البحث عن رمز لائق للمتحف المصري - أيمن النحراوى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

البحث عن رمز لائق للمتحف المصري

نشر فى : الثلاثاء 31 يناير 2023 - 8:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 31 يناير 2023 - 8:30 م

فى وقت يترقب العالم فيه لحظة بلحظة اكتمال العمل فى بناء صرح المتحف المصرى الكبير، المكان الذى تتجسد فيه آثار أعظم وأعرق حضارة فى تاريخ الإنسانية، إذ بنا كمصريين فى غمرة الفرح والترقب وتصاعد الاستعدادات والترتيبات نكتشف أن هناك رسما غير لائق تم اختياره ليكون شعارا لهذا الصرح ورمزا عالميا له.

المؤسف فى الأمر أن ذلك الشعار قد تعرض وقت إعلانه منذ عدة سنوات لموجة من الانتقادات، لدرجة أن جميع المعنيين والمثقفين قد تصوروا أن حجم الرفض وقوته كان كفيلا بإيقاف استخدام هذا الشعار وشطبه، لكن المسئولين تجاهلوا الأمر واستخفوا بالآراء والتعليقات وتجاهلوا محتواها ومضمونها ومغزاها.

والغريب أنه فى خضم الانتقاد لهذا الشعار خرج أحد المسئولين عن المتحف بمحاضرة عن محتوى الشعار ودلالاته وأبعاده، وقد حازت المحاضرة مثلما حاز الشعار على قدر مماثل من النقد والسخرية، فما جاء فيها لم يكن ليقنع تلميذا صغيرا متذوقا للفن، وما زاد الأمر أن هذا المسئول كان يتحدث إلى فنانين ومثقفين ومبدعين كبار بهتوا لما سمعوا.

قال المسئول: إن الشعار يمثل التخطيط الأفقى المميز للمتحف الذى تنفرج جوانبه لتطل على أهرامات الجيزة، وأن الشعار يأخذ اللون البرتقالى الدافئ المبهج الذى يعكس اللون الذى تضفيه الشمس على هضبة الأهرام ساعة المغيب، وأن كتابة اسم المتحف المصرى الكبير تأتى بخط عربى انسيابى مستلهم من الكثبان والتلال الرملية للبيئة المحيطة!!!.

وإمعانا فى دفاعه عن الشعار قال المسئول: إن تصميم الشعار كان ضمن نطاق أعمال إحدى الشركات الألمانية التى فازت بطرح عالمى شاركت فيه 12 شركة، وأضاف المسئول بأن لجنة متخصصة تضم قامات جامعية مصرية رفيعة هى التى قامت باختيار هذا الشعار والموافقة عليه، ولاحقا عرف المصريون أن واضع الشعار هو شخص لبنانى يعمل كمصمم فى أوروبا!!!.

وفى أعقاب ذلك المؤتمر انطلقت موجة جديدة من الانتقادات، فتناولت محاضرة فلسفة الشعار، وما جاء فيها من تبرير غير مقنع عن شكل الشعار الذى يشبه قطعة الزجاج المكسور وعن نظرية الكثبان الرملية، وكأن المتحف يقع فى صحراء الربع الخالى أو الصحراء الكبرى، وعن الخط العربى الضعيف المتعرج الذى لا معالم له، ولا عن اللون المرتبط بفاكهة البرتقال والعصائر الطبيعية، التى كما يقول المسئول تبعث على البهجة!!.

• • •

بعد كل ذلك، بات واضحا للجميع أن المسألة أديرت بطريقة وظيفية بيروقراطية صماء فى إطار أعمال المناقصات والشركات، وأراد القائمون عليها إقامة خط دفاعى لها بأن من تقدم لها شركات عالمية ومن قام بها فنانون عالميون، احتماء بكلمة عالمية وفى إطار عقدة النقص أمام الأجنبى، فكانت النتيجة شعارا تجريديا لا يعبر عن شخصية مصر ولا حضارتها ولا تاريخها ولا ثقافتها، شعار لا يحمل أى رمز من رموز الحضارة المصرية الخالدة مثل زهرة اللوتس أو مفتاح الحياة (العنخ)، أو حتى أى حروف هيروغليفية، شعار لا ينتمى لمصر من قريب أو بعيد.

بالطبع كان لا بد لكل مصرى محب لوطنه حافظ لتاريخه مقدر لحضارته العظيمة، أن يسجل موقفه ويرفض هذا الشعار وينتقده، فلا يتصور أحد تصميم شعار هو بالمسألة السهلة أو البسيطة، بل هى مسألة متداخلة ومعقدة تتداخل فيها العديد من العوامل وتتضمن العديد من الأهداف التسويقية والدعائية والفنية، فضلا عن أهمية مراعاتها للأبعاد التاريخية والثقافية المحيطة بالمكان وعن المستهدفين من الشعار ورموزه ودلالاته.

• • •

عملية تصميم الشعار أو الرمز تتداخل فيها أيضا اعتبارات اللغة المستخدمة وأسلوب الكتابة ونوع الخط والرموز المتضمنة والأشكال والألوان المستخدمة، كما تتداخل فيها أيضا اعتبارات الانطباع والإدراك التى تعنى فهم الشعار أو الرمز مباشرة بمجرد رؤيته، وربطه بالمكان أو الغرض المصمم من أجله، واستدعاء ذلك إلى ذهن من يرى الشعار بمجرد رؤيته، حتى دون كتابة بجانبه أو حوله.

مسألة شعار المؤسسات أو رمزها هى بالقطع مسألة هامة يتوقف عليها الكثير من النتائج، ولذلك توليها كافة الجهات المعنية اهتماما بالغا، وتضع العديد من المعايير الواجب تحققها فيها حتى تحقق هدفها، فالمؤسسات الكبرى مثل البنوك وشركات التأمين والشركات الصناعية تحرص كل الحرص على أن تكون شعاراتها قوية ومعبرة وواضحة ومميزة، والعالم أجمع يمكنه أن يدرك ويتعرف على مؤسسة ومنتجها ونشاطها وكيانها من شعارها الذى هو رمزها المعبر عنها، ويمتد الأمر كذلك إلى الكليات والجامعات والمنظمات كبيرها وصغيرها، وكلما زادت درجة التكامل والابتكار والإبداع فى الشعار كلما حقق أهدافه.

ويصبح الأمر أكثر أهمية وصعوبة عندما يتعلق بمؤسسات ثقافية كبرى كالمتاحف التى تعبر عن تاريخ الأمم وحضارتها، وليست مصر كغيرها، فنحن مهد الحضارة ومبعث التاريخ، ونحن أول دولة وأول جيش وأول جامعة وأول معبد وأول العلم والمعرفة، هيهات أن يقول أحد بغير ذلك وهيهات أن تشير رموزنا وشعاراتنا إلى غير ذلك، أو تدنى منه أو تفقده ولو مثقالا من قدره وحقه.

ولسنا نبالغ بالقول جدلا أنه لو أقيمت مسابقة وطنية لتصميم شعار المتحف المصرى الكبير على مستوى مدارس مصر، لقدم تلاميذ مصر رسوما وتصميمات وإبداعات أفضل من هذا الشعار بكثير، ولو أتيح المجال للفنانين والمبدعين الهواة والمحترفين والمتخصصين المصريين من كليات الفنون الجميلة والتطبيقية أن يتقدموا معا إلى مسابقة وطنية كبرى لتصميم شعار لمتحف آثار أجدادهم، لخرجنا بحصيلة عظيمة من الأعمال القيمة التى تخلد هذه المناسبة التاريخية، والتى يمكن أن يقام لها هى ذاتها معرض ضخم يكون هو نفسه حدثا تاريخيا، وأن ينتقى منه أو تستمد منه الأفكار والإبداعات للشعار الجديد.

الدولة المصرية اليوم والتى تدرك الهوية المعمارية والحضارية للوطن إدراكا جليا واضحا، أقامت مبنى وزارة الحربية الجديد على الطراز المصرى القديم، تصميم قوى وعظيم، لو رآه أى إنسان فى أى مكان فى العالم لعرف على الفور أن هذا صرح مصرى بما يحمل من خطوط وتصميمات ورموز، ومثله المبنى الفخم للمحكمة الدستورية العليا، وغيره من المبانى والصروح المعبرة عن شخصية مصر.

ولا يجب أن يكون تصميم شعار المتحف المصرى الكبير ببعيد عن ذلك، فهذا أكبر وأهم متحف فى العالم، وشعاره هو رمز وعنوان للأمة العظيمة التى أقامت من الأهرام والصروح والمعابد فى أنحاء مصر ما يقف العالم باحترام أمامه بعد آلاف السنين من تشييده.

أخيرا وليس آخرا، ما زال الوقت متاحا، وليست هذه المقالة إلا نداء والتماس لسيادة الرئيس بإعادة النظر فى أمر الشعار القائم، وتوجيه سيادته بالعمل على الفور على تصميم شعار يليق بالمتحف المصرى الكبير الذى ينتظره العالم بأسره، وأخذ الوقت الكافى للتصميم والإبداع والاختيار لشعار سوف يعبر عن أهم متحف فى العالم.

فليذهب الجميع إلى الأهرام والمعابد والصروح المصرية ويقف فى خشوع، فليذهب الجميع إلى الأقصر ووادى الملوك ويتفكر ويتأمل فى تراث الأجداد ويتعلم منه، وسيوحى إليكم بكل شىء من هناك.

أيمن النحراوى  خبير اقتصاد النقل والتجارة الدولية واللوجيستيات
التعليقات