قصور منسية (10).. ‎قصر الأميرة فوقية أخت الملك فاروق الذي أصبح مقر مجلس الدولة - بوابة الشروق
الثلاثاء 14 مايو 2024 8:06 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قصور منسية (10).. ‎قصر الأميرة فوقية أخت الملك فاروق الذي أصبح مقر مجلس الدولة

منال الوراقي
نشر في: السبت 1 أبريل 2023 - 10:01 م | آخر تحديث: السبت 1 أبريل 2023 - 10:01 م
القصور التاريخية في مصر ليست مجرد أمكنة وجدران وشوارع، إنما هي تاريخ لا يزال حيا، سجل يُخلد أسماء وشخوصا وأحداثا، رمز لنمط عمارة ساد، وظروف عصر خال، وثقافة مجتمع تقلبت عليها السنوات، لكنها ظلت تحمل شيئا من توقيعه، لا يزال محفورا في ومضة هنا أو أخرى هناك.

تلك القصور ما هي إلا تاريخ لم تطوه كتب أو مجلدات، فلا يزال حيا نابضا يثبت أنه أقوى من كل محاولات العبث التي بدأت بعشوائية المصادرات ومحو أسماء أصحاب القصور من فوق قصورهم، ولافتات الشوارع التي حملت يوما أسماءهم تخليدا لدور قدموه للوطن أو خدمة جليلة قاموا بها لنهضة مجتمعهم.

في سلسلة "قصور منسية" تستعرض "الشروق" خلال شهر رمضان الكريم، قصصا لقصور مصر المنسية، استنادا إلى كتاب "قصور مصر" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، للباحثة سهير عبدالحميد، والذي يتناول قصص وحكايات وراء أشهر القصور المصرية.

قصر الأميرة فوقية أخت الملك فاروق الذي أصبح مقر مجلس الدولة

‎في مساء يوم الاثنين 10 من فبراير 1947 تم تشكيل أول مجلس للدولة، هكذا أظهرت تلك الصورة الفوتوغرافية التي تحمل ذلك التاريخ البعيد، والتي اصطف فيها أعضاء المجلس الموقر بزي ذلك العهد، حيث كان الطربوش جزءًا لا يتجزأ من ملابس ‎الرجل.

وقد وقف الأعضاء لالتقاط الصورة أمام مقر المجلس الذي لم يكن سوى قصر الأميرة فوقية الأخت غير الشقيقة للملك فاروق، وقد بدا القصر أنيقا في الخلفية حيث الستائر مسدلة على النوافذ في الداخل بأناقة لا تخفى على عين خبير.

مقر مجلس الدولة

الآن، بالكاد تستطيع رؤية هذا القصر من شارع جانبي اسمه «عصام الدالي» بعد أن أقيم المبنى الجديد لمجلس الدولة على حديقة القصر ليحتل هو الواجهة على حرم الشارع الرئيسي الذي يربط بين منطقتي العجوزة والجيزة.

‎قصاصات الصحف التي ينتمي تاريخها إلى اليوم التالي للافتتاح نقرأ فيها الإشادة بقرار الملك فاروق، الذي جاء على هدي جده الخديو إسماعيل، الذي كان قد أصدر الأمر العالي عام 1879 لإنشاء مجلس شورى الدولة ولم ينفذ الأمر في حينه، ثم دخل نظام مجلس ‎الدولة والقضاء الإداري في النظم المصرية، بمقتضى القانون رقم 112 لسنة 1946 في عهد الملك فاروق، واستقر المجلس في السراي الذي أنشأه والده الملك فؤاد بالجيزة.

احتفالية الملك فاروق بالمجلس

وترسم لنا صحف ذلك اليوم الذي يصادف عيد الميلاد الملكي، مراسم الاحتفال الذي أقيم لأجله سرادق كبير في حديقة السراي ليسع مئات المدعوين، حيث وقف سعادة كامل مرسي باشا رئيس مجلس الدولة وطاهر محمد بك وكيله وإسماعيل فخري بك مدير الجيزة، ومحمود عمر سكرتير مجلس الدولة، وإبراهيم رياض وكيل مديرية الجيزة لاستقبال المدعوين الذين كان من بينهم عدد من السفراء الأجانب وأمراء العائلة المالكة ومجلس الوزراء.

‎أما الملك فاروق فقد وصل إلى سرادق الاحتفال في تمام الرابعة ليستمع إلى كلمة وزير العدل أحمد خشبة باشا، ثم كلمة رئيس المجلس كامل باشا ثم أزاح الستار عن اللوحة التذكارية لتأسيس مجلس الدولة، وزار غرفة رئيسه ليوقع اسمه في السجل التذكاري للزيارة، وغادر بعدها المكان.

أما المدعوون فقد انضموا إلى حفلة شاي أقامها رئيس ‎مجلس الدولة ابتهاجا بالزيارة الملكية وبالعيد الملكي الذي يوافق الحادي ‎عشر من فبراير.

قصر ‎الأميرة فوقية ابنة الملك فؤاد

كان سراي الجيزة الذي استقر به مجلس الدولة منذ تأسيسه يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1919 بأمر الملك فؤاد، وعمارته شيدت بنظام الباروك والروكوكو، الذي ميز معظم القصور الملكية، ولفترة طويلة من الزمن كان ذلك القصر مقر إقامة الأميرة فوقية ابنة الملك فؤاد من زوجته الأولى الأميرة شويكار إبراهيم، ولم يكن للأميرة فوقية أشقاء آخرون من الأم؛ إذ سبق مولدها وفاة شقيقها إسماعيل وهو لايزال ابن الأشهر التسعة.

والأميرة فوقية لم تكن على علاقة وطيدة بشقيقها الملك فاروق الذي لم يكن هو الآخر مرتبطًا بشقيقاته عدا الأميرة فوزية، كما أن الأميرة فوقية كانت دائمة الانشغال مع زوجها محمود فخري باشا الذي كان أول وأطول وزير مصري مفوض لدى فرنسا وذلك منذ يناير 1924، حتى إن ميراثها من والدها باعته الأميرة لأخيها وأخواتها.

مغادرة الأميرة فوقية لباريس

وهكذا غادرت الأميرة قصرها لترافق زوجها، وكانت خير عون له في باريس لإجادتها اللغة الفرنسية، كما كانت في استقبال والدها الملك عندما كان يزور العاصمة الفرنسية، بل وعندما خطط الملك فؤاد للقيام بزيارة رسمية لدولة فرنسا، قام صهره باستكمال إجراءات شراء فندق ماتينيو لاستقباله فيه، إلا أن الورثة الشرعيين لهذا الفندق الذي كان أشهر الفنادق الباريسية، وهم أعضاء في الحكومة النمساوية، خاضوا حربًا قضائية طويلة لاسترداد هذا القصر.

ولعدم قدرة محمود فخري باشا على انتظار قرار المحكمة قام بحجز جناح فخم بفندق ماجستيك الموجود في شارع لابيروس، وذلك قبل أن يستقر في مقر أنيق بالقرب من قصر السفارة الأمريكية، وبالطبع لم ‎يكن ذلك المقر في نفس فخامة قصر أو فندق ماتينيو الذي كان المقر الرسمي لسفراء مصر في فرنسا من ذي قبل، فقد شيد هذا القصر عام 1886 على يد المعماري بول أرنيست للثري جول أفروسي أشهر رجال البنوك وجامعي التحف في عصره.

الأميرة فوقية تعيش وحيدة

وظلت الأميرة فوقية تعيش في باريس، وبعد وفاة زوجها اعتزلت الحياة العامة، خصوصا أنها كانت امرأة حساسة، حتى إنها أخفت مواهبها الأدبية والموسيقية؛ فقد كانت بارعة في العزف على البيانو، إلا أنها كانت حريصة على ألا تصل أي مقطوعة إلى دور النشر، إلا قطعة واحدة تسربت مصادفة، عنوانها «ليلة مقمرة على سفح الهرم»، إلا أنها لم تسمح بوضع اسمها عليها، فاكتفى الناشرون بالقول «إنها من تأليف أميرة مصرية».

‎وبعد وفاة الزوج أمضت السنوات العشرين الأخيرة من حياتها في فندق دولدر بزيورخ وفي جناح مكون من سبع غرف، أما ابنها الوحيد فقد سبق أن هجرها بعد أن أخذ مجوهرات العائلة، ولم تكن الأميرة تغادر الفندق إلا لزيارة جثمان صديقها كومت باديكس الذي سبق تحنيطه، وقد كان أحد أمراء روسيا البيضاء إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.

وفي فبراير 1974 دخل أحد عمال الخدمة في الفندق جناح الأميرة ليجدها وقد تجمدت في مكانها على الكرسي الهزاز، وعندما حاول الاقتراب ليستطلع الأمر اكتشف أنها قد فارقت الحياة وحيدة كما عاشت سنواتها الأخيرة، وتناثرت حولها طرود بريدية لم يسعفها القدر لتفتحها.

القصر الخاوي على ضفاف النيل

‎أما قصر الأميرة فوقية على ضفاف نيل الجيزة، فقد ظل خاويًا من صاحبته التي باعته في يونيو 1952 لأختها غير الشقيقة والمفضلة إليها الأميرة فائقة، التي كانت قد صحبت أمها الملكة نازلي إلى أمريكا، وفي 10 من مايو 1950، تزوجت من فؤاد صادق أحد رجال القنصلية المصرية في سان فرانسيسكو، وقد اشترت الأميرة فائقة القصر بمبلغ 209.25 جنيهات إلا أنها لم تنتقل إليه مطلقا، حيث كانت شقيقتها فوقية قد قامت بتأجيره لمجلس الدولة المنشأ حديثا، وكما يتضح من عقد إيجار مؤرخ بـ 16 يونيو 1952 وموقع باسم عبد الرازق باشا السنهوري رئيس مجلس الدولة آنذاك، فإن قيمة إيجار القصر 300 جنيه سنويًّا، وبعد عام 1952 آل السراي بطبيعة الحال للدولة.

في سرداب التاريخ

‎مع زيادة أعمال مجلس الدولة وتحت ضغط الحاجة إلى أماكن لاستيعاب عدد الموظفين المتزايد لم يكن هناك بد من البحث عن مكان آخر، فكان القرار بإنشاء مبنى جديد على حديقة السراي، وللأسف لم يترك القائمون على تنفيذ مشروع البناء الجديد الذي أقيم عام 1983 مسافة كافية تفصله عن المقر القديم للمجلس أو سراي الأميرة فوقية، الذي يضم الآن عددًا من المكاتب الإدارية وأرشيفات لحفظ الملفات، فتوارى السراي عن الرؤية والأضواء كما انزوت شخوصه وزمنه في غياهب التاريخ.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك