فگّـر وخبـرنى - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فگّـر وخبـرنى

نشر فى : الأحد 28 نوفمبر 2010 - 10:01 ص | آخر تحديث : الأحد 28 نوفمبر 2010 - 10:01 ص

  إذا كنا قد فهمنا وأيدنا الرفض المصرى للرقابة الدولية على الانتخابات. فإن ما يحيرنا حقا هو ذلك الإصرار على رفض الرقابة المحلية أيضا، الأمر الذى يعجز المرء عن أن يجد له تفسيرا بريئا له. أدرى أنه بوسع أى مسئول أن يقسم بالثلاثة على أن منظمات المجتمع المدنى المصرية حاضرة فى المشهد وقائمة باللازم، إلا أن ذلك القسم لا يصمد أمام التفاصيل التى تسربت خلال الأسبوعين الماضيين، وكشفت عن أنه حضور أقرب إلى الغياب.

قبل أى كلام فى التفاصيل لابد أن نقرر بوضوح أن العملية الانتخابية كلها، من أولها إلى آخرها تديرها الأجهزة الأمنية، وأن أى طرف آخر يقحم فى السياق هو إما مستخدم من قبل تلك الأجهزة، أو أنه مجرد «ديكور» لتجميل الصورة وتحسين المنظر أمام العالم الخارجى.

لقد أدركت الأجهزة أن منظمات المجتمع المدنى كانت نشطة فى انتخابات عام 2005، وأنها اكتسبت خبرة شجعتها على التحفز لمراقبة مراحل الانتخابات الحالية، فقررت اختراق ذلك القطاع بأسلوب بسيط للغاية، تمثل فى تشكيل منظمات أهلية تابعة لها، وتشجيع بعض الجمعيات الأهلية التى تسيطر عليها فى الأقاليم على أن تتقدم بطلبات لمراقبة الانتخابات. وكان لها ما أرادت.

فى إحدى دوائر الإسكندرية التى رشح الحزب الوطنى أحد الوزراء بها، تشكلت جمعية وأشهرت خلال ثلاثة أيام و«انتخب» لها مجلس إدارة، وادرجت ضمن منظمات المجتمع المدنى التى ستراقب الانتخابات، وضمت قائمة تلك المنظمات جمعية لمكافحة السرطان وأخرى لمكافحة التدخين. أما الائتلاف المستقل لمراقبة الانتخابات مثلا ، الذى ضم ثلاثا من الجمعيات الجادة، على رأسها الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية فلم يسمح له بالإسهام فى المراقبة، علما بأنهم قاموا بدورهم فى انتخابات عام 2005. (جمعية النهوض بالمشاركة وحدها حصلت على 800 تصريح فى ذلك الوقت). ورغم أنهم أعدوا قائمة بأسماء 960 شخصا تدربوا على العملية، إلا أنهم حين ذهبوا إلى مقر اللجنة «العليا» للحصول على التصاريح اللازمة، فإن ضباط أمن الدولة الذين استقبلوا ممثليهم أبلغوهم صراحة بأن ثمة اعتراضات أمنية عليهم، بل وطردوهم شر طردة بعدما وجهوا إليهم ما تيسر من السباب والشتائم المناسبة للمقام. ولدى المحامى أحمد فوزى عضو الائتلاف القصة كاملة لمن يريد أن يعرف التفاصيل.

ما حدث مع الائتلاف تكرر مع آخرين. والنتيجة أن نحو 90٪ من المنظمات الأهلية الجادة حرمت من الحصول على تصاريح المراقبة، وأن الحصة الأكبر من التصاريح منحت إما لمنظمات «الموالاة» سابقة الذكر أو إلى المنظمات المتصالحة مع الأجهزة الأمنية. لا يعنى ذلك أن المنظمات الجادة أصبحت خارج كامل المشهد لأن أعضاءها يتحركون وسط الناخبين فى دوائر عديدة بغير تصاريح، وقد تعرض بعضهم للاحتجاز فى أقسام الشرطة جراء ذلك، لكنهم لن يتمكنوا من دخول مقار لجان التصويت لأن التصريح ضرورى فى هذه الحالة.

ما يثير الدهشة أيضا أنه لم يكتف بالتضييق على المنظمات الأهلية فى الحصول على تصاريح، وإنما ضيقت التعليمات أيضا على الذين اعطيت لهم التصاريح. فقد ترك أمر دخول حامل التصريح إلى مقر لجنة التصويت مرهونا بموافقة رئيس كل لجنة. وإذا ما قدر للمندوب أن يدخل فليس مسموحا له أن يتحدث مع أحد، فضلا عن أن التصوير محظور، وكل مايستطيع أن يفعله أن يجلس صامتا ويدون ملاحظاته، علما بأنه فى غياب التصوير فإنه يتعذر توثيق أى انتهاكات. وهو ما يعنى أن الإجراءات والقيود الموضوعة ضيقت كثيرا من المتابعة الجادة للانتخابات سواء من جانب المجتمع المدنى أو الإعلام.

حتى إشعار آخر، فإن الجهة الوحيدة التى أفلتت من قبضة الأمن وسيطرته كانت محاكم القضاء الإدارى، التى ألغت الانتخابات فى العديد من الدوائر، وأصدرت المحكمة العليا قرارها الشجاع بضرورة تنفيذ تلك الأحكام. لكن «الأجهزة» لن تعدم وسيلة للتسويف والمماطلة فى ذلك.

لا أخفى أن لدىّ رغبة فى تصديق ما قيل عن نزاهة الانتخابات، بقدر حماسى لرفض الرقابة الدولية عليها، لكننى أرجوك أن تفكر معى ــ ولا تتردد فى الاستعانة بصديق إذا احترت ــ فى الإجابة على السؤال التالى: لماذا يا ترى ذلك التشدد المفرط فى تعطيل مراقبة الانتخابات؟

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.