنه كان يلقى التقدير والاحترام من سكان المنطقة الصغيرة التى كان يعمل بها مساعدا لصاحب متجر متنوع الأصناف، فسكان الحى كانوا دائمى الاعتماد على خدماته، بعد انتهاء عمله فى المتجر، بسبب تعدد مهاراته المهنية ومعرفته بالسباكة وسقى المزروعات وقص الأعشاب، وتنظيف الأسطح، وحتى إصلاح بعض الآلات الكهربائية البسيطة، وكانوا يجزلون له العطاء. كما كانت بعض ربات البيوت يدعونه أحيانا إلى تناول فنجان من الشاى معهن، وكان ذلك شرفا وتنازلا كبيرا منهن، وكان أحيانا يلبى بعض الطلبات الغريبة منهن.
لاحظ بعد فترة فتورا فى العلاقة معه، بحيث أصبحت تحية الصباح هى كل ما كان يسمعه من السيدات. أما الرجال، فقد تجاهلوه تماما. حزّ فى نفسه كثيرا تصرفهم، فلا يتذكر أن شيئا مريبا بدر منه، هذا بخلاف تأثير ذلك على دخله الشهرى الذى تناقص بحدة.
قرر حسان مفاتحة سيدة كانت يوما الأكثر توددا له، عن سر الجفاء الذى أصبح يلقاه. ترددت قبل أن تقول له إن عليه مقاطعة السيدة ريتشارد، بسبب سوء سلوكها، فعلاقته بها تزعج الجميع! استغرب كلامها، فالسيدة المعنية امرأة كبيرة فى السن، ولم تكن يوما جميلة، واعتاد الذهاب إلى بيتها لمساعدتها فى الكثير من الأمور، فهى بلا زوج ولا أقارب.
استغرب كثيرا ما سمع، وتذكر أنه لا أحد من أهل الحى كان يجاملها بكلمة أو حتى تحية، أو يزورها، ولكن لم يلفت ذلك انتباهه، وأرجعه إلى ما اتسموا به من برودة فى العلاقات.
عاود السؤال أكثر عنها، وعن سبب رفض أهل المنطقة الحديث معها، فلم يتبرع أحد بالجواب. وفى كنيسة الأحد، التى أصبح يرتادها، بسبب ما كان يشعر به من راحة نفسية وهو بداخلها، التقى بالقس على انفراد وأخبره بقصته، ففوجئ بإجابة القس الذى أكد أنها «فاقدة للشرف»!
فرد متسائلا: أى شرف وهى فى الثمانين من العمر؟!
ضحكته وقسمات وجهه الساخرة بينتا جهله بما كان يقصد، أو يعنيه بالشرف، وأن الموضوع لا يتعلّق بقضايا جنسية، أو خيانتها لزوجها، بل لأنها كانت خلال فترة الحرب العالمية الثانية (1939 ــ 1945) وأثناء هجمات الطائرات الألمانية على المدن البريطانية، لا تكترث بالتعليمات، وتتعمد إشعال الشموع فى بيتها، فى مخالفة صريحة لأوامر الحكومة التى كانت تطالب بالتعتيم الكامل كى لا تستدل الطائرات الألمانية على المناطق السكنية!
صُدم حسان لسماع المعنى الحقيقى للشرف لديهم، والبعيد كليا عن الأعضاء التناسلية؟ وتبين له مدى اختلاف الثقافات بين الشعوب. فآلاف الفتيات، وأغلبيتهن بريئات، دفعن خلال العقود الماضية حياتهن بسبب شائعة أو لغط دار حول سلوكهن، فسُمعة العائلة أو القبيلة أهم من حياة فتاة!. هذا الإصرار على ربط قضايا ومسائل الشرف بالأمور الجنسية لا يسهل الفكاك من أسره فى ظل انحطاط مستوى المناهج الدراسية، وتساهل الأحكام المنبثقة من نصوص قانونية، فى التعامل مع هذه القضايا، وقصة الفتاة الكويتية التى حجزتها أمها وأخوها فى البيت، لشكهما فى سلوكها، إلى أن لقيت حتفها، خير مثال.
التعليقات