معالم على طريق الوحدة العربية - محمد عبدالمنعم الشاذلي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:31 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معالم على طريق الوحدة العربية

نشر فى : الأربعاء 31 مارس 2021 - 8:15 م | آخر تحديث : الأربعاء 31 مارس 2021 - 8:15 م

بعد أربعة أعوام من القتال الذى أتى على الأخضر واليابس سالت خلالها الدماء أنهارا انتهت الحرب العظمى التى أعيدت تسميتها بالحرب العالمية الأولى فى الساعة الحادية عشرة من اليوم الحادى عشر من الشهر الحادى عشر لعام 1918.
هزمت الدولة العثمانية وتحقق أمل بريطانيا وفرنسا فى إرث رجل أوروبا المريض وتقسيم تركته بينهما.
فوجئت الدول العربية التى يدين غالبية سكانها بالإسلام ويعتبرون أنفسهم رعايا للسلطان وللدولة السنية بأنهم صاروا محكومين حكما استعماريا أستعير له لفظا أكثر لطفا هو الانتداب بواسطة بريطانيا وفرنسا.
سبب هذا التحول صدمة وأزمة هوية حادة لدى العرب فلأول مرة منذ 1200 سنة وجدوا أنفسهم تحت حكم غير إسلامى خاضعين للفرنجة الذين يتبعون دينا غير الإسلام ويتحدثون لغة أكثر بعدا من العربية عن التركية فصاروا يتساءلون عن هويتهم.
لم تكن فكرة العروبة قد انتشرت قبل الحرب العظمى ولم تكن هناك فكرة الدولة العربية الواحدة المستقلة.
كانت بريطانيا سباقة إلى استقراء هذه المشاعر بسبب تواجدها الاستخباراتى فى الشرق الأوسط ومن خلال قواعدها فى عدن وفى الإمارات المتصالحة وبفضل دراسات المستشرقين والأكاديميين وعلماء الآثار الناشطين خاصة فى العراق والشام ومصر.
وانتهزت بريطانيا حالة السخط والغضب التى سادت الأوساط العربية فى الشام بعد قيام جمال باشا الملقب بالسفاح بشنق نخبة من المثقفين الذين يتمتعون بتقدير وثقة شعبية فى عام 1915 فبدأت بالاتصال بالحسين بن على شريف مكة عن طريق الرسائل التى أرسلها له هنرى ماكماهون المندوب السامى البريطانى فى مصر والتى شجعته على الثورة على تركيا مقابل تنصيبه ملكا على دولة عربية موحدة.
***
فى عام 1916 كانت بريطانيا فى حضيض الإحباط واليأس فالحرب على الجبهة الأوروبية كانت قد وصلت إلى طريق مسدود بسبب تمترس الطرفين فى الخنادق التى حفرت بعرض القناة ومن يحاول اجتيازها تحصده المدافع الرشاشة وحقول الألغام حصدا جعل أرقام الضحايا يهدد بتمرد عسكرى وانتفاضة شعبية، كما أن الحملة التى خطط لها تشرشل بغزو تركيا عن طريق المضايق والتى عرفت بحملة Galipoli التى انتهت بهزيمة كارثية فى يناير عام 1916 أطاحت بتشرشل من منصبه كوزير للبحرية، وقبل كارثة جاليبولى بشهر واحد فى ديسمبر 1915 لقت بريطانيا هزيمة كارثية فى معركة كوت العمارة فى العراق بهزيمة ساحقة للقوة البريطانية وأسر قائد القوة الجنرال تاونسند.
يضاف إلى ذلك العامل النفسى لمعركة Jutland البحرية التى وقعت يوم 31 مايو 1916 التى فشل فيها الأسطول البريطانى فى تدمير الأسطول الألمانى بل إن الخسائر البريطانية كانت أكبر من الخسائر الألمانية.
فى وسط هذا الجو المظلم والمعنويات المتردية قررت بريطانيا أن تفتح جبهة جديدة تقتحمها بجنود عرب وليس بجنودها اعتمادا على الحرب غير التقليدية وأرسلت عميلها لورانس لقيادتهم وكانت بريطانيا على استعداد لتقديم جميع العروض للعرب ثم النكوص بها لاحقا.
نجحت الخطة البريطانية ودخل فيصل بن الحسين إلى دمشق على رأس قواته ودخل عبدالله بن الحسين إلى العقبة بقواته ودخل المارشال اللنبى إلى القدس وهزمت الدولة العثمانية.
فهل قامت الدولة العربية الموحدة؟
الحقيقة أن العرب أجهضوا بأيديهم الدولة العربية الموحدة فالجيشان اللذان فتحوا دمشق والعقبة بدلا من أن يتحدا ليكونا نواة للدولة أعلن الأخ الأول نفسه ملكا على دمشق وأعلن الثانى نفسه أميرا على الأردن!
وسرعان ما بدت ملامح الخديعة البريطانية بانكشاف اتفاق سايكس بيكو واحتلال فرنسا سوريا ولبنان بعد هزيمة الجيش العربى فى معركة ميسلون ورغم ذلك ظل العرب على ولائهم للإنجليز فانتقل الملك الذى قيل له «كش ملك» على مربع سوريا ليكون ملكا على مربع العراق وكأنه على رقعة شطرنج وظهر وعد بلفور وتمسك العرب أكثر بالإنجليز وجلب الأردن الجنرال البريطانى جلوب باشا ليقود جيشه العربى. وباركت بريطانيا حركة ابن سعود ضد الشريف حسين الذى منحوه الوعود حتى أسقطه وأخرجه من الحجاز.
كان على العرب بعد ظهور الوجه القبيح لبريطانيا أن يضموا الصف ويوحدوا الجبهة للحفاظ على حقوقهم لكنهم انقسموا إلى ممالك وإمارات ومشيخات وذهب ريحهم. وتجدر الإشارة إلى أن العرب أضاعوا فرصة ذهبية فى وقت كانت بريطانيا فى أضعف حالاتها وبدأت المستعمرات تتمرد على الحكم الاستعمارى. ففى الهند قمعت بريطانيا الثوار فى المذبحة التى وقعت فى مدينة امريستار فى مايو 1919 وفتحت نيران المدافع الرشاشة على المتظاهرين غير المسلحين وقتلت ألفا منهم وأصابت عدة آلاف، وفى نيجيريا وقع تمرد قبائل الـ Busso عام 1915 وحرب الـ ADUDI ضد الحكم الاستعمارى البريطانى، فضلا عن ثورة 1919 فى مصر وثورة 1920 فى العراق، إلا أن انعزال العرب داخليا وتطلعهم إلى ما يمكن أن تمنحه الدول الكبرى أجهض كل تطلعاتهم ولم يمكنهم من التنسيق بين الثوار لتكوين جبهة موحدة قوية.
***
حتى هذا الوقت كان الحديث عن الدول والممالك والعروش ولم تمتد فكرة العروبة على المستوى الشعبى وكانت محصورة فى المشرق العربى حتى ظهر فى الربع الأول من القرن 20 الفيلسوف ساطع الحصرى الذى تحدث عن الأمة العربية الناطقة بلغة الضاد التى تمتد من المحيط إلى الخليج وكان ساطع الحصرى فيلسوفا مثاليا ومعلما فاقتصرت أفكاره على المجال الأكاديمى الذى تأثر به عدد من المريدين والتلاميذ.
ولعل الإرهاصة الأولى لتحويل فكرة العروبة إلى منبر سياسى كان الحزب القومى السورى الذى أسسه أنطون سعادة سنة 1932، إلا أنه ظل فكرا محدودا إقليميا بدول الشام والعراق وأضاف لهم الحزب الكويت وقبرص! وكان حزبا ذا اتجاهات يمينية شعاره شبيه بصليب النازية المعكوف، وكانت نظرته إلى العروبة نظرة عنصرية.. أظهر عداء شديدا للاستعمار الفرنسى وللحركة الصهيونية، ومن المفارقات أن سلطات الاحتلال الفرنسى اعتقلت أنطون سعادة عدة مرات وسجنته أما سلطات الحكومة الوطنية اللبنانية فاعتقلته وأعدمته!
وفى عام 1947 أعلن قيام حزب البعث العربى الاشتراكى على أيدى أكرم الحورانى وصلاح البيطار وميشيل عفلق وزكى الأرسوزى، وكان أول حزب يهدف إلى الوحدة العربية الشاملة وأطلق شعار أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، إلا أنه لم يحدد هذه الرسالة الخالدة وتبنى الحزب سياسة الانقلابات العسكرية واختراق الجيوش وسرعان ما انقسم الحزب إلى تيار سورى وتيار عراقى فاقت العداوة بينهما كل الحدود مما أصاب مصداقية الحزب فى مقتل.
***
أما على المستوى الرسمى فكانت أول دعوة إلى العروبة فى عام 1946 فى قمة أنشاص التى أعلنت قيام جامعة الدول العربية وأصدرت ميثاقها الذى دعا إلى التنسيق والتعاون بين الدول العربية دون الوحدة الشاملة.
ولاشك أن هذه الدعوة أصيبت بانتكاسة شديدة فى عام 1948 عندما هزمت جيوش سبع دول عربية وضاعت فلسطين. ثم كانت الصحوة الكبرى لفكرة العروبة من مصر بعد ثورة 1952 ودعوة جمال عبدالناصر إلى الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج وحشد قوة مصر المادية والإعلامية وراء الفكرة وكلل ذلك بأول وحدة بين قطرين عربيين مصر وسوريا فى فبراير من عام 1958. إلا أن خشية الدول المحافظة من دعوة عبدالناصر سببت انقساما حادا فى العالم العربى ولم تدم تجربة الوحدة إلا ثلاث سنوات وحدث الانفصال فى عام 1961.
ولمواجهة رؤية عبدالناصر فى الوحدة، تشكل عشية الوحدة مع سوريا فى 17 فبراير 1958 الاتحاد العربى الهاشمى بين ملك الأردن وملك العراق وهو الاتحاد الذى انهار فى يوليو من نفس العام بثورة العراق وسقوط الملكية.
وفى سنة 1963 وفيما يشبه الشعور بالذنب تجاه الانفصال والتكفير عنه أعلنت مصر وسوريا والعراق اتفاقا لإعادة الوحدة وإضافة نجمة جديدة إلى علم الجمهورية العربية المتحدة ليصير ذا ثلاث نجوم. لم يعتمد العلم الجديد إلا من العراق ولم تر هذه الوحدة النور بل كانت إيذانا بعهد عداء سافر بين الدول الثلاثة.
وفى عام 1971 كانت إرهاصة وحدوية جديدة بإعلان اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسوريا وليبيا وكانت إرهاصة مبشرة بالخير وأقيم مجلس أمة اتحادى ودخلنا حرب أكتوبر 1973 تحت علم الاتحاد إلا أن شطط القذافى وفتور العلاقات المصرية السورية أجهضت التجربة.
فى ديسمبر من نفس العام قامت دولة الإمارات العربية المتحدة باتحاد سبعة دول عربية ولعله أنجح اتحاد بين الدول العربية وأطوله عمرا وفى عام 1981 تجمعت ستة دول خليجية لتكون مجلس التعاون الخليجى للتنسيق بين الأعضاء وحقق نجاحا لفترة إلا أن الانشقاق بدأ يظهر مع المواجهة مع قطر.
وفى عام 1989 كانت تجربة مجلس التعاون العربى الذى ضم مصر والعراق والأردن واليمن وهى تجربة انتهت فى العام التالى بمغامرة صدام حسين الإجرامية بغزو الكويت.
وفى عام 1989 قام الاتحاد المغاربى بين تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا الذى يكاد يكون قد ولد ميتا.
***
بعد كل هذه التجارب الفاشلة فقد قطاع كبير من العرب الإيمان بالوحدة ولعلهم معذورون فى ذلك إلا أن السبب ليس فى فكرة الوحدة لكن فى من تصدوا لتطبيقها، الذين رأوا القوة والسيف هما وسيلة تحقيق الوحدة. فعراق عبدالكريم قاسم أراد ابتلاع الكويت غضبا ثم قام عراق صدام حسين بغزو الكويت وتدميرها كسبيل لتحقيق الوحدة، وسوريا التى رفضت إقامة سفارة فى لبنان لأنهما دولة واحدة قامت بالتنكيل بالشعب اللبنانى عندما دخل الجيش السورى إلى لبنان عام 1976 لكن العرب لم يدركوا أن زمن الفتح بالسيف قد ولى وأن أسلوب تحقيق الوحدة هو استمالة المواطن والحفاظ على كرامته ومصالحه، لعلنا نستفيد من دراسة التجربة الأوروبية التى فشلت فى تحقيق الوحدة بالسيف على يد شارلمان ولويس الرابع عشر ونابليون وهتلر ونجحت بالتراضى السلمى فى اتفاقية ماسترخت، علنا نستفيد من التجربة حتى لا يكتب عنا التاريخ «النخبة العربية وإدمان الفشل» كما كتب وزير خارجية السودان السابق الدكتور منصور خالد فى كتابه عن السودان «النخبة السودانية وإدمان الفشل».
عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية

محمد عبدالمنعم الشاذلي عضو المجمع العلمي المصري
التعليقات