الهوس بالفرعوني - عزة فهمي - بوابة الشروق
الجمعة 9 مايو 2025 6:09 م القاهرة

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الهوس بالفرعوني

نشر فى : الخميس 24 فبراير 2022 - 9:45 م | آخر تحديث : الخميس 24 فبراير 2022 - 10:52 م

أصبحت فى العشر سنين الأخيرة من مهنتى مغرمة بالفن الفرعونى، بل يمكن القول بأننى أصبحت «مهووسة» به. كنت أتوقف أمام مكتبتى بين الحين والآخر ألتقط مرجعا عن الآثار الفرعونية؛ من كتب وأبحاث اقتنيتها على مدار حياتى. كل شوية أراجع نفسى وطريقة فهمى واستيعابى لهذه الحضارة، خاصة بعدما نفذت مجموعتى الأولى الفرعونية سنة 2011، وأخذت منى 8 سنوات من الدراسة والبحث.. وكمان خوف وتردد. دائما فى شغلى عن الفنون الفرعونية خائفة أكون أقل من المستوى. هؤلاء الناس وصلوا إلى مستوى رفيع فى كل شىء. لا يصح أن أعمل شيئا وأخجل منه. أحمد الله أن المجموعة الأولى نجحت حتى أن الناس فى مصر أصبحت تلبس حليا فرعونيا من تانى. مش بس كدة، أطلقنا أسماء فرعونية على القطع مثلا «عقد نخبت» أو الأم الحامية.. الناس نطقت فرعونيا وكان هذا بالنسبة لى نجاحا.
بعدها صرت أتعمق أكثر وأتفرج على نتاج (عصور الازدهار) فى هذه الحضارة... أى الحقب والأسرات التى كان الفن فيها على أعلى مستوى. وفهمت ازاى فى القرن التاسع عشر وبعد الحملة الفرنسية على مصر اجتاحت موجة من التصميمات الفرعونية باريس؛ من العمارة والأثاث والحلى والقطع الفنية الصغيرة.
جاءت الفرصة هذا الشتاء لشد الرحال ٳلى مدينة الأقصر (المتحف المفتوح) حيث يوجد هناك 60 موقعا أثريا يعمل بها مجموعات من الأثريين المنكبين على التنقيب والترميم والبحث المكتوب... يقضون حوالى من 3 إلى 4 أشهر فى شتاء وشمس الصعيد الجميل مع فريق رائع من الأثريين والعمال المصريين المدربين.
أعرف بعض الأثريين الأجانب ويعرفونى من أعمالى، وقلت «يا بنت روحى خدى جرعة جديدة من الثقافة والفن».. هناك سأفهم أحسن على الطبيعة وفى الموقع.
قضيت خمسة أيام رائعين.. جرعة مكثفة مركزة من الفن الفرعونى.
أدون من الصباح إلى المساء فى المعابد والمقابر كل ما يقوله هؤلاء العلماء والباحثون عن الرسوم التى فكرت فى ضرورة أن أضعها فى مجموعتى القادمة للحلى.
هناك فى معبد الكرنك الرائع (بيت الآلهة) مساحة كبيرة وفضاء يطلق عليه الأثريون (المتحف المفتوح)، به أحلى وأجمل وأرق ما صمم ونفذ فى الفن الفرعونى على أيدى عمال مهرة تابعين للملك وللمعبد.
اصطحبنى الدكتور مصطفى، المشرف على معبد الكرنك، لشرح ما هو موجود فى هذه البقعة المهمة من المعبد العظيم.
رأيت فى المقصورة البيضاء للملك سنوسرت الأول (الدولة الوسطى) أجمل وأرق ما رأيت من تفاصيل رائعة.. قضيت حوالى 3 ساعات من التصوير والإنصات إلى الشرح لكل ما أراه فى هذا المبنى الصغير الذى يحتوى على أجمل ما صنعه المصرى القديم.
وفى المقصورة الحمراء للملكة حتشبسوت (ملوك الأسرة 18)، واحدة من أقوى ملوك مصر وأبرزهم والتى حكمت لمدة 20 عاما ولقبت نفسها رسميا ملكا وارتدت زى الملك، رأينا تفاصيل رائعة أستطيع بالتأكيد أن أستخدمها فى تصميماتى.
مستوى التفاصيل الدقيقة والنسب الفنية مرتفعة المستوى التى تمت فى هذه الفترة شىء لا يصدقه عقل.. طوال الوقت كنت ماشية أقول «مش معقولة! مش معقولة!!..»، منبهرة بما وصل ٳليه الحرفى المصرى من إجادة وتفوق.. حقيقى لا أعرف كيف أصف شعورى بالعظمة والإعجاب والتحية والاحترام لهؤلاء الحرفيين وشيوخ المهنة والصناع الذين لم تصل إلينا أبدا أسماؤهم ولا نعرف عن حياتهم الشخصية أى شىء.
كان اكتشافى الأكبر فى هذه الرحلة مرحلة الملك العظيم الرائع (أمنحوتب الثالث) من الأسرة الثامنة عشرة، أبو أخناتون وجد توت عنخ آمون، «إيه الروعة دى»، أعتقد أنه البذرة الحقيقية الأولى للتطوير الذى حدث فى (عصر العمارنة).. وأنه هو من أخذ الفن الفرعونى إلى مراحله المعاصرة، أى إلى عصر التجديد.
وفى وادى النبلاء حيث أحلى مقابر هذه المرحلة، توجد مقبرة (راموزا)، وزير أمنحوتب الثالث. هذه المقبرة تعد من أروع مقابر البر الغربى فى تفاصيلها الرائعة الدقيقة فى رسم وجوه الأشخاص وتفاصيل الباروكات وتصميمها.. شىء من وراء الخيال.
وعلى جدران المعبد نرى كيف يقوم المعلم أو الأستاذ بتصحيح عمل الحرفى.. يعلم له باللون الأحمر ويدل على الخط الصحيح والنسبة الجميلة التى يجب أن نعمل بها.. جنبا إلى جنب يعملان، الأستاذ والحرفى، هكذا تنقل خبرات المعلمين إلى الحرفيين باستمرار.. الإجادة كان شعار هذه المرحلة.
فى المقبرة رقم 100 يرقد الوزير رخميرع، الذى كان مسئولا عن سير العمل والإنتاج من أثاث وفخار والحلى الخاص بالملك والإشراف على العمالة والمخازن.. نموذج رائع للنظام والإدارة الدقيقة والتسجيل.. قضيت حوالى ساعة ونصف أصور وأكتب فى أوراقى أهم الأشياء الذى يجب أن أعرفها وأفهمها.
كانت زيارة مفيدة جدا التى قمنا بها للدير البحرى ومعبدالملكة القوية الرائعة حتشبسوت لفهم أكثر لشخصية هذه المرأة القوية ومشاهدة صور عن رحلتها ٳلى بلاد (بنط) للتبادل التجارى.
للأسف لم يكن هناك وقت للذهاب إلى «دير المدينة»، منطقة سكن العمالة وأسرهم والمشرفين عليهم، والاطلاع على حياة هؤلاء الحرفيين المهرة مجهولى الأسماء الذين يعملون خلف الستار تحت إشراف أساتذتهم ومعلميهم.

عزة فهمي مصممة مجوهرات
التعليقات