حق الجمهور في المعرفة - نادين السيد - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 9:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حق الجمهور في المعرفة

نشر فى : السبت 30 مارس 2024 - 5:35 م | آخر تحديث : السبت 30 مارس 2024 - 5:35 م
أعلنت الأميرة البريطانية، كيت ميدلتون، عن إصابتها بمرض السرطان وأنها تخضع للعلاج، كما طلبت الخصوصية فى خلال فترة تعافيها لتتمكن من تخطى الأزمة مع عائلتها وأولادها الصغار. لم تقرر زوجة ولى العهد الإفصاح عن مرضها بمحض إرادتها، أو لأن هذا كان الوقت الأمثل لها ولأسرتها، بل اضطرت للإفصاح عن أمر شديد الخصوصية فى توقيت ربما يكون من أصعب فترات حياتها وحياة أسرتها، بسبب جمهور بات معتادا على انتهاك خصوصية كل من هو مشهور أو يمت للشهرة بصلة، وأصبح يشعر أن معرفة كل تفصيلة عن حياته حق مكتسب وضريبة الشهرة التى يجب أن يرتضى بها كل من امتهن الفن أو منصبا عاما.
لكن فى خضم منصات التواصل الاجتماعى التى أتاحت للجمهور محتوى على مدار الساعة، ونافذة على الحياة الشخصية للكثير من الناس، سواء برغبتهم وعلى حساباتهم أم بالرغم عنهم من خلال انتهاك خصوصيتهم مباشرة، خلط الجمهور بين حقه فى المعرفة وبين الفضول والتطفل المسمى فى نظريات الإعلام بالـ «voyeurism» أو استراق النظر.
الأميرة كيت كانت قد خضعت لعملية فى ديسمبر الماضى وأعلنت عن إنها لن تعود للعمل العام حتى شهر إبريل واعتزلت الأنظار تماما فى فترة تعافيها، ولم تظهر فى الأضواء غالبا فى محاولة بائسة منها لتمارس أبسط حقوقها الآدمية فى عدم الانشغال بالجمهور واستنتاجاته وآرائه فى مرضها وتعافيها. لكن سرعان ما أثار اختفاؤها عن الأضواء الشكوك فى ظل استنكار شديد واستغراب أشد من جمهور نسى وتناسى مبادئ الخصوصية الأدنى فى حياة اختلطت فيها الحياة الخاصة بالحياة العامة لإرضاء الجمهور.
استجابت الأميرة لتساؤلات الجمهور بـ«صورة» لها ولأولادها سرعان ما انقلبت ضدها حين أدرك الجمهور أن الصورة معدلة، لتقوم موجة جديدة من الشكوك ونظريات المؤامرة وأصبحت التعديلات البسيطة على الصورة حديث الساعة والمنصات الاجتماعية جميعا. موجة من ضغط وتساؤلات الجمهور الذى استنكر أن تحتفظ شخصية عامة بتفصيلة من تفاصيل حياتها لنفسها وعدم مشاركة الجمهور بجميع نواحى حياتها. فاضطرت كيت للإفصاح عن مرضها، ليقوم إعصار جديد عن تفاصيل المرض وعما إذا كان العلاج الكيماوى أثر على جمالها ودفعها لتعديل الصورة.
على النقيض، لم يتأخر ملك إنجلترا شارلز عن الإعلان عن تشخيصه بمرض السرطان. ولم يرجع هذا لكونه أشجع مثلا أو أقل تقديرا للخصوصية، ولكن يرجع إلى نقطة جوهرية يتناساها الجمهور حين يغلبه فضوله لاستراق النظر لحياة المشاهير والفنانين والفنانات والشخصيات العامة ألا وهو كون شارلز حاكم دولة يترتب على مرضه وعدم قدرته على القيام بعمله الكثير من الأمور فى شئون البلد، ولذا فهو يمس بشكل مباشر ذلك الجمهور الفضولى على عكس الأميرة كيت والمشاهير الآخرين الذى لن يقدم ولن يؤخر مرضهم فى حياة الجماهير شيئا.
حين نقيم عما إذا كانت معلومة ما، أيا ما كانت تلك المعلومة، تندرج تحت حق الجمهور فى المعرفة أو يعتبر نشرها انتهاك خصوصية ذلك الشخص ننظر إلى عامل أساسى ومحورى، ألا وهو إن كانت تلك المعلومة ستؤثر فى حياة الجمهور بشكل ما. فإذا مرض ملك دولة مثلا، فهذا يمكنه أن يتعارض مع قدرته على مزاولة مهامه ورعاية شئون الدولة ورعاياها. فتقرير أطباء الرئيس الأمريكى جو بايدن عن حالته مثلا يعد حق المواطنات والمواطنين الأمريكان فى معرفة أمر هام عن الشخص الذى يمثلهم ويدير أمورهم.
على الصعيد الآخر، مرض كيت لن يؤثر من بعيد أو قريب فى حياة المواطِنة والمواطن الإنجليزى لأن عملها العام يقتصر على المؤسسات والجمعيات الخيرية والمدنية ولا تعتبر جزءا من حكم المملكة. ممثلها كمثل الفنانين والفنانات، فحياتهم الشخصية لا تؤثر على حياة جمهورهم فى شىء ولذا فلا يحق لنا التطفل أو انتهاك خصوصيتهم بحجة الحق فى معرفة تفاصيل حياتهم، فقط لأنهم مشاهير. إذ علاقة الفنان بالجمهور تنتهى عند تقديم عمل ترفيهى أو درامى أو ما إلى ذلك فقط لا غير، فمرض الفنان أو زواجه أو طلاقه لن يؤثر إذا على تلك العلاقة ولذا لا يحق لنا معرفة أكثر مما قرر هو مشاركتنا به.
هنا نصنف المعلومات قبل النشر إلى ثلاث فئات: حق قانونى للمواطن/ المواطِنة فى معرفة أمر ما مثل أسهم شركة مسجلة بالبورصة مثلا ــ واحتياج المواطن/ المواطِنة لمعرفة أمر ممثل ممرض الحاكم أو فساد شخص فى منصب عام ــ والرغبة فى المعرفة. والفئة الأخيرة تندرج تحتها معظم أخبار المشاهير وتوسعت وزادت بشكل مخيف مع احتياج المنصات إلى توفير محتوى يومى على مدار الساعة يرفه المشاهِدة أو المشاهد ويجعلهما متابعيْن وفييْن للمنصة تحت أى ظرف وعلى حساب أى خصوصية. لذا، فقبل المناداة بحق الشعب بمعرفة أى تفصيلة فى حياة شخص ما، يجب على الجمهور والمنصات الإعلامية والاجتماعية التفكير فيما إذا كان يندرج فعلا تحت حق الجمهور فى المعرفة أم الفئة الأخيرة التى تعتبر حب استطلاع تحول إلى حق مكتسب.
نادين السيد أستاذ مساعد بقسم الإعلام في الجامعة الأمريكية
التعليقات