خالد محمود يكتب: واقعية «ورد مسموم».. لاتعرف الأمل ولا اليأس - بوابة الشروق
الثلاثاء 7 مايو 2024 4:49 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خالد محمود يكتب: واقعية «ورد مسموم».. لاتعرف الأمل ولا اليأس


نشر في: الثلاثاء 4 ديسمبر 2018 - 11:15 م | آخر تحديث: الأربعاء 5 ديسمبر 2018 - 12:21 م

الفيلم يقدم صورة صادمة جيدة بصريًا ذكية فى تناولها لعالم من المهمشين.. لكن أجواءها وشخصياتها غير مكتملة المعالم


تشكل واقعية فيلم «ورد مسموم» حالة خاصة، فشخوصه يعيشون ولا يعيشون.. يتنفسون اجواء رمادية الحلم والامل، واليأس ايضا، دقات ساعات يومهم تقف عند حدود زمن يلف فى نفس الدائرة بانتظام.. مجتمع يسعى، ساحر أو حكيم ينظر للبشر دوما مع ابتسامة وكأنه غير قادر على تغييرهم أو مساعدتهم.. تلك الحالة على الشاشة سربتها لنا صورة مدهشة وصادمة وذكية أرادها المخرج والمؤلف الشاب أحمد فوزى صالح فى اولى تجاربة بالسينما الروائية الطويلة.
فى الفيلم الذى يبدأ بمشهد لتدفق المياه فى أحد شوارع القاهرة وبالتحديد منطقة المدابغ نرى تحية «كوكى» فتاة شابة، ليس لها فى الحياة سوى شقيق واحد يدعى صقر «إبراهيم النجارى» يريد الفرار من واقعة والسفر بعيدا حيث يعمل بمدابغ الجلود، وهو الذى تعتمد عليه فى كل شىء ويمثل كل أحلامها، لكن ابتعاده عن شقيقته يتركها متخبطة ووحيدة وتائهة دون أمل فى تحقيق ما تصبو إليه، تريد منعه من السفر بأى ثمن، لتخرب العلاقة الرومانسية المزدهرة بين شقيقها وطالبة فى كلية الطب، كما تحاول إحباط خطط صقر، المستقبلية بأن يصبح لاجئا فى قارب إلى إيطاليا، ومن بين الجلود المجففة والبغال المتعبة، يشاهد الساحر «محمود حميدة» المشهد بصمت.
قصة تحية وصقر هى حياة المهمشين الحالمين بالحصول على حياة أفضل، إلا أن الواقع المؤلم لا يضع أمامهم سوى اختيارات ضئيلة، كما يصور الفيلم مظاهر الإحباط والقسوة والفقر والمرض بشكل فنى مدهش. عنوان الفيلم يثير أيضا الدهشة، فالأرض التى تجرى بها المياه طبعا ترمز إلى تلوث تلك الاحلام بالصعوبات التى يعيشها البشر، وفى واحد من أجمل مشاهد الفيلم البديع بصريا نرى تحية تلم الورد من على المقابر وتضعه فى اناء ثم تقوم بتفريغه فى المياه، ليتشرب بما يجرى بالماء، وكم كانت الصورة مدهشة فلا هى وردية ولا هى ملوثة تماما، الحلم يختلط باليأس وضوء الحياة فى حالة من الزغللة.
لجوء أحمد فوزى صالح نحو التجريب بتلك الصورة ربما جعل موضوعه غير واضح تماما وإن كانت الفكرة رائعة، وربما ينتاب المشاهد حالة قلق من مسألة إدراك دوافع شخصياته إلى الدوران فى تلك الحلقة المفرغة، من دون أمل فى النجاة، فالعمل الروائى له. مواصفاته، فهل أراد ان يسير السيناريو فى طريق بلا نهاية من وعدم تقرير المصير، وخاصة بالنسبة لبطليه، الأساس القوى للفيلم، ربما !! بالصورة الواقعية المدهشة التى قدمها أحمد فوززى صالح منذ عدة سنوات فى فيلمه «جلد حى» نقلت لنا عالما قاسيا فى المدابغ، لكن كان الإنسان لديه عنده امل.
بدون شك نجح المخرج فى خلق ايقاع خاص به، بتكوين اللقطات بأبعادها التجريبية، وخاصة ذلك العالم الذى يستهويه ويغرق فى تصوير مظاهر الفقر والتخلف والتلوث وطرق العمل البدائية، وتصوير الطرقات الضيقة، وقنوات المياه القذرة التى تجرى وسط البيوت، ومعاناة العاملين فى مدابغ الجلود، او فى لقطات طويلة، مع كاميرا متحركة، ومن خلال إيقاع بطىء، فتحية تمر بممرات وحارات وأزقة ضيقة، وتعبر قنوات قذرة، وتظل تسير والكاميرا تتابعها من الخلف تارة، أو من الأمام تارة أخرى، هذه الحركة تتكرر يوميا. ليصنع عملا واقعيا يرتبط بالتعبير عن جانب من حياة البسطاء والمهمشين، وان كان لم يخترق مشاعر وحياة من يقطنون المنطقة وكذلك طابعها الإنسانى.
سلوك الشخصية الرئيسية «تحية» يبدو مستكينا فى إطار الحبكة، فهى تخـرج مـن الحـارة، وتظل تسير كل يوم، تحمل وجبة الطعام التى أعدتها لشقيقها «صقـر» الذى يعمل فى ظروف قاسية لكن صقـر لا يبـدى اهتمـاما كبيـرا بالطعام الذى تأتيه به تحية، إذ يظهر وقـد فاض به الكيل مـن الاستمرار فى هـذا العمـل، يريـد أن يعثر على طاقـة للأمل خلف هذا الطريق المسدود، إنه يسعى للخروج من الحارة ومن المدابغ، وتحاول ان تمنعه وتنجح، ربما لأنها تريد ان تستحوذ عليه نفسها، فى نطاق شغف فتاة بشقيقها الوحيد فى غياب الوالد والام المنهكة «صفاء الطوخى»، ثم تحاول تحية الانتحار لكن صقر ينقذها، وفى المشهد الأخير الذى يدور فى ساحة المولد والاحتفالات بين الألعاب والمراجيح تبتسم للمرة الأولى.
اداء كوكى فى دور تحية كان صادقا ومؤثرا، وقد اشار إلى حالة نضج خاصة لنجاحها فى الامساك بخيوط الشخصية حتى لو تكرر الحوار ونفس الفعل كل يوم، كما كان لطريقة اداء ابراهيم النجارى فى دور يحيى بكلماته القليلة تأثيرها ايضا تبقى الشخصية التى يلعبها محمود حميدة، شاهدا يراقب ويتفرج ويلعب الورق وربما يوحى بأشياء عديدة.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك