جمعة الوقيعة - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 8:43 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جمعة الوقيعة

نشر فى : الأحد 29 مايو 2011 - 11:08 ص | آخر تحديث : الأحد 29 مايو 2011 - 11:08 ص

 تنوع الآراء وقبول الرأى الآخر دون تخوين أو إساءة مضمونان أساسيان لممارسة الديمقراطية والانفتاح على قيم التعددية والتسامح. لذا بت أشعر بقلق شديد من ترويج بعض القوى السياسية وبعض الأجهزة الإعلامية فى مرحلة الانتقال الديمقراطى الراهنة لخطابات تخون الرأى الآخر وتتهمه بالعمل ضد مصلحة الوطن ومن ثم تلغى وجوده فى المشهد السياسى دافعة به إلى خارجه وبادعاء استعلائى أنها هى صاحبة الحق فى تحديد مصلحة الوطن. القوى هذه والأجهزة الإعلامية تلك لا تعتنى كثيرا بالموضوعية ولا بدقة الأساس المعلوماتى لما تروج وتنشر وتتعمد بلبلة الرأى العام تحقيقا لأهداف ضيقة.

وقد دلل النقاش السياسى والإعلامى المصاحب لمظاهرات الجمعة الماضية بوضوح على امتداد عدوى التخوين والاستبعاد إلى القائمين على صناعة الخطاب العلنى لجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة. اختلفت القوى السياسية والوطنية قبل الجمعة حول المشاركة فى المظاهرات السلمية.

فرفض الإخوان معلنين عن تمسكهم بالآلية المقترحة فى الإعلان الدستورى لوضع الدستور الجديد وبالجدول الزمنى المقترح لإجراء الانتخابات البرلمانية. وتبنت الدعوة إلى التظاهر قوى ليبرالية ويسارية وائتلافات شبابية بعضها طالب بوضع الدستور أولا قبل الانتخابات، والبعض الآخر كحزب مصر الحرية ناشد متخذى القرار بتأجيل الانتخابات والتوافق حول مجموعة من المبادئ فوق الدستورية كإطار موجه لواضعى الدستور الذين سينتخبهم البرلمان الجديد. إلا أن اختلاف موقف الإخوان عن مواقف القوى الأخرى، علما بأن شباب الإخوان أيدوا التظاهر، لم يكن أبدا ليبرر تخوين الآخرين الذى مارسه الإعلام الإخوانى بكثافة ذكرت بإعلام النظام السابق.

نعتت المواقع الإخوانية كإخوان أون لاين وشبكة رصد وغيرهما الجمعة الماضية بجمعة الوقيعة، الوقيعة بين الجيش والشعب. مثل هذه المزايدة، وهى بالفعل شديدة الشبه بما كان إعلام مبارك يردده عن مظاهرات ضرب وحدة الوطن واستقراره أيام الثورة المصرية، استندت إلى ادعاء خطير جوهره إعطاء الإخوان حق الحديث باسم الشعب الذى تريد «قوى مارقة» الوقيعة بينه وبين الجيش. كما أن مجرد توجيه الاتهام لقوى وطنية وسياسية بمحاولة الوقيعة بين الجيش الذى حمى الثورة والشعب به من تأليب الجيش ضد هذه القوى الشىء الكثير، ناهيك عن أن أحدا ممن شاركوا مظاهرات الجمعة لم يقع فى خطأ الخلط بين احترام الدور الوطنى للقوات المسلحة وبين الخلاف السياسى مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة حول تشريعات وسياسات وقوانين.

لقد صدمنى بشدة توظيف المواقع الإخوانية لمفردة الوقيعة وعدم التفات الإخوان إلى خطورة التأسيس مجددا لخطاب التخوين فى المرحلة الدقيقة الراهنة.

بل لم يقف الأمر عند هذا الحد، فعمدت المواقع الإلكترونية خاصة شبكة رصد إلى نشر صور وتعليقات مغلوطة تقلل من أهمية المظاهرات ومن حقيقة المشاركة الشعبية بها وتسىء للقوى الداعية لها.

أعلم أن الكثيرين من متابعى رصد التفتوا إلى حقيقة أن الصور التى نشرتها الشبكة لميدان التحرير يوم الجمعة وعنونت «مشاركة ضعيفة فى التحرير» كانت للميدان قبل الساعة الثانية ظهرا، الموعد الذى حددته القوى الداعية لبدء المظاهرات.

كذلك نشرت رصد أخبارا غير صحيحة عن بعض النشطاء والسياسيين المشاركين، وكعادة رصد معى نالنى من «الحب» طبعا أكثر من جانب (وأنبه رصد من هنا وبود إلى إمكانية اتخاذ إجراءات قانونية بحقها إن استمر ترويجها لأخبار غير صحيحة تتعلق بحزب مصر الحرية تحت التأسيس أو بى شخصيا، فلم تكن هذه المرة الأولى).

على عكس ما شاهده كل من تابع حلقة برنامج العاشرة مساء يوم الاربعاء الماضى، وبها أكدت أن حزب مصر الحرية والأحزاب الليبرالية الأخرى سيطالبون الجمعة بتأجيل زمنى محدود للانتخابات البرلمانية، ادعت رصد أننى قلت فى العاشرة مساء إن القوى الوطنية المشاركة لن تطالب بتأجيل الانتخابات ثم عدت وغيرت رأيى فى الميدان وطالبت بالتأجيل.

حقق الخبر غير الصحيح لرصد أهدافه غير الأمينة، وهى استثارة تعليقات سلبية من المتابعين للشبكة بحقى والإساءة لمطالب القوى الوطنية المشاركة والأهم صرف النظر عن سوء خطاب التخوين ومفردة جمعة الوقيعة.

ثم تابعت رصد هبوطها المهنى بقيام المسئولين عنها بحذف التصويبات التى أدخلها بعض المتابعين، إن بالإشارة إلى صورة دقيقة للميدان أو بذكر حقيقة ما قلت فى برنامج العاشرة مساء.

وحسنا فعل شباب الإخوان، وهم شاركوا فى مظاهرات الجمعة، بوصف الخطاب الإعلامى للجماعة وللحزب بالاستعلاء وبالتشديد على التشابه بينه وبين الخطاب الإعلامى للنظام السابق. فالتخوين وادعاء احتكار حق تحديد المصلحة الوطنية والترويج لأخبار غير صحيحة لضرب مصداقية تيارات وشخصيات سياسية منافسة جميعها ممارسات لا تتناسب مع روح أو جوهر الانتقال الديمقراطى، شأنها فى ذلك شأن مساعى بعض الشباب لاحتكار الحديث باسم الثورة ونزوع بعض الجهات الإعلامية والسياسية لاستبعاد المخالفين فى الرأى بتعميم توزيع أختام خيانة الثورة وخيانة الديمقراطية على قطاعات واسعة من المواطنين باتت تشعر بأن رؤاها لا يستمع إليها.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات