هل تنجح الإدارة الأمريكية فى إعادة تعريف حقوق الإنسان؟ - جيهان العلايلي - بوابة الشروق
الثلاثاء 21 مايو 2024 1:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تنجح الإدارة الأمريكية فى إعادة تعريف حقوق الإنسان؟

نشر فى : الجمعة 26 يوليه 2019 - 10:20 م | آخر تحديث : الجمعة 26 يوليه 2019 - 10:20 م

فى معظم الأوقات يبدو الرئيس ترامب وكأنه يمسك بمعول هدم للقيم التى استقر عليها نظام الحكم الليبرالى فى الغرب بعد الحرب العالمية الثانية، من ديمقراطية وحكم القانون واحترام حقوق الانسان. ولكنه أيضا باحتفائه بقادة لديهم سجلات سوداء فى معاملة مواطنيهم، وبإظهاره الكراهية للمرأة والعداء العنصرى للأقليات واعتبار الصحفيين أعداء الشعب، يقارب نظم حكم سلطوية.
أحيانا يُقال فى استشراف معالم النظام العالمى الجديد بعد سبعين عاما من هيمنة الليبرالية الغربية، أن عالم الرئيس الروسى بوتين، الاستبدادى، يمكن أن يمثل مستقبل البشرية. إذا كان ذلك صحيحا فإن أسلوب ترامب فى الحكم بات قريبا منه. هذا النموذج الصاعد يمثل شعبوية يمينية ذات مسوح دينية تلتف حول زعيم يدعى القوة، ويتملق قاعدته الانتخابية لكسب ثقتها، بينما يقوم فى الممارسة العملية بتجريف جوهر الديمقراطية.
ترامب يكره الديمقراطية وحقوق الانسان ولكنه يُغلف كراهيته وسعيه الحثيث لتقويضهما بخطب مليئة بأكاذيب فجة، مفادها أن تدابيره الحادة وتشريعاته غير الدستورية أحيانا، ضرورية لحماية الأمن القومى الأمريكى.
مثل الحاكم المستبد فى رواية جورج أورويل العبقرية «١٩٨٤»، الذى يقوم بتكليف وزارة السلام بمهام الحرب وإسناد مهام الكذب لوزارة الحقيقة، أعلن وزير خارجية ترامب أخيرا عن إنشاء «لجنة الحقوق الأساسية/غير القابلة للتصرف» لإعادة تعريف حقوق الانسان!
وزير الخارجية بومبيو وهو يعلن عن تشكيل اللجنة قال إن البعض قد اختطف خطاب حقوق الإنسان لأغراض خبيثة أو مشكوك فى أمرها، وإن كلمات مثل «الحقوق» يمكن استخدامها من قبل «الخيرين أو الأشرار»، ومن ثم وجب إعادة تعريف حقوق الإنسان.
نتناول فى هذا المقال الهدف من وراء إنشاء هذه اللجنة وعلاقة ترامب بحقوق الإنسان ونتساءل: هل حقوق الإنسان بحاجة إلى إعادة تعريف؟
***
من المؤسف وبعد مرور أكثر من سبعين عاما على صدور الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وما تلاه من عشرات العهود والاتفاقيات الحقوقية التى أقرت فيها الدول بعالمية حقوق الإنسان وبضرورة اتخاذ التدابير الوطنية والدولية لتوطيد احترام هذه الحقوق وحمايتها، أن يُطرح مثل هذه المحاولة لإعادة تأصيل وتعريف حقوق الإنسان.
على الأرجح يعلم السيد ترامب ووزير خارجيته أن ولادة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى سنة ١٩٤٨ جاء بعد الحرب العالمية الثانية وأهوالها. من ثم كان إجماع أعضاء الأسرة البشرية على وجوب تلافى مثل هذه البربرية، والإقرار فى هذه الوثيقة لمجموعة من القيم الإنسانية المشتركة التى يجب احترامها والدفاع عنها لأنها تمثل أساس العدل والسلام فى العالم. هذه القيم وضعت فى ثلاثين مادة. جاء فى المادة (١): «يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين فى الكرامة والحقوق..»، وفى المادة (٣): «لكل فرد حق فى الحياة والحرية وفى الأمان على شخصه»، وفى المادة (٥) «لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية...»
ترامب انقلب على الإرث الأمريكى الذى كان معمولا به فى السابق بدعم برامج نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان فى الخارج. الرئيس أوقف هذه النوعية من البرامج، وأمر بانسحاب الولايات المتحدة من عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بحجة أنه متحيز ضد إسرائيل. كذلك أوقف أو رهن جميع برامج المساعدات لدول أمريكا الوسطى شريطة تعاونها فى تنفيذ سياسة الهجرة الكارثية التى تنتهجها إدارته بهدف منع مئات الآلاف من طالبى اللجوء من الوصول إلى الحدود الأمريكية.
فإذا كان ترامب لا يأبه بحقوق الإنسان، فلماذا اللجنة ولماذا الإلحاح على إعادة تعريف مفهوم حقوق الإنسان؟
***
وزير الخارجية جورج بومبيو شرح أن اللجنة عملها استشارى، وهى تضم عشرة أكاديميين من خلفيات دينية بالأساس، وستقوم بتقييم دور حقوق الإنسان فى السياسة الخارجية الأمريكية. الملاحظ هنا أن اللجنة لا تضم باستثناء عضو واحد أى متخصصين فى المجال الحقوقى من ذوى الاتجاهات الليبرالية أو التقدمية.
رئيسة اللجنة مارى آن جلندون، الأستاذة بجامعة هارفارد والسفيرة السابقة للولايات المتحدة فى الفاتيكان هى من أكثر المدافعين عن فكرة الأصول المسيحية المحافظة لحقوق الإنسان، وتٌعارض فكرة زواج المثليين. كما أنها انتقدت مرارا التوسع الدولى الذى طرأ على مجمل الحقوق وسيطرة المفاهيم العلمانية التقدمية على مفهوم حقوق الإنسان.
الوزير بومبيو الذى تتلمذ على يد الدكتورة جلندون، يشاطر معلمته الرأى فى انتقاد هذا التوسع فى حقوق الإنسان، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة. الوزير دعا إلى التفرقة بين ما أسماه «الحقوق الأصلية»، غير القابلة للتصرف و«الحقوق المخصصة» التى أضيفت منذ التسعينيات.
اللجنة كما أعلن الوزير ستستند فى بحثها عن «الحقوق الأصلية» إلى الإرث الأمريكى من وثيقة الاستقلال وما اتفق عليه الآباء المؤسسين للبلاد فى ١٧٧٦. كما ستعتمد على «القانون الطبيعى» و«الحقوق الطبيعية» وهى فلسفة قيَمية قديمة أتت قبل تطور القانون الدولى الحالى، وهى مفضلة لدى المحافظين الدينيين.
يخشى كثير من المحللين من اتجاهات باتت واضحة فى إدارة ترامب للتضحية بكثير من حقوق الإنسان و«بعالميتها»، وبالتالى بإطار القانون الدولى الذى يوجب توفير الحماية للمطالبين بها. الحنين إلى مبادئ حقوقية تعود إلى ١٧٧٦، وتشكيل لجنه أغلب أعضائها من ذوى اتجاهات اليمين الدينى المحافظ، ينم عن نية لتضييق مفهوم حقوق الإنسان وإقصاء فئات معينة من التمتع بتلك الحقوق. يتوقع البعض خلال عمل اللجنة أن يجرى اختزال «الحقوق الأصلية» فى الحريات الدينية بالأساس، وهو ما يُرضى اليمين الدينى المحافظ واليمين القومى اللذين يمثلان قاعدة رئيسية من ناخبى ترامب.
يخشى الحقوقى مارك بروملى من اتجاه اللجنة إلى خلق نوع من المفهوم الهرمى التراتبى لحقوق الإنسان تأتى فيه الحريات الدينية فى الصدارة. وتبعا لذلك يتوقع كثيرون إخراج الحقوق المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية للنساء، وحقوق المثليين والمثليات والمتحولين جنسيا، وفئات أخرى كالمهاجرين واللاجئين والفقراء من الحقوق التى يجب إسباغ الحماية القانونية عليها.
***
المرأة على الأخص من الفئات التى يستهدفها ترامب بعدائه. وقد رأينا عنصريته الفجة تجاه العضوات الأربع بالكونجرس من ذوى البرامج التقدمية والأصول العرقية والدينية المتباينة. تحريضه العنصرى الحقير ضد العضوة المسلمة إلهان عمر، وهى أمريكية سمراء من أصول صومالية، وصل حدا خطرا حين طالبه مناصروه فى هتاف مدوى خلال أحد مؤتمراته الأخيرة بطردها إلى موطنها الذى أتت منه. كان مشهدا مجلجلا نقلنا إلى عهود فاشية ظننا أنها مضت بلا رجعة.
فارق بين هذا المشهد المخزى وآخر مشرف فى سنة ١٩٩٥حيث كانت أمريكا فى صدارة العمل الدولى للدفاع عن حقوق الإنسان. بمناسبة انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة العالمى الرابع المعنى بالمرأة فى بكين ألقت هيلارى كلينتون، السيدة الأمريكية الأولى آنذاك، خطابا قويا أكدت فيه أن «حقوق المرأة هى حقوق الإنسان». الدعم والقوى الناعمة للولايات المتحدة آنذاك ساهما فى وضع حقوق المرأة وقضاياها على جدول أعمال أغلب الدول وأن تخصص له مؤتمرات بالأمم المتحدة.
بالنظر لذلك التاريخ، فإن اهتمام إدارة ترامب بالحريات الدينية فقط من مجمل حقوق الإنسان، يضعف العمل الدولى للدفاع عن هذه الحقوق. هذا الوضع كما ترى منظمة العفو الدولية يشجع الحكومات على النأى بنفسها من مسئولية الحماية القانونية، كما تفعل الصين التى تحتجز قسرا الملايين من مواطنيها المسلمين فى إقليم تشيجيانج فى معسكرات إيواء.
على صعيد آخر فإن دفع الإدارة الأمريكية بأن «حقوق الإنسان» أو بعضها على أقل تقدير ليست عالمية، يضع أمريكا فى نفس المربع المدافع عن الخصوصية الدينية أو الثقافية لهذه الحقوق مثل الفاتيكان وروسيا ودول الخليج.
التحديات الكبيرة التى تواجه حاليا حماية حقوق الإنسان على مستوى العالم لا يمكن تعليقها فقط على سياسات ترامب العنصرى المتعصب.
هناك أسباب أخرى من أهمها الاقتصاد النيوليبرالى وسياسات التقشف التى أفقرت الملايين من أبناء الطبقة المتوسطة فى الغرب. تَواكب ذلك مع أزمة الهجرة واللجوء الدوليين رفعوا من درجة التذمر الشعبى ضد النخب الحاكمة. هذا الوضع استغله طالبوا السلطة من تيارات اليمين القومى واليمين الدينى لخلق وطنية زائفة تعصف بحقوق الفئات الضعيفة والملايين من طالبى الهجرة واللجوء الفارين من ويلات الحروب.
حقوق الإنسان ضرورية لتحقيق التنمية واستتباب السلام. ولعلنا نسترشد بالإعلان العالمى لحقوق الإنسان، الذى حذرنا من ضرورة تمتع حقوق الإنسان بحماية النظام القانونى حتى لا يضطر البشر فى آخر الأمر «إلى اللياذ بالتمرد على الطغيان والاضطهاد».

التعليقات