الصداقة والحب والفراق.. وصراع الذات والهويات فى رواية «أكابيلا» لـ«مى التلمسانى» - بوابة الشروق
الجمعة 2 مايو 2025 8:41 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الصداقة والحب والفراق.. وصراع الذات والهويات فى رواية «أكابيلا» لـ«مى التلمسانى»

أسماء سعد
نشر في: الجمعة 6 يناير 2023 - 9:35 م | آخر تحديث: الجمعة 6 يناير 2023 - 9:35 م

ــ علاقة وثيقة بين صديقتين تفسح المجال أمام حضور البوح الأنثوى بالنص

«الصداقة والحب والفراق» معانٍ وقيم نجدها تطفو على سطح نصوص رواية «أكابيلا» للروائية مى التلمسانى، والتى أصدرتها دار الشروق منذ أيام قليلة، وطرحتها فى مكتباتها ومنافذ بيعها المختلفة، حيث تراوح دائم خلال نصوص الرواية أفكار تسكن العالم الواقعى اليومى، وأخرى تسبح فى عالم المثاليات، لشخصيات نسائية.

يأتى محور العمل الإبداعى الخاص بالروائية مى التلمسانى متعلقا بعلاقة جماعة من الأصدقاء، وتحديدا «عايدة وماهى»؛ حيث يجد القارئ نفسه متورطا منذ البداية، فى كشف التباسات اليوميات التى دونتها عايدة، وتعيد صديقتها ماهى كتابتها، حيث بوح أنثوى متدفق على مدار صفحات العمل، حول علاقة وثيقة بين الصديقتين.

جاء السرد فى الرواية أشبه بإبداع غنائى يعكس قدرة على إطلاق التوصيفات السليمة، وصياغة العبارات والجمل بشكل يمزج بين الرقة والتماسك، لذا فإن تتابع الأحداث فيها وتعدد التفاعلات داخل النص يصل بسهولة ونعومة إلى قلب وعقل القارىء؛ حيث حرصت التلمسانى من خلال نصوص أكابيلا وباستخدام أسلوبها الخاص فى الكتابة، على أن تتيح للقارئ الاستغراق والتواصل مع مقاصدها دون أى عناء.

اللغة المستخدمة فى كتابة «أكابيلا» تضافرت مع درامية الأحداث لتتجاوز أية معانٍ عابرة قد تطفو على السطح كالصداقة والحب والفراق، لتتعمق بنا إلى المأزق الحقيقى لشخصيات العمل، بشكل يدعو للانغماس فى القراءة والمتابعة الحثيثة لما تحكيه الرواية عن بطلتها عايدة.

وتتبدى اللغة الجذابة فى الرواية، من خلال النص والمقتطف التالى: «لوهلة تصورت أنى لا أعرف عايدة، أو أنها ليست صاحبتى، بدت مثل شخص غريب اعترض طريقى برهة قصيرة من الزمن ثم اختفى وراء ركام من الأشياء الضائعة كنت أعرف أنها كاذبة محترفة، وأضيفت إلى تلك الصفة صفة السرقة، واكتشفت أن هذا فى ذاته يبهرنى ويجتذبنى إليها بشكل غريب كأن هذا الجانب الجديد من شخصيتها رغم علاته يعدنى بمغامرة مثيرة. كأنّى الوحيدة فى هذا العالم التى سمعت الصوت القادم من عمق سحيق وهو يستغفل الكل أقرباء وغرباء، ويعلن انتصاره على الملأ، كيف لم أنتبه لهذا الصوت من قبل؟».

رأت الناقدة والروائية شيرين أبو النجا فى نصوص «أكابيلا» تحديا للعديد من المسلمات السردية التى تدرب عليها المتلقى، فعليه أن يفهم بداية أن كلمة أكابيللا تنتمى لعالم الأصوات الموسيقية، وتعنى الغناء بشكل فردى بدون مصاحبة آلة، فكأن الفردية تعلن عن نفسها منذ البداية ليجد القارئ نفسه وحيدا فى مواجهة النص، لا يملك سوى ذاته ويوميات عايدة التى تعيد ماهى كتابتها أو بالأحرى نسخها على الكمبيوتر.

وتضيف بخصوص العمل الصادر حديثا عن دار الشروق، أنه يحمل بين طياته ما يتعلق بكون «ماهى وعايدة» صديقتين متناقضتين لكنهما لبعضهما البعض. تمثل عايدة الكائن فى خفته بكل تناقضاته وحزنه وفرحه وانتهازيته والتباسه ومتعة الوجود بجانبه ورغبة الابتعاد عنه فى آنٍ. وتأتى ماهى من عالم يتمثل القيم البورجوازية الصارمة المعتمدة على الخطأ والصواب والمفروض وغير المقبول. فى هذا الاحتكاك الدائم بين الصديقتين، تكشف عايدة عن تلذذها بكشف بورجوازية ماهى وتتأرجح ماهى ما بين الاستكانة لعالمها الصغير المنضبط وما بين العبور للضفة الأخرى حيث العالم الأصدق والأرحب.

تظهر نصوص «أكابيلا» الطريقة التى تلجأ إليها التلمسانى من أجل رسم دقيق للشخصيات؛ حيث التماهى التام والانغماس فى التفاصيل الثرية التى تورط القارئ فى علاقة سريعة وآسرة مع تطورات الأحداث، فقد سبق وأكدت التلمسانى للشروق أن أكثر ما يجتذبها لفن الرواية، كونها «عشرة عمر»، وكذلك الشخصيات التى تصبح بمجرد كتابتها حية، وصديقة، أو رفيقة لها على مدى أشهر أو سنوات الكتابة.

أضافت حينها التلمسانى: أنا أعتبر الشخصيات هى الونس الحقيقى بالنسبة لى، سواء عاشت زمنا قصيرا عبر القصة أو عاشت زمنا أطول عبر الرواية.

لا يوجد فى الرواية تحديد للمكان أو الزمان بشكل واضح سوى من خلال علامات بسيطة، وهى مسألة أقرب لشمول النص على الكثير من الأماكن أو الأزمنة التى قد نتخيلها، الأمر الذى يتشابه أيضا مع حالة انقسام الذات وتغير الهويات فى العمل الذى تحاول من خلاله إحدى بطلاته «ماهى» فك طلاسم شخصية صديقتها بعد موتها، من خلال قراءة مذكراتها، وعبر محطات رحلتها البحثية، تكتشف «ماهى» نفسها، وتخرج للعالم الذى طالما رغبت فى الانطلاق نحوه، وآثرت مشاهدته دون معايشته.

وتتبدى تفاصيل تلك الرحلة الخاصة باكتشاف صديقة لصديقتها، فى النص والمقتطف التالى: «عندما أكون وحدى فى المعرض، أتأمل لوحات ورسوم وأشعار عايدة بعين مختلفة، خصوصا سلسة الاسكتشات التى تحمل عنوان «القبلة» والتى أعطيناها ترقيما تصاعديا من واحد إلى ثلاثة عشر، كانت الاسكتشات مرسومة بالحبر الأسود والفحم تمثل مشهد قبلة بين رجل وامرأة، بدا لنا أحيانا من ملامح الرجل المرسوم أن عايدة رسمت حسام، وفى لوحات أخرى كان الرجل مختزلا لا يظهر منه سوى جزء من شعر الرأس والعنق. اللوحة الوسطى فى الترتيب، رقم سبعة، كانت بورتريها شخصيًّا لعايدة وهى تقبل نفسها فى مرآة ما يسبقها من رسوم تظهر فيه تفاصيل للوجهين فقط، وما يليها تظهر فيه تفاصيل من الجسدين المتعانقين فى اكتمالهما».

مى التلمسانى (1965)؛ روائية وناقدة مصرية مقيمة فى كندا منذ عام 1998 حيث تعمل أستاذًا للدراسات السينمائية بجامعة أوتاوا. نالت جائزة الدولة التشجيعية وجائزة أرت مارى الفرنسية عن روايتها «دنيا زاد»، وحصلت فى عام 2021 على وسام الآداب والفنون برتبة فارس من الحكومة الفرنسية.

لها أربع روايات: «دنيا زاد»، و«هليوبوليس»، و«أكابيللا»، و«الكل يقول أحبك»، وثلاث مجموعات قصصية: «نحت متكرر»، و«خيانات ذهنية»، و«عين سحرية»، فضلًا عن كتاب اليوميات «للجنة سور»، وعدد من الترجمات والدراسات الأكاديمية بالعربية والإنجليزية والفرنسية. وقد ترجمت أعمالها الأدبية والنقدية إلى عدة لغات.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك