لماذا خسر فاروق حسني؟ - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا خسر فاروق حسني؟

نشر فى : الخميس 24 سبتمبر 2009 - 8:56 ص | آخر تحديث : الخميس 24 سبتمبر 2009 - 8:56 ص

 فى المعركة الدولية الساخنة التى خاضها فاروق حسنى للحصول على منصب المدير العام لليونسكو، كان الكثيرون فى مصر وخارجها فى العالم العربى يتابعونها وكأنها مباراة فى كرة القدم.. المهم فيها هو تسجيل أكبر عدد من الأهداف فى مرمى الخصم.

وبدلا من أن ندرك الأبعاد السياسية والثقافية التى تحكم هذه المنافسة، اتجه البعض إلى الحديث عن «المؤامرة» التى تحاك ضد شخص فاروق حسنى من جانب إسرائيل وحلفائها فى أمريكا وأوروبا. وعن تربيطات فى آخر لحظة أطاحت بالأغلبية بفارق أربعة أصوات.

والحقيقة هى أن معركة اليونسكو لم تكن تتعلق بشخص فاروق حسنى، إلا من حيث انقسم المثقفون المصريون بين مؤيد ومعارض، المؤيدون يرونه فوزاً لرجلهم، وقد نجح فاروق حسنى طوال أكثر من عشرين سنة، فى أن يكون له رجاله من الأدباء والفنانين والمثقفين والأثريين، خصوصاً أنه ارتبط بالنظام ارتباطا وثيقاً وقدم خدمات للسيدة الأولى. ومن ثم فإن فوزه بالمنصب كان يمثل من ناحية بالنسبة للبعض جائزة لا يستحقها، ومن ناحية أخرى فإن فوزه سيخلى الطريق أمام طابور من المشتاقين لمنصب الوزير فى نظام جامد قلما يتغير.

وقد أعطى الرجل كل ما عنده، وبقى المشهد الثقافى فى مصر ساكناً لا يتحرك إلا فى مجالات محدودة مثل الآثار، ودون أن يترك بصمة تذكر فى مجال حرية الفن والإبداع فى المسرح والسينما والترجمة والنشر.

ولم يكن لهذه الاعتبارات وزن فى المعركة التى دارت فى الكواليس الدولية فى الخارج، وإن كان الإسرائيليون هم أول من سارع إلى استغلالها. وأمسكوا بالعبارة التى أفلتت من لسانه حول حرق الكتب.. والتى اعتذر عنها بعد ذلك!

التكتل الذى تشكل بسرعة فى غضون أيام قلائل من بدء عملية التصويت، لم يكن بسبب العبارة التى قالها واعتذر عنها، ولكنه كان فى حقيقة الأمر تحسباً لاحتمالات اختيار شخص عربى على رأس منظمة دولية لا تقتصر مهمتها على رعاية الثقافة والعلوم والتعليم، ولكنها تُعنى أيضاً بذاكرة الشعوب وثقافاتها وتراثها.. فى وقت تتجمع فيه الدلائل على أن إسرائىل ماضية فى تهويد «القدس» دون هوادة، والاستيلاء على التراث العربى فيها وتشويهه، وتغيير معالم المدينة المقدسة ببناء مئات المستوطنات الجديدة، واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وجذورهم وهوياتهم.

صحيح أن العرب لم يفعلوا شيئاً طوال أكثر من نصف قرن لوقف الابتلاع المنظم للقدس وغيرها، ولكن انتخاب شخص مصرى عربى على رأس المنظمة قد يعرقل هذه المخططات، ويكون عاملاً مساعداً على فضح المؤامرة الإسرائيلية على القدس، التى يصر نتنياهو على عدم إدخالها فى أى اتفاق لتجميد المستوطنات.

لم تكن خصال فاروق حسنى أو عيوبه، هى موضوع المنافسة والمفاضلة والمفاصلة التى على أساسها جرى التصويت، ولكن النظام العربى الذى يرمز إليه حسنى فى مجمله، بكل إخفاقاته وتخلفاته، ومشاكله وخلافاته، فضلا عما تشهده النظم الحاكمة من عجز عن ملاحقة التقدم والديمقراطية واحترام المرأة والحريات وحقوق الإنسان، هو الخلفية التى كان يتحرك المرشح المصرى فى مسرحها فى قاعات اليونسكو، وهو يخاطب جمهورا عالميا متنوعاً من الثقافات والعقليات. ولا يمكن التعويل هنا على التقسيمات السياسية لما يسمى بدول الشمال والجنوب، أو بدعاوى حوار الحضارات والثقافات فكل هذه اللافتات والشعارات، لا تعدو أن تكون أداة لتحقيق أهداف سياسية عابرة، يتحالف الغرب لبلوغها ويخدع العرب أنفسهم بها.

ومنذ تم دمج دول أوروبا الشرقية فى الاتحاد الأوروبى، وانضمت إليه مجموعة دول البلقان وشرق أوروبا بما فيها بلغاريا، تقلصت أهمية دول الجنوب والدول المطلة على البحر المتوسط. وتحاول دول الاتحاد الأوروبى الآن أن تستعيد بعض نفوذها على دول شرق أوروبا، بعد أن سعت إدارة بوش إلى إزاحتها. ولهذا لم يكن غريبا أن تبذل أوروبا كل ما فى وسعها لإنجاح المرشحة البلغارية، وتمكين هذه الدولة الريفية الصغيرة فى شرق أوروبا من تولى رئاسة اليونسكو، على الرغم من أن دور بلغاريا فى الثقافة الأوروبية والعالمية دور صغير لا يذكر، بل إن أحداً لا يعرف لها دوراً فى تاريخ الحضارة الأوروبية، وهو ما يفسر الجهد الخارق الذى بُذل لتغليبها فى مواجهة كتلة متماسكة من دول العالم الثالث.. الأمر الذى يدل على هيمنة أوروبا وعدم قبولها لمبدأ التنوع والتعدد الذى لا تكف عن التغنى به فى حوار الحضارات، وهو فى الوقت نفسه ضربة لمشروع الاتحاد من أجل المتوسط الذى ابتدعه ساركوزى.

لقد علق البعض آمالهم على أن يكون انتخاب فاروق حسنى رئيساً لمنظمة اليونسكو فاتحة لتحريك الحياة الثقافية والفكرية فى مصر والعالم العربى، بإعادة النظر فى بعض القوانين التى تكبل حرية الفكر والتعبير، وتخضع أمور الثقافة لسيطرة القوى الرجعية والأدوات البيروقراطية.. ولكن يبدو أن كل شىء لابد أن يتأخر بضع سنوات.

ويبقى السؤال: هل يعود حسنى إلى منصبه وزيراً للثقافة، أم يترك منصبه لمن يحل محله؟ صحيح أن المجال الثقافى فى مصر ليس هو المجال الوحيد الذى يحتاج إلى دماء جديدة وأفكار جديدة ووجوه جديده. وأن مجالات أخرى لا تقل أهمية عن الثقافة قد أصابها الصدأ والتآكل.. ولكن قضية التغيير تظل معضلة المعضلات فى مصر!!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات