شيد الرومان القدامى جسورا ما زالت ماثلة للعيان، في مختلف أنحاء أوروبا شاهدة على براعتهم في التشييد رغم مرور 2000 عام عليها. والسؤال هنا هو هذا يعني أن الرومان كانوا أساتذة في الاستدامة؟ وترد على ذلك بالنفي كاثرين ياشكي عالمة الآثار بالمتحف الروماني الجيرماني بمدينة كولونيا.
وتوضح ياشكي، أن "الرومان كانوا بارعين في تشييد الجسور، وبالطبع كان يتم تصميمها بحيث تبقى لأطول فترة ممكنة، ولكنهم لم يكونوا يعيرون الاستدامة والحفاظ على البيئة أي اهتمام".
وتركت الإمبراطورية الرومانية واحدة من أكبر البصمات البيئية التي شهدتها أية حضارة في التاريخ، وكما قالت المؤرخة البريطانية ماري بيرد في فيلم وثائقي بثته هيئة الإذاعة والتليفزيون البريطانية "بي.بي.سي" بعنوان "روما: إمبراطورية لا يوقفها شيء"، إن الآثار البيئية التي تركتها الصناعة الرومانية ما زالت باقية حتى الآن، داخل طبقات الجليد القديمة التي يرجع تاريخها إلى 2000 عام في جرينلاند.
وفي هذه المنطقة يحتوي الجليد على كميات من غاز الميثان من الغلاف الجوي، داخل فقاعات هوائية صغيرة بدرجة أكبر من طبقات الجليد الأكثر قدما، وأيضا في الطبقات الأحدث التي تلتها.
ومن المرجح أن غاز الميثان الذي نتج في العصر الروماني القديم، جاء من قطعان الماشية الكبيرة ومن حرق الأخشاب على نطاق واسع.
وتقول بيرد: "لدينا اليوم نظرة مختلفة فيما يتعلق بهذا التأثير، وتعرب عن اعتقادها بأن الرومان ربما كانوا يفتخرون بأن قوتهم وبراعتهم، ستظل مرئية بعد مرور آلاف الأعوام".
وتوضح ياشكي، أن "الرومان استغلوا الأرض بلا رحمة، وعلى سبيل المثال بالإفراط في قطع أشجار الغابات، واستهلكوا كميات هائلة من الأخشاب في أغراض متنوعة منها مثلا تسخين مياه الحمامات".
وفي كولونيا المدينة التي أسسها الرومان، تم بشكل سريع قطع أشجار الغابات المحيطة بها للاستفادة من أخشابها، وكان يتم نقل الأخشاب عبر نهر الراين من الغابة السوداء البعيدة ولكن بتكلفة عالية على البيئة.
وقالت ياشكي، إنهم كانوا يدركون جيدا العواقب السلبية لأعمالهم على البيئة، مثل تآكل التربة بسبب التصحر نتيجة إزالة الغابات.
وفي ذروة مجد الإمبراطورية الرومانية كانت موطنا لنحو 80 مليون نسمة، وعلى الصعيد العالمي كانت أعداد البشر قليلة، مما يعني وجود مساحات شاسعة من البرية خالية من السكان.
وإحدى السمات البارزة في حياة الرومان هي عادة إعادة التدوير، وكانوا يعيدون استخدام المعادن والزجاج بانتظام، وتظهر خوذات الجنود أسماء عديدة محفورة عليها، مما يكشف كيف كان الناس وقتذاك يبيعون الأدوات أو يعطونها لغيرهم.
وتشير ياسكي إلى أن هذا التقليد "لم يكن ينفذ من أجل الحفاظ على موارد البيئة، ولكن لأنه أرخص في التكلفة"، وتقول إن: "التفكير وقتها يشبه إلى حد كبير المجتمع الحالي الذي اعتاد على إلقاء عبوات الأطعمة والمشروبات بعد الانتهاء من تناولها ".
كان هناك شخص واحد استنكر استغلال الموارد الطبيعية وهو المؤرخ بليني الكبير، فانتقد حقيقة أن "الأرض الأم المقدسة" يتعين عليها أن تتحمل أعمال الحفر والتنقيب، في المواقع التي يعتقد الناس أنها تحتوي على معادن ثمينة وغيرها من المواد الخام.
وقال بليني: "إننا نخترق أحشاء الأرض بحثا عما تحتويه من كنوز، وتعلم الإنسان أن يتحدى الطبيعة، ومع ذلك لا يهتم بالحفاظ على هذه الموارد".
وما كان يقلق بليني هو الجشع لتحقيق الترف، والحصول على الحلي الذهبية والفضية وهو اتجاه يرى أنه السبب في الانحلال الشهير للإمبراطورية الرومانية، وفي عام 79 ميلادية فارق بليني الحياة متأثرا بانفجار بركان فيزوف.