جائحة الكورونا تقود العولمة - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 2:44 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جائحة الكورونا تقود العولمة

نشر فى : الخميس 28 مايو 2020 - 8:25 م | آخر تحديث : الخميس 28 مايو 2020 - 8:25 م

هل لنا أن نتصور شكل العالم ما بعد جائحة الكورونا؟ هل من المتوقع فعلا أن يطرأ تغيير جذرى فى أعقاب الأزمة التى نعيشها والتى نعجز حتى الآن التمييز ما بين مقدار حقيقتها ومدى افتعالها؟ ونتساءل عما يخبئ لنا المستقبل بالنسبة لمدى صدق ما نعيشه اليوم. وإيمانا منى بعدم خلط الواقع بالخيال، فإن محاولة الإجابة على هذه التساؤلات سيكون مبنيا على قراءاتى لكتاب مرموقين دون تحبيش أو إضافات من جانبى. غير أننى أنبه القارئ أن هذا المقال سيغلب عليه طابع التساؤلات أكثر من إيجاد إجابات وجيهة ومرضية له.
ازدادت الكتابات عن ربط جائحة الكورونا بالعولمة، التى كانت هى الأخرى فى وقت ليس ببعيد توصف بالجائحة على الدول النامية وشعوبها ونكبة عليهم. كان ذلك فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، عندما ولدت منظمة التجارة العالمية بعد مفاوضات شملت دول العالم ودامت أكثر من ثمانى سنوات. واليوم نجد الدول النامية أكثر تمسكا بالعولمة، معترفة بمزاياها على اقتصادياتها ومؤمنة بها أكثر من الدول المتقدمة. ويكثر التخبط فى الكتابات عن تأثير جائحة الكورونا على العولمة، هل ستكون داعما أم إضعافا لها أو أنه لا علاقة بينهما، يمضى العالم فى طريقه غير مبال؟
ويذهب البعض، ومن بينهم جورج سوروس البليونير المجرى الأمريكى، وكأنهم يقرأون الغيب إلى الجزم بأن هناك شيئا واحدا فقط مؤكدا بشأن عالم ما بعد الوباء: لا عودة إلى العولمة، فيما عدا ذلك كل شىء محتمل، تراجع الولايات المتحدة عن قيادتها للعالم، إعاقة تقدم المارد الصينى، تجديد الحرب الباردة، التشكيك فى بقاء الاتحاد الأوروبى كقوة اقتصادية، دور الأموال الافتراضية والتعامل عن بُعد، شكل التعليم والصحة، نشوء حركة جديدة على غرار حركة عدم الانحياز، مخاوف من كساد عالمى وتهديد لحضارتنا، إلى غير ذلك من أفكار مضخمة ومغال فيها قد يكون بعضها مجديا والآخر لا أساس له.
وأخشى عدم فهمى للسبب وراء هذه التكهنات جميعها، فى وقت يسود الاعتقاد بأن فيروس الكورونا باق – كغيره من الفيروسات والأمراض التى اجتاحت العالم من قبل، بداية من الطاعون إلى الإنفلونزا الإسبانية فى نهاية الحرب العالمية الأولى، والتى قتلت الملايين، وأنفلونزا الطيور والخنازير قبل عقد من الزمن – وتم العثور على العلاج لهذه الأمراض وترويضها فى نهاية المطاف. فلماذا هذا الخوف المبالغ فيه بالنسبة لوباء الكورونا فى وقت نؤمن بأن العالم وصل إلى درجات تقدم غير مسبوقة؟ هل هو حالة عدم اليقين الشديدة سواء فيما يتعلق بالمدى الزمنى المتوقع للسيطرة على الفيروس أو تأثيراته المحتملة على الاقتصاديات القومية؟ هل هى وسائل التواصل الاجتماعى والتى تعمل على تضخيم كل ما حولنا وهى موصل جيد لنشر الأكاذيب والروايات؟
وإن أكثر ما يقلقنى هو وصول العالم إلى مستوى من السلبية جعلت جائحة الكورونا هى الفاعل المهيمن والعالم هو المفعول به مستسلما للوباء راضخا له. وآثرت الدول العزل والانغلاق كالسبيل الوحيد لحماية مجتمعاتها بدلا من التعاون فى ردع الوباء إلى أن فاق العالم من غيبوبته بدوى سقوطه إلى الهاوية ومضاعفة معدلات البطالة فى أكثر الدول تقدما وتدهور الاقتصاد العالمى إلى حد تغليب معدلات النمو بالسالب فى كثير من الدول.
***
ونتعجب اليوم إذ نرى أن كبريات الشركات العالمية، التى كانت أول من نادى ودفع دولها فى السابق إلى اعتناق العولمة وفرضها على العالم، هى ذاتها أول من يتخلى عن العولمة لمخاوفها من المخاطرة بمكاسبها وإنتاجها إذا ما بقيتا رهنا لاقتصاديات دول قد تنهار تماما أمام وباء الكورونا. فماذا سيحدث لعالم الشركات متعددة الجنسيات وسلاسل التوريد العالمية وربط مصائر الدول بصناعات وإنتاج هذه الشركات؟ ويتجه الكثيرون إلى الفتوى بأننا أمام نهج جديد يتسم بقدر أكبر من الوطنية والاعتماد على الذات وعودة الدول إلى سلاسل الإنتاج الوطنية. وما يكون مصير هذه الشركات العملاقة عابرة القارات: هل ستحجب مدها الأخطبوطى واستغلال الدول؟ إن مثل هذه التكهنات أقرب إلى الخيال من الواقع، ولعل عالمنا فيما بعد الوباء سيستمر على النهج القائم والاعتماد المتبادل، الذى لن يتراجع فى أعقاب جائحة الكورونا، لأن ذلك معناه ببساطة تراجع التجارة الدولية بمعدلاتها الهائلة، وهو ما قد يصعب تصوره. ويذهب البعض إلى الترويج عن إيجاد توازن جديد أكثر عدالة وإنصافا وهو أيضا ما يكون أقرب إلى الخيال. فهل لهذه الشركات التى تضرب ظلما فى الأرض منذ مئات السنين أن تتخلى عن متاجرتها للموارد بأسعار متدنية والعمالة ذات الأجور الزهيدة بُغية تحقيق المكاسب الوفيرة لمجالس إدارتها ومدراءها وتصبح أكثر إحقاقا للحق؟
فإن جائحة الكورونا لن تقودنا إلى العالم المثالى، قد يكون هناك توافقات وتبديلات جديدة وراء لعبة القوى السياسية بين الدول، فقد تنتقل نقاط الارتكاز من الصين إلى المكسيك أو غيرها من الدول الصاعدة فى ضوء تعاظم القوى الصينية والرغبة فى وأدها وكبتها ولكن لا تغيير فى العولمة أو الإطار العام للمعاملات الاقتصادية بالنسبة للتكامل والترابط بين عمليات الإنتاج ولا تغيير فى استمرار القوى الاستغلالية وعدم التوازن فى العالم. فإن جائحة الكورونا لن تغير شىء من عالمنا، ولن يكون هناك تراجع عن العولمة المفرطة، ولن تكون هناك مساعى إلى توازن أكثر عدالة واستجابة للأضعف، بل أن الاقتصاديات القوية ستلتمس الأعذار لعدم القدرة على المساعدة.
***
وقد يكون صحيحا أن تدفع الجائحة، على نحو ما يتصوره البعض الآخر، إلى مزيد من العولمة وليس العكس، فى ضوء خروج الدول، النامية والمتقدمة على حد سواء، من الأزمة باقتصاديات متهالكة وارتفاع فى مستويات الديون وتفشى البطالة وتباطؤ معدلات النمو، مما يلزمها لمزيد من التكتل والتعاون والتنسيق. وما قد يتغير هو شكل التعاون على الأصعدة الوطنية بين الحكومات والقطاع الخاص، فإن أيهما لا يمكن أن يتحمل تداعيات الجائحة وحده، وهو ما قد يكون الجانب الإيجابى لتداعيات جائحة الكورونا. كما أن الجائحة قد يكون لها أيضا آثارها على الاقتصاديات المتوسطة، مثل اقتصادنا، وتحفيزها للاعتماد أكثر على اقتصاد إنتاجى تنافسى من اقتصاد ريعى يعتمد على تدفقات موارد مالية غير مضمونة فى فترة ما بعد الجائحة مثل تحويلات العاملين بالخارج أو السياحة أو غيرها.
غير أنه يتعين على الدول أن تيقن بأن الأزمة القادمة الآتية حتما من موجات تدفقات الهجرة البشرية وتفاقم المشكلة من تضاعف الهجرة من الدول التى لم تقم لها قائمة بعد أن اجتاحها الفيروس وانهارت اقتصاداتها إلى الدول التى تغلبت على الفيروس فى أوروبا أو غيرها وإن يبقى اقتصادها هشا والتى لن تستطيع استيعاب أعداد المهاجرين المتفاقمة، فإن إحدى تبعات الجائحة، التى سيقف العالم مشلولا أمامها ومغلوبا على أمره، هى أزمة إنسانية واسعة النطاق. ولن تكفى مساعدات مؤسسات التمويل الدولية أو حتى إلغاء ديون هذه الدول للتخفيف من وقع هذه الأزمة. فهى ستكون القنبلة التالية التى لن يجدى معها أى لقاح أو علاجات طبية ولن تستطيع الدول ترويضها وستجد صعوبة فى قبولها وغير إنسانية لرفضها.
وقد نتساءل ونحن ندخل الآن مرحلة التعايش مع الفيروس، واثقين من أن العالم سيعيد تجديد نفسه، ما كان السبب وراء هذه الأزمة حقيقية كانت أم مفتعلة، وهو ما لا يهم كثيرا اليوم. وأيا كان الاقتناع بأنها مفتعلة، فإن هذه لا يعنى على الإطلاق الاستهانة بتبعاتها، فإن مئات الآلاف الذين فقدوا أرواحهم يمثلون أضرارا حقيقية تتطلب منا التعامل مع هذه الأزمة بالجدية التى تستحقها. وتبقى تساؤلاتنا مفتوحة لا رد لها. هل كانت الأزمة سلاحا رفعته الصين تهديدا للولايات المتحدة للتخفيف من وطأة الحرب التجارية الشرسة ضدها؟ أم على النقيض نبحث عن السبب فى وكر دار الولايات المتحدة نفسها وافتعالها استراتيجية جديدة لإنجاح سياسات الأحادية للرئيس الأمريكى وأمريكا أولا؟ أم نبحث عن السبب فى نطاق الصراع على السلطة داخل أوروبا وإخلال التوازن بعد خروج المملكة المتحدة وما أعقبه ذلك من تفكك الرابطة الألمانية الفرنسية، بل وتهديد صريح لمستقبل منطقة اليورو ككل ومدى سيادة القانون الأوروبى بعد تصدى البنك المركزى الألمانى لنشاط البنك المركزى الأوربى لما قدمه من صفقات مالية لإنقاذ اقتصاديات الدول الأوربية من جائحة الكورونا؟ أو لنا أن نصدق ما أفتت به منظمة الصحة العالمية أخيرا أن الفيروس التاجى ليس من صنع الإنسان، ولا نعرف من أين استقت المنظمة معلوماتها، كما لا نعرف إذا ما أدلت بهذا التصريح غيظا فى الرئيس الأمريكى، الذى قام بالتشهير بمديرها التنفيذى أم ولاء للصين. وأيا كانت الأسباب وراء الأزمة، فإن الاقتناع يزداد يوما بعد الآخر بأنها باتت مسيسة فى يدى القوى السياسية. وسيكشف التاريخ لنا حقيقة هذه الأزمة.

ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات