«الشروق» تنشر حلقات من كتاب «سنوات الجامعة العربية» (2) أسرار صرخة عمرو موسى فى وجه صدام - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 10:38 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الشروق» تنشر حلقات من كتاب «سنوات الجامعة العربية» (2) أسرار صرخة عمرو موسى فى وجه صدام

عرض ــ خالد أبو بكر:
نشر في: الإثنين 7 ديسمبر 2020 - 12:21 ص | آخر تحديث: الإثنين 7 ديسمبر 2020 - 12:21 ص

موسى يحذر: العراق معرَّض لضربة قاصمة
بن حلى: عمرو موسى قال لرئيس العراق: اسمع بقى يا سيادة الرئيس.. التنظير لن ينفع العراق ولن ينفعك
موسى للرئيس العراقى: لا الأوروبيون ولا الروس سيساعدونك.. ومصير الشعب العراقى فى يدك
الكويتيون كانوا غير مرتاحين لزيارتى لبغداد.. وجمدوا حصتهم فى ميزانية الجامعة
كولن باول معلقًا على موافقة العراق على عودة المفتشين: صدام غسل مخك أنت وكوفى أنان!

فى هذه الحلقة الثانية من الكتاب الجديد للسيد عمرو موسى، الأمين العام الأسبق للجامعة العربية، الذى أورده تحت عنوان (سنوات الجامعة العربية)، والذى سيصدر قريبا عن «دار الشروق»، نستعرض لجهود موسى والجامعة العربية فى القضية العراقية، التى خُصص لها فصلان على مساحة 63 صفحة، تناول الأول جهوده مع صدام حسين فى محاولة تجنيب العراق الضربة الأمريكية، وهو ما سننشر مقتطفات منه فى هذه المساحة، فيما خصص الثانى لأحداث «الغزو الأمريكى للعراق، وجهوده فى العملية السياسية بعد 2003».
ويكشف عمرو موسى فى هذا الكتاب ــ الذى قام بتحريره وتوثيقه الكاتب الصحفى خالد أبو بكر ــ أسرار عشرية مليئة بالأحداث الجسام فى بلاد العرب كان فيها أمينا لجامعة الدول العربية (2001 ــ 2011)، فعلى مدار 19 فصلا، موزعة على 574 صفحة من القطع المتوسط، لم يترك الأمين العام قضية سياسية كانت الجامعة وهو شخصيا طرفا فيها إلا وتناولها فى أى بقعة من بقاع العالم العربى من محيطه إلى خليجه.
ونجدد التأكيد مرة أخرى على أن هذه الحلقات لن تغنى بحال من الأحوال عن قراءة الكتاب بكامله بتفاصيله الكثيرة والجديدة والمشوقة، وربما الصادمة فى آن واحد، وأن هذا العرض شديد الإيجاز ــ وإن كتبناه على لسان موسى بصيغة المتكلم ــ لهو اختزال شديد جدا لبعض الفصول ــ وليس كلها ــ التى يحويها الكتاب بين دفتيه.

من أول القضايا التى فرضت نفسها علىّ، فور أن توليت مهام منصبى أمينا عاما للجامعة العربية مسألة توقف المفاوضات بين العراق والأمم المتحدة بخصوص التفتيش على أسلحة الدمار الشامل، التى كانت الولايات المتحدة الأمريكية تزعم أن العراق يمتلك أو يسعى لامتلاك بعضها، خصوصا الأسلحة النووية.
فى أوائل نوفمبر أكتوبر 2001 كانت زيارتى الأولى للأمم المتحدة بصفتى أمينا عاما للجامعة العربية؛ لحضور اجتماعات الجمعية العامة بعد أن تأجلت، عن موعدها المقرر فى سبتمبر من كل عام، بسبب وقوع هجمات 11/9. تحدثت إلى الأمين العام، كوفى أنان. قلت له: لا يليق فى عهدك والأمم المتحدة تحت رئاستك، ألا يكون هناك مجهود واضح فى منع حرب وشيكة على العراق تريدها وتسعى إليها الولايات المتحدة.
قال أنان بتململ: أحاول جهدى، لكن صدام حسين عنيد، وأنت تعرفه أكثر منى. قلت: لابد أن نمنح العراق فرصة للإفلات من الحرب التى تسعى إليها واشنطن. سأزور الرئيس العراقى فى يناير المقبل. أريد منك رسالة أستطيع أن أنقلها إليه لحلحلة الموقف فيما يخص استئناف عمل المفتشين الدوليين. أنا على ثقة فى أننى عندما أقول له فى أثناء مباحثاتى معه إننى قادم ومعى رسالة واضحة من الأمين العام للأمم المتحدة تدعو إلى تحريك الموقف فيما يخص موضوع التفتيش على الأسلحة سيتعاطى بإيجابية. فوافق أنان.
رتبت مع وزير الخارجية العراقية، ناجى صبرى الحديثى أمر زيارتى لبغداد. هبطت طائرتى فى مطار بغداد صباح 18 يناير 2002. وجدت الحديثى فى استقبالى، وكان من وزراء الخارجية المهنيين، الذين أحترمهم، لكن ديكتاتورية صدام وانفراده بالقرار كانت تحد بشكل كبير من هوامش المناورة والفعل لديه.
كان اليوم التالى هو موعد لقائى مع صدام. تحرك بى موكب رسمى مهيب من مقر إقامتى فى إحدى دور الضيافة التابعة لرئاسة الجمهورية فى منطقة «كرادة مريم» الراقية بوسط بغداد، إلى مقر قيادة عسكرية، ومعى من وفد الجامعة العربية: السفير أحمد بن حلى، الأمين العام المساعد للجامعة العربية ــ رحمه الله ــ والسفير حسين حسونة رئيس بعثة الجامعة لدى الأمم المتحدة، والسفير هشام بدر، مدير مكتبى.
بمجرد دخولى مقر الوحدة العسكرية وجدت ذلك الرجل الذى يرافق صدام كظله، والمعروف بشاربه الكث والبزّة العسكرية الأنيقة، والمسدس الذى يتدلى من خصره حتى فى أثناء الاجتماعات الرسمية مع الرئيس العراقى، وكان ذلك استثناء نادرا منحه له صدام لثقته الكبيرة فيه.
تقدم إليّ الرجل فى احترام شديد. قدم لى نفسه قائلا: أنا الفريق عبدحمود. تفضل سأصطحب سيادتك لمقابلة سيادة الرئيس صدام حسين.
قلت: لابد من حضور زملائى الثلاثة من وفد الجامعة.
قال سيحضرون فى سيارة أخرى. ركبت سيارة «تويوتا»، «بيج» اللون، بجوار عبدحمود، الذى قادها بنفسه إلى المقر الذى سألتقى فيه صدام، الذى قال لى حمود إنه فى منطقة «الرضوانية» جنوب غرب بغداد. كان قصرا صغيرا لكنه جميل.
وفى نهاية طريق ملىء بالأشجار وصلنا القصر المنشود. بمجرد دخولى وجدت بن حلى وحسين حسونة وهشام بدر فى انتظارى خارج القاعة التى سألتقى فيها صدام.
بمجرد أن دخلت تحرك الرئيس العراقى من مقعده لاستقبالى. تقابلت أيدينا عند منتصف القاعة تقريبا. صافحته مصافحة اعتنيت ألا يكون فيها قبلات، أردته «سلاما ناشفا»، كما نقول فى مصر؛ كى أضفى طابع الجدية على جلسة المباحثات التى سأجريها معه. لكن على أية حال. هالتنى تلك النعومة التى كانت عليها يد صدام حسين، ذلك الرجل المخيف!
رحب بى صدام: «أهلا بسيادة الأمين العام.. أهلا بالأخ عمرو» (نطقها بضم الراء)، وراح يشيد بمواقفى القومية. بدأنا اللقاء الذى استغرق حوالى ساعتين وخمس عشرة دقيقة.
بعد التحية والسؤال عن الصحة والشكر لكرم الضيافة وبعض الجمل العامة، تحدثت إلى صدام حسين بلهجة جادة قال من حضرها: «إنها أعنف لهجة تحدث بها مسئول عربى إلى صدام حسين».
أعدت على الرئيس العراقى ما قلته لكبار مساعديه قبل لقائى به ــ دون الإشارة إلى حديثى معهم طبعا ــ من الجمود الذى تبديه وفوده فى الجامعة العربية. وعبت عليه تعامله غير الإيجابى مع زيارة خبراء الأمم المتحدة المعنيين بالتفتيش على أسلحة الدمار الشامل فى العراق، ونقلت إليه رسالة الأمين العام كوفى أنان فى هذا الشأن.
قلت له إن العراق يخسر تعاطف منظمتين كبيرتين، وهو فى الحقيقة يحتاج لكسبهما فى صفه.. هل يعقل يا سيادة الرئيس أن يخسر العراق دعم الجامعة العربية ويفقد ساحة الأمم المتحدة؟
قبل أن يجيب قلت له: اسمح لى يا سيادة الرئيس أن أوجه لك سؤالا: هل لديك أسلحة نووية تخشى التفتيش عليها.
قال: لا يوجد لدى العراق أسلحة نووية وأعلنت ذلك مرارا.
قلت له: اسمح لى يا سيادة الرئيس أن أعيد عليك السؤال مرة أخرى: هل لديك أسلحة نووية تخشى التفتيش عليها.
قال ويبدو أنه مأخوذ من لهجتى الحادة: لا يوجد لدينا أسلحة نووية.
قلت: إذن لماذا تمانع فى حضور المفتشين الدوليين مادام العراق لا يخشى شيئا.
قال: لأن هناك ما نخشاه.
قلت: وما هو؟
قال: كل المفتشين الذين يأتون إلينا عملاء لوكالة المخابرات الأمريكية (CIA).
قلت: وماذا لو تأكدنا من أنهم من خارج (CIA)، أى يعملون لحساب الأمم المتحدة. نستطيع أن نشدد على المنظمة الدولية كى ترسل مفتشين على درجة من النزاهة والاستقلالية. ويمكنى تأكيد ذلك من خلال عملية مفاوضات تتم بينكم وبين الأمم المتحدة وبالذات كوفى أنان.
قال لى: أقبل بذلك، وآخذ بكلمتك؛ لأنك رجل عربى محترم.
قلت له: هل تقبل أن أنقل هذا الكلام للأمين العام للأمم المتحدة كوفى أنان.
قال: نعم أقبل.

شهادة أحمد بن حلى
أستكمل ما دار فى مقابلتى مع صدام من خلال السفير أحمد بن حلى، الذى قال فى شهادة مسجلة بصوته لمحرر هذا الكتاب، خالد أبو بكر، بعد أن أعطاه صورة من محضر المقابلة (منشور بكامله فى الكتاب) ما يلى بالنص الحرفى:
«هذه نسخة من محضر مقابلة الأمين العام، السيد عمرو موسى، مع الرئيس صدام حسين، مكتوب بخط يدى، الذى أتمنى أن تستطيع قراءته بسهولة. لكننى أود أن ألفت انتباهك بأننا فى كتابة محاضر الاجتماعات لا نسرد كل التفاصيل، ونكتبها بطريقة حرفية معينة. دعنى أقص عليك بعضا من هذه التفاصيل التى لن تجدها بالمحضر فيما يلى:
عندما دخلنا إلى الاجتماع مع الرئيس صدام بدأ عمرو موسى بتلطيف الجو بعدم البدء بالموضوعات الخلافية. كان صدام يعيش فى هيلمان وأبهة ويتكلم بنوع من الفخامة. شعرت عند بدء اللقاء أنه لا يعرف عمرو موسى عن قرب، ربما التقاه مرة أو مرتين عندما كان وزيرا للخارجية، لكنه لا يعرفه حق المعرفة.
بعد التقديم بالقضايا العامة دخلنا للموضوع المهم، وهو إقناع الرئيس صدام بالتجاوب مع قرار صادر عن القمة العربية خاص بتعامل العراق مع المراقبين والمفتشين الدوليين (على أسلحة الدمار الشامل)، والعراق كان متحفظا على القرار. كما كان عمرو موسى يريد أن يتعامل العراق بأقصى حد من التعاون دون إثارة المشاكل مع الأمم المتحدة؛ لتفويت الفرصة على المساعى الأمريكية لضربه. كان الأمين العام يريد من صدام اتخاذ قرارات تجنب العراق ضربة عسكرية يراها وشيكة، ويريد اقناع الرئيس صدام بأن العراق مقبل بالفعل على هذه الضربة التى ستقضى على العراق كله، وهذه رسالة قوية بدأ عمرو موسى يشرحها.
راح الرئيس صدام يخفف من هول ما يتعرض له العراق بقوله: احنا صامدين ومهما كان لن يموت العراق.
عندما سمع موسى هذا الكلام شعرت أنه فقد صبره، ووجدته يرد بغضب شديد بلهجته المصرية على صدام: اسمع بقى يا سيادة الرئيس.. التنظير لن ينفع العراق ولن ينفعك بكل صراحة. أنا بقولك العراق معرض لضربة قاصمة من الولايات المتحدة القوة الكبرى الأولى فى العالم.. هل أنت واع بأن بلدك معرض لهذا الخطر الداهم؟
هل أنت واع لمسؤليتك فى تجنيب العراق هذه الويلات؟
قال ذلك عمرو موسى بنبرة بدت وكأنها صرخة فى وجه صدام حسين.
حاول صدام مقاطعته قائلا: يا دكتور عمرو.
باغته موسى غاضبا: أنا مش دكتور، بقولك يا سيادة الرئيس: العراق فى خطر، استجب لما نطرحه عليك من إجراءات تعيد تواصل العراق مع الأمم المتحدة ومع أشقائه فى الجامعة العربية.
شعرت بأن الرئيس صدام كان فى غيبوبة؛ فاكتشف الوضع الخطير بكلام عمرو موسى، الذى قال له بوضوح: إن العالم تغير، وأنه لا الأوروبيون ولا الروس سيساعدونك، ومصير الشعب العراقى فى يدك.
وبدأ صدام يصغى بالفعل لطرح عمرو موسى، وعندما وصل الحديث للفنيات الخاصة بالتفتيش على الأسلحة أعطانى عمرو موسى الكلمة، وكان معنا رئيس مكتب الجامعة فى واشنطن، حسين حسونة، وهشام بدر.
بدأ صدام يستوعب. وفى الآخر قال لعمرو موسى: «أنا أفوضك لتتكلم باسم العراق واذهب لسكرتير عام الأمم المتحدة وقل له سنتعاون معه».
شعرت وكأن الرئيس العراقى اكتشف عمرو موسى؛ لأنه تحدث معه بلغة لم يعتد عليها صدام، لغة فيها صراحة وتحميل مسئولية، وفى آخر المطاف قال له: أنا مفوضك للتحدث باسم العراق، وقال له: اتصل بأمريكا وكوفى أنان، وفعلا عمرو موسى أجرى اتصالاته لكن للأسف كان يبدو أن قرار الحرب قد اتخذ.
وربما هذا اللقاء التاريخى بين موسى وصدام لو كان قبل هذا التاريخ ــ أنا أقولك بكل أمانة ــ كنا جنَّبنا العراق هذه المأساة وهذه الحرب ضده من الولايات المتحدة.

إبلاغ العرب وأنان بنتائج الزيارة
فى اليوم التالى لوصولى القاهرة قادما من بغداد عقدت اجتماعا للجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين لإبلاغهم بنتائج زيارتى للعراق ومباحثاتى مع صدام حسين، وتم ذلك مساء 20 يناير 2002. اتصلت فى نفس اليوم بالقصر الملكى فى الأردن طالبا موعدا عاجلا للقاء الملك عبدالله، بصفته رئيس القمة العربية لتقديم تقرير عن مباحثاتى مع صدام حسين. وكذلك اتصلت تلفونيا بالرئيس مبارك ثم بوزير الخارجية أحمد ماهر السيد، وبالأمير سعود الفيصل.
صبيحة اليوم التالى أجريت اتصالا هاتفيا مع الشيخ صباح الأحمد، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتى، والذى صار أميرا للكويت فيما بعد، لإطلاعه على ملخص ما اتفقت عليه مع صدام حسين فيما يخص مسألة الأسرى والمفقودين الكويتيين منذ الغزو العراقى للكويت سنة 1990، واتفقنا خلال الاتصال على أن أقوم بزيارة سريعة للكويت فى 22 يناير 2002.
ذهبت إلى الكويت، والتقيت الشيخ صباح الأحمد، وعددا من المسئولين. كان الجو العام يقول إن الإخوة فى الكويت غير مرتاحين لزيارتى للعراق. وكانت وجهة نظرى التى شرحتها لهم: أنه مهما يكن غضبنا مما حدث فى سنة 1990 فالعراق بلد عربى عضو فى الجامعة العربية، وهو طرف رئيس فى واحدة من أكثر الأزمات العربية خطورة بعد عدوانه على الكويت، ويهم الجامعة العربية أن تضع نهاية عربية مقبولة لهذا الوضع المهدد لاستقرار العالم العربى، وأن تضمن عدم تكراره. وفى نفس الوقت جئت إليكم لأطلعكم على ما دار خلال الزيارة، وما توصلت إليه بشأن موضوع الأسرى والمفقودين الكويتيين.
والحقيقة أننى كنت مقدرا لحالة الغضب الكبير الذى يشعر به الكويتيون بعد ما حصل من صدام حيالهم، وأفهم تخوفهم من دور للجامعة العربية يتم خارج إطار التفاهمات الدولية عالية المستوى إزاء عراق صدام حسين وسياساته فى المنطقة، لكنهم ظلوا على غضبهم لفترة امتنعوا فيها عن دفع حصتهم السنوية فى ميزانية الجامعة العربية، إلى أن وجدوا ــ على ما اعتقد ــ أن الجامعة تتطور، وأن أمانتها العامة وأمينها العام يقومون بجهد ملموس فى مختلف القضايا العربية، فتماهوا مع الجامعة؛ لأن الكويت بلد يحب الجدية فى العمل؛ ولذلك سريعا ما قدروا ما نقوم به من جهد فى خدمة العمل العربى المشترك.
كنت فور عودتى من بغداد قد تحدثت تليفونيا إلى كوفى أنان. قلت له لقد زرت العراق والتقيت صدام حسين، وأنا قادم إلى نيويورك لحضور «المنتدى الاقتصادى العالمى» (دافوس) الذى يعقد استثنائيا هذه السنة فى نيويورك بين 31 يناير و4 فبراير 2002. للتضامن مع الولايات المتحدة ومدينة نيويورك بعدما حدث فى 11/9.
قال أنان: لن أنتظر وصولك نيويورك. أريد ان أعرف ما دار بينك وبين صدام. اسمع يا عمرو، أنا فى استوكهولم اليوم وسأكون غدا فى النمسا، أرجوك دعنا نلتقى فى فيينا فى طريقك إلى نيويورك. التقينا بالفعل فى العاصمة النمساوية أواخر يناير، وعرضت عليه ما توصلت إليه مع صدام حسين بشأن موافقته على عودة المفتشين الدوليين للتفتيش على أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة.
فى نهاية اللقاء سألت أنان عن خطوات الأمم المتحدة إزاء انفتاح صدام على عودة المفتشين.
قال: لنتمهل قليلا.
فهمت أنه كان يريد أن يتشاور مع الأمريكان.
وهنا قررت أن اتشاور أيضا مع الأمريكان بشأن المسألة العراقية. من فيينا تحدثت تليفونيا إلى كولن باول، وزير الخارجية. قلت له: لقد زرت العراق خلال الأيام القليلة الماضية، وقادم إلى نيويورك لحضور منتدى دافوس، وأريد أن أقابلك.
قال: نلتقى صباح الثانى من فبراير، ولنشرب القهوة معا فى مقرى بنيويورك ولتكن فى الساعة 11 صباحا.
بعد وصولى نيويورك تحدثت إلى أنان قلت له: سألتقى باول.
قال: أعلم ذلك.
سألته متى نلتقي؟
قال: بعد لقائك مع باول.
جاء موعد اجتماعى مع وزير الخارجية الأمريكى. بعد الترحيب وجدته يستبق الحديث بقوله: صدام حسين ضحك عليك كما ضحك على كوفى أنان. سترى أنت وأنان كيف أن صدام «نصاب وكذاب».
قلت له: اسمع لما دار بينى وبين الرئيس العراقى أولا. وعرضت عليه ما توصلت إليه مع صدام. وفى النهاية قلت له: إذا كنت تريد إرسال مفتشين إلى العراق فلترسل فورا، عبر مفاوضات بين أنان وصدام، وأن تتعامل المفاوضات مع شكوك صدام من أن بعض المفتشين ينتمون إلى جهاز المخابرات المركزية الأمريكية (CIA).
ضحك باول وعقب بقوله: غسل مخكم صدام حسين أنت وأنان!
وأضاف: لا أنت ولا كوفى ستستطيعان إنجاز شىء. كان يقول ذلك جازما. (لأن قرار ضرب العراق كان قد تم اتخاذه والتحضير له كان على قدم وساق من قبل الإدارة الأمريكية). وإن كان فى الواقع لم يرفض اقتراحى بالتفاوض بين العراق والأمم المتحدة بشأن عودة التفتيش.
جاء موعد لقائى مع كوفى أنان يوم 4 فبراير. ذهبت إليه فوجدته يجهز لى مفاجأة، وهى وجود هانز بليكس رئيس هيئة المفتشين التابعين لمجلس الأمن. فى نهاية اللقاء وافق الأمين العام للأمم المتحدة على أن يقدم دعوة إلى الحكومة العراقية لاستئناف الحوار، وجرى تحديد 7 مارس 2002 لعقد الجلسة الأولى فى هذا الشأن.
لم تمض الأمور على ما يرام، لم تكن الولايات المتحدة مستعدة للتراجع عن سياستها تجاه العراق؛ فسرعان ما تعثرت المفاوضات بين العراق والأمم المتحدة (توجد بالكتاب تفاصيل محاولات الأمين العام لإنقاذ المفاوضات المتعثرة فى سبتمبر 2002، بحضور وزير خارجية العراق، بالتوازى مع اتصالاته التى لم تنقطع بطارق عزيز فى بغداد من مكتب كوفى أنان، إلى أن نجح فى نهاية المطاف فى إعادة المفاوضات بين الأمم المتحدة والعراق، وصرح أنان لوسائل الإعلام بعدها أنه بناء على الجهود المشتركة بين السكرتير العام للأمم المتحدة والأمين العام للجامعة العربية توصلنا إلى اتفاق بعودة المفتشين).



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك