العالمة العبقرية - محمد زهران - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العالمة العبقرية

نشر فى : السبت 26 مارس 2016 - 10:00 م | آخر تحديث : السبت 26 مارس 2016 - 10:00 م
في عام 1952 هز مصر حادث جلل.

بالتحديد في 15 أغسطس عام 1952 فقدت مصر العالمة المصرية العبقرية الدكتورة سميرة موسى علي أبوسويلم التلميذة العبقرية لأستاذها العبقري علي مصطفى مشرفة، وزميلة العالم العبقري أيضا عبدالعظيم أنيس، ولا نريد أن نسرف في استخدام صفة العبقرية حتى لا تفقد معناها ورونقها، سميرة موسى رحلت عن عالمنا في الخامسة والثلاثين من العمر فكانت كالومضة شديدة اللمعان في تاريخ مصر المعاصر. كما سنرى.

ولدت سميرة موسى في 3 مارس بمركز زفتى بالغربية عام 1917، وقامت بتأليف كتاب في الجبر وهي في السادسة عشرة من عمرها! حتى وإن كان هذا الكتاب لا يحوي جديدا ولكن يعرض هذا العلم للناس فيكفي أنها كان عندها من العلم ما يسمح بكتابته في هذه السن ويكفي أنها فكرت في كتابة كتاب في هذه المرحلة العمرية، هذا الكتاب أقرته وزارة المعارف العمومية لطلبة الصف الأول الثانوي سنة 1933! لا يجب أن نغفل أن مديرة المدرسة التي تلقت فيها سميرة موسى تعليمها هي نبوية موسى إحدى رائدات التعليم والعمل الاجتماعى في مصر وأول ناظرة مصرية، وقد أنشأت نبوية موسي معملا في المدرسة للطالبات بناء على طلب الطالبة سميرة موسى!

عند ولادتها انضمت سميرة لست شقيقات وأخين، كانت الأولى في المرحلتين الابتدائية والثانوية (لم تكن هناك مرحلة إعدادية آنذاك وكانت المرحلة الثانوية خمس سنوات) ثم اختارت أن تدرس في كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن)، وحصلت على بكالوريوس العلوم عام 1942 وكانت الأولى أيضاً! الجامعة آنذاك كان مستواها العلمي يقارب جامعات أوروبا وكانت تعج بالأساتذة الأجانب بالإضافة إلى أساتذة مصريين يعتبروا من الأساطير في تاريخ مصر الحديث مثل الدكتور علي مصطفى مشرفة والدكتور أحمد زكي والدكتور أحمد رياض تركي وغيرهم في كلية العلوم بل وحسب حديث للدكتور محمود حافظ في الإذاعة (برنامج علماء في دائرة الضوء وكان تقدمه د. أميمة كامل) كانت الامتحانات ترسل إلى إنجلترا للتصحيح بجانب التصحيح في مصر، معنى ذلك كله أن الأول على الدفعة هو الأكثر فهما فعلا وليس الأكثر حفظا.

تخصصت سميرة موسى في العلوم النووية وساندها أستاذها العظيم الدكتور علي مصطفى مشرفة لتصبح معيدة، سافرت بعد ذلك إلى إنجلترا لدراسة الذرة والإشعاع النووي وحصلت على الدكتوراه، وقد أنهت رسالتها في عام ونصف واستمرت بقية مدة البعثة في استكمال أبحاثها. كانت تتمنى أن تجعل علاج السرطان بالذرة سهلا ورخيصا وفي متناول الجميع مثل الأسبيرين. يجب ألا نغفل أن سميرة موسى قامت بتأسيس هيئة الطاقة الذرية عام 1948، بعد حوالي ثلاثة أشهر من إعلان قيام دولة إسرائيل!

حصلت سميرة موسى بعد ذلك على منحة فولبرايت للقيام بأبحاث في الطاقة الذرية في أمريكا، وزارت هناك معامل الطاقة النووية بتصريح خاص، سميرة موسى رفضت عروض بالبقاء في أمريكا واستكمال أبحاثها في الطاقة الذرية (كانت هذه فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والسلاح النووي كان هو بؤرة الاهتمام)، وقبل عودتها لمصر وأثناء قضاء عطلة في ولاية كاليفورنيا لقيت العبقرية المصرية مصرعها في حادث سيارة ما زال تحيط به الكثير من علامات الاستفهام.

سلم البوليس الأمريكي لرجال السفارة المصرية في واشنطن متعلقات سميرة موسى وإحدى هذه المتعلقات نوتة صغيرة تبدو شخصية جدا وقد تم تسليمها مع باقي المتعلقات إلى والد سميرة موسى. آخر جملة كتبتها سميرة موسي فيها ولا يدري أحد ماذا تعني بها: "ثم غربت الشمس". رحم الله الدكتورة سميرة موسى. أول معيدة وأول سيدة تحصل على درجة مدرس في كلية العلوم وأول مصرية تحصل على الدكتوراه في العلوم النووية. شهاب لمع في السماء ... ثم مضى.
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات