«الصحفيين».. نقابة مهنية أم «مول تجارى»؟ - محمد سعد عبدالحفيظ - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 10:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الصحفيين».. نقابة مهنية أم «مول تجارى»؟

نشر فى : الأحد 28 مارس 2021 - 11:55 م | آخر تحديث : الأحد 28 مارس 2021 - 11:55 م
قبل 31 مارس عام 1941، لم يكن هناك قانون ينظم علاقة الصحفيين بالحكومة أو الجمهور، كما أن القوانين السارية قبل هذا التاريخ خلت من أى إشارة إلى حقوق وواجبات أبناء القلم، اللهم إلا قانون المطبوعات الذى صدر عام 1881 بغرض تقنين عمليات الرقابة على الصحف.
الآباء المؤسسون لمهنة الصحافة، ناضلوا منذ نهايات القرن التاسع عشر من أجل إصدار قانون يسمح لهم بتأسيس كيان يمثلهم ويدافع عن حقوقهم وينظم علاقات العمل بتلك المهنة الحديثة نسبيا فى ذلك التوقيت.
وبعد العديد من المحاولات كُلل نضال رواد الصحافة المصرية بصدور القانون رقم (10) لسنة 1941 بشأن إنشاء نقابة الصحفيين فى 31 مارس من ذات العام، حددت مواد هذا القانون أغراض النقابة فى «العمل على صيانة حقوق الصحفيين وتحديد واجباتهم، تنظيم علاقات الصحافة مع الحكومة والجمهور، جزاء المخالفين لمبادئ المهنة ولوائحها، تسوية المنازعات التى قد تنشأ بين أعضاء النقابة أو بينهم وبين غيرهم، العمل على تحقيق كل مشروع أو عمل من شأنه رفع مستوى الصحافة وإعلاء كرامتها».
وحظرت المادة (2) من القانون على النقابة الاشتغال بأى عمل خارج هذه الأغراض، أما المادة (13) فذكرت على سبيل الحصر اختصاصات مجلس النقابة، «تمثيل النقابة والذود عن حقوقها ومصالحها وكرامتها، إعداد اللائحة الداخلية، وضع وتدوين القواعد الخاصة بمزاولة مهنة الصحافة.. تنفيذ قرارات الجمعية العمومية، إدارة أموال النقابة والإشراف على نظام حساباتها، وتسوية المنازعات وتأديب المخالفين لمبادئ المهنة ولوائحها..».
ظلت أغراض تأسيس النقابة واختصاصات مجلسها محصورة فيما ورد فى قانون القانون الأول، ولم تخرج التعديلات التى طرأت على القانون رقم (185) الصادر فى 31 مارس عام 1955، أو القانون رقم (76) الصادر فى 31 مارس عام 1970، عن مضمون وروح تلك الأهداف، وإن كانت النسخة الأخيرة قد تحدثت صراحة على عمل النقابة على ضمان حرية الصحفيين فى أداء رسالتهم.
إذن قانون النقابة الأول بتعديلاته المتعاقبة، لم يتضمن أى مواد عن إتاحة خدمات وسلع مخفضة للصحفيين، ولم يتبارَ الآباء المؤسسين خلال انتخابات مجالس النقابة على الأقل فى العقود الأربعة الأولى إلا فى الذود عن حرية الصحافة وكرامة أبنائها.
ضمت مجالس النقابة فى عقود تأسيسها الأولى مجموعة من عمالقة المهنة، فمن محمود أبو الفتح وإبراهيم عبدالقادر المازنى ومحمد التابعى وحافظ محمود وفكرى أباظة ومصطفى أمين وعبدالقادر حمزة وكامل الشناوى ومحمد عبدالمنعم رخا ومصطفى القشاشى وزكى عبدالقادر وإدجار جلاد إلى جلال الحمامصى وطه حسين وأنطوان نجيب وياسين سراج الدين وأحمد قاسم جودة وأمينة السعيد وحسين فهمى وصبرى أبو المجد وصولا إلى أحمد بهاء الدين وكامل زهيرى وصلاح الدين حافظ ويوسف إدريس وأمينة شفيق ومحمود المراغى وغيرهم العشرات من أرباب القلم ونخبة أبناء صاحبة الجلالة.
لم يكن مطروحا على أجندة هؤلاء العظام سوى توسيع هامش حرية الصحافة وضبط العلاقة بين الصحفيين والسلطة والجمهور، فضلا عن تسهيل عمل أعضاء النقابة فى الوصول إلى المعلومة لإنتاج محتوى مهنى يعمل على إخبار المتلقى وتنويره ويتيح له الخبر والرأى والتحليل، وهو ما منح لأصحاب المهنة هيبة وكرامة أينما وجدوا، وفى ذلك تُحكى عشرات بل مئات القصص التى تثبت أن أقلام الصحفيين كثيرا ما حاصرت السلطة، وأن تأثير ما كانوا ينشروه أكبر بكثير مما كانت تحاول الحكومات فرضه.
خاضت الجماعة الصحفية عشرات المعارك، لكسب مساحات أكبر من الحرية وللحفاظ على حقوق الصحفيين، كما اشتبكت مبكرا مع العديد من القضايا الوطنية بدء من الاستقلال والدستور مرورا بمقاومة ضغوط واستبداد الحكومات وصولا إلى مقاومة التطبيع، وفى كل تلك المعارك كانت نقابة الصحفيين حاضرة تدعم وتشد من أزر الصحفيين وتتفاوض باسمهم.
حاولت السلطة فى نهاية سبعينيات القرن الماضى تحويل نقابة الصحفيين إلى نادى اجتماعى حتى تتخلص من صداعها ولما فشلت دفعت فى اتجاه تغيير دفة اهتمامات أعضائها ووجدت من رجالها فى بلاط صاحبة الجلالة من يساعدها على تحقيق ذلك، فبدأت عملية مغازلة الصحفيين بالسلع والخدمات المخفضة، ومع الوقت تحول موسم انتخابات النقابة إلى سوق يتنافس فيه المرشحون على عرض كل شىء باستثناء قضايا المهنة والصحفيين الأساسية، حتى صارت النقابة فى تلك المواسم أقرب إلى «المول التجارى».
لا ينكر أحد أن الجانب الخدمى الذى يتنافس المرشحون على طرحه خلال هذا الموسم مهم، لكنه يأتى فى سلم الأولويات بعد الأهداف الأساسية التى أسست من أجلها نقابة الصحفيين، فهل يجوز أن نقدم المهم على الأهم؟ الأصل أن يتبارى المرشحون على تقديم بضاعة لها علاقة بالمهنة وحريتها واستقلالها وكرامة وحقوق أبنائها وتطوير أدائهم وامتلاك أدواتهم، حينها سيتحقق بالتبعية ما تحقق لأسلافهم.
التعليقات