وطوت مصر مع حجازى صفحة فريدة من حياتها - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وطوت مصر مع حجازى صفحة فريدة من حياتها

نشر فى : الأربعاء 24 ديسمبر 2014 - 8:30 ص | آخر تحديث : الأربعاء 24 ديسمبر 2014 - 8:30 ص

مرة أخرى أعود للكتابة عن صديق آخر طُويت صفحته الدنيوية حافلة بالعطاء المتواصل الذى لم ينقطع لحظة، ضاربا مثلا رائعا فى خدمة الوطن مستندا إلى عزيمة لا تلين وعلم غزير وكرامة لا يمسها تفريط. سبقنى إلى التحرج من جامعة فؤاد الأول (القاهرة) بعام، ولم يلبث طويلا حتى أكمل دراسته فى الخارج وعاد ليساهم فى تأسيس أحد أهم فروع المحاسبة، وهو «محاسبة التكاليف»، وهو اختيار ينبى عن إدراك لاحتياجات اقتصاد ناشئ مازالت وحداته المستجدة تتلمس طريقها إلى النجاح. وتلقى طلبته نوعين من الدروس: الدقة فى التحصيل والتعبير العلميين، والتشدد فى التمسك بأخلاق حميدة تجعل منه نموذجا فريدا يجسد أصالة الشعب المصرى التى دفعت جمال حمدان للتغنى بعبقرية وطنه. وترك الجامعة التى نشأ فيها ليدعم أركان كلية التجارة لجامعة عين شمس نموذجا للعميد المقتدر، فجمع بذلك بين مهام الأستاذ المتفانى فى علمه والإدارى الجدير بتسيير مؤسسة جامعية تليق بدولة تسعى إلى التقدم بفضل تفانى شبابها علما وعملا.

وعندما واجهت مصر محنة 1967 وقرر عبدالناصر إعادة بنائها على أسس صلبة لتخرج منها مرفوعة، قبل عبدالعزيز تحمل أعباء أحد أهم أعمدة البناء الجديد فكان كمن يفحت الصخر بأظافره بحثا عن قطرة ماء، لكى يدبر للخزانة ما يواجه ثلاثية قل من يتمكن من مواجهتها: مواصلة الجهاز الحكومى عمل دون خلل، وتدبير متطلبات المزيد من العدالة الاجتماعية دون تراجع أو انتقاص منها بدعوى ضيق ذات اليد وبدون ارتفاع غير محسوب فى تكاليف المعيشة، وتزويد القوات المسلحة بما يلزمها من أموال تستعوض بها أسلحة تحطمت ونفقات تدريب أعداد أكبر وبخاصة من الشباب المتعلم، ومساندة من شردتهم حرب غادرة شنها عدو يجرى فى شرايينه تصميم على حسم صراع بين موسى وفرعون. وعندما وضعت حرب أكتوبر أوزارها أعد قوانين الرسوب الوظيفى ليعوض العاملين عما تحملوه فى سبيل وطنهم.

•••

ومن الدروس النادرة التى لمستُها علاقته الفريدة بصديق آخر رحل منذ زمن إسماعيل صبرى عبدالله، التى مكنت شخصا مثله شديد التدين والاهتمام بالمنشأة الفردية بحكم خلفيته العلمية بالمشاركة مع زميل من أقطاب الفكر الماركسى اللينينى معنى بالعمل السياسى الجماهيرى والتخطيط على المستوى القومى، تحت رئاسة عزيز صدقى أبو الصناعة المصرية، للعمل كفريق وثيق التعاون والتكامل من أجل إعادة بناء وطن أولاهم ثقته فى العودة إلى حياته الطبيعية. قد يكون قد تسرّع فى فتح الباب أمام تصحيح الأجور قبل أن تغلق صفحة الحرب نهائيا وتتدعم أركان السلام، ثم فى إعداد ورقة أكتوبر التى اعتمدت الانفتاح الاقتصادى مع استمرار منهج التنمية بالاعتماد على النفس والاعتراف بدور محورى للدولة والقطاع العام، ولكن المسئولية الأساسية فى هذا التسرع تلقى على رئيس الدولة الذى أولى ثقته لصديقه هنرى كيسنجر ثم أحال الانفتاح إلى طاقة يطل منها الطفيليون على عالم يترقب لحظة إغلاق باب التحول الاشتراكى والانتقال إلى التذيل الرأسمالى، ولم يطل به المقام رئيسا لمجلس الوزراء، ليعود بعد ذلك إلى سياحة شديدة الاتساع من المراكز القيادية لبنوك ومؤسسات وشركات الأعمال والإشراف على المجتمع المدنى الذى بدأت أهميته تتزايد فى غيبة خيمة تظلله.

كان حرصه على كرامة مصر واسترداد مكانتها داخليا وخارجيا خطا أحمر لا يسمح لكائن من كان تعديه. أثناء انعقاد المجلس الاقتصادى العربى فى القاهرة برئاسته، ترك مقعده لنائبه فى إدارة إحدى الجلسات بسبب ظروف عمله، فوجه رئيس أحد الوفود العربية لوما، ليتصدى له قائلا إن مصر يمثلها من تُجلسه على هذا المقعد، مشيرا إلى كرسى الرئاسة. وخلال إحدى جلسات الإعداد لأول قمة اقتصادية اجتماعية عربية فى فبراير 2008 بالكويت صدرت عبارات تسفيه بآراء المجتمعين من شخص اختارته دولته كخبير يشارك فى الاجتماع، ساد صمت لم يدم طويلا إذ أنهاه بعبارات حاسمة لقنته دروسا فى أخلاقيات الاجتماع. وخلال عملية الحوار الوطنى التى انطلقت بعد قيام ثورة 25 يناير ضاق ذرعا بحوار الطرشان بين أطراف الحوار، فأنهاه قائلا إنه تحول إلى «مكلمة». وللأسف تنحى جانبا فتحولت المكلمة إلى مهيصة مازلنا ندفع ثمنها حتى الآن.

•••

رحم الله رجلا احترم قدر نفسه ووهب حياته ليرفع قدر وطنه، وظلت يداه وجيوبه نظيفة لم يدخلها قرش واحد من المليارات التى كانت تغدو وتروح أمام باصريه، ولم يسمح لمكتبه الخاص بأى منفعة تتسرب إليه بحكم مناصبه العديدة. لعل الوحيدون الذين قد يرتاحون بالا اليوم أقطاب الفساد الذين أحالوا الانفتاح إلى انفضاح، بعد أن توارى العملاق الذى يحارب الفساد أينما كان. ثوابه عند رب عادل وعد كل من عمل عملا مثقال ذرة يره، شرّا بشّر ما أرهبه وخير بخير ما أجزله.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات