"وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ"، من منطلق هذه الآية الكريمة، تستعرض "الشروق" خلال ال١٠ أيام الأوائل من شهر رمضان سلسلة "الحيوان في القرآن".
ونتحدث في الحلقة الخامسة من هذه السلسلة، عن قصة الثعبان معجزة النبي موسى عليه السلام، الوارد ذكرها في القرأن الكريم، وذلك من خلال كتاب "البداية والنهاية"، لمؤلفه الإمام الحافظ ابن كثير.
* رسالة موسى عليه السلام
ولد سيدنا موسى وأخيه هارون عليهما السلام في مصر ، وهما أحد أنبياء بني إسرائيل، أي أنهما أحفاد أخوة سيدنا يوسف عليه السلام رئيس وزراء مصر، الذي دعا ابيه النبي يعقوب للعيش في مصر، خلال السنوات العجاف التي ضربت الأرض، لتتحقق رؤية يوسف بسجود اخوته له، الذين عاشوا في خير مصر بعد فراق بينهم وبين أخيهم.
وفي ذات ليلة رأى فرعون مصر في منامه أن نارا أقبلت من أرض بيت المقدس، ووصلت إلى مصر، فأحرقت الأرض والزرع ولم يتبق شيء إلا وقضت عليه، ولم تضر بني إسرائيل، فقال له الكهنة إن هذا غلام سيولد من نبي إسرائيل وسيكون هلاك أهل مصر على يده فأمر الفرعون بقتل جميع الأطفال وترك النسوة.
وبعد ذلك أمر الفرعون جنوده بقتل جميع الأطفال عاما وأن يتركوهم عاما، فولد النبي هارون أخو النبي موسى عليهما السلام في عام المسامحة، وولد موسى في عام القتل.
وأوحى الله تعالى إلى أم موسى أن تضعه في شبه صندوق وتلقيه في نهر النيل خشية أن يقتله أهل فرعون، يقول الله في كتابه العزيز: "وأوحينا إلى أم موسى أن ارضعيه فإذا خفتي عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين".
فلما ألقت أم موسى ولدها التقطه جواري قصر فرعون وأرسلوه إلى امرأة الفرعون، فلما رأته أحبته بشدة، فلما جاء فرعون أمر بذبحه، فاستسمحته أن يتركه وقالت له: "قرة عين لي ولك"، فرد عليها: "قرة عين لك أما أنا فلا".
واستقر موسى عليه السلام بدار فرعون، واستقدمت له النسوة مرضعات كثيرات لكنه لم يقبل ولا واحدة، وبينما كان يحدث ذلك كانت اخته تراقبه، فعرضت عليهم أن تدلهم على امرأة ترضعه دون أن تفصح عن أنها أمه، فرد الله موسى لأمه، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُم وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَٰهُ إِلَىٰٓ أُمِّهِۦ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ".
ورتبت زوجة الفرعون الرواتب فكانت تنفق على موسى حتى شب وكبر، وكذلك أراد الله لنبيه موسى أن ينجو من هلاك فرعون.
* الوحي ينزل على موسى عليه السلام (معجزة الثعبان)
لما شب موسى وكبر، تورط في حادثة قتل لرجل في المدينة فهرب موسى خشية أن ينتقم له أهله، وذهب إلى مدينة مدين في الجزيرة العربية، وعمل راع غنم إلى أن عاد وسار موسى بأهله إلى مصر ومعه الغنم وكانت ليلة مظلمة باردة، وقد وصل إلى طور سيناء في مصر، فرأى نارا، فلما وصل عندها وقف متعجبا، وهنا نزل الوحي على موسى، فكلمه الله أعلى جبل الطور وأمره بالذهاب إلى فرعون، فطلب موسى من ربه أن يشدد أزره بأخيه هارون فاستجاب له الله وجعل هارون رسولا معه.
يقول الله في كتابه العزيز: "فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ يا موسى إني أَنَاْ رَبُّكَ فاخلع نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بالواد المقدس طُوًى".
ذهب موسى عليه السلام إلى فرعون ملك مصر فقص عليه دعوته إلى عبادة الله، فتكبر وكذب بالآيات، وطلب من موسى أن يظهر معجزة حتى يؤمن به فأحضر فرعون السحرة وكل منهم ألقى بعصاه فتحولت لثعبان فلما ألقى موسى بعصاه تحولت لثعبان أكبر التهم كل الثعابين.
يقول الله تعلى في كتابه العزيز، سورة الأعراف: "102﴾ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا ۖ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴿103﴾ وَقَالَ مُوسَىٰ يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿104﴾ حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿105﴾ قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿106﴾ فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ﴿107﴾ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴿108﴾.
اتهم فرعون النبي موسى بالسحر، لكن السحرة علموا أن ذلك ليس سحرا فآمنوا بموسى وأسلموا لله فقتلهم فرعون صلبا على جزوع النخل، لأنهم آمنوا بموسى قبل أن يأذن لهم، وأطلق جنوده لاستحياء نساء بني إسرائيل، وقتل ابنائهم، حتى خرجوا من مصر هربا من فرعون الذي ذكر التاريخ بأنه كان ملكا غير مصريا في ذلك الوقت، والمؤكد أن (فرعون) في اسم هذا الملك وليس لقب ملك مصر، والدال على ذلك هو ذكره في القرآن الكريم نكرة كاسم، دون إضافة الألف واللام.
يقول الله تعالى: "وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ﴿113﴾ قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴿114﴾ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ ﴿115﴾ قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴿116﴾ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴿117﴾ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿118﴾ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ﴿119﴾ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴿120﴾ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿121﴾ رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ ﴿122﴾ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿123﴾ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿124﴾ قَالُوا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ ﴿125﴾".
* موسى عليه السلام يهرب ببني إسرائيل خارج مصر
ولما علم الفرعون بخروج بني إسرائيل مع موسى، قاصدين بلاد الشام، هربا منه، غضب غضبا شديدا، وجمع جنوده وقرر أن يلاحقهم، فلما رأوه ضرب موسى بعصاه البحر فانشق وعبر ومن معه إلى الشط، ولما دخل فرعون وجنوده البحر أغلق عليهم فهلكوا جميعا، وقال بعض الذين كانوا مع موسى، إن فرعون لا يموت أبدا، فقذف الله بجثة فرعون إلى الشاطيء ليكون عبرة لمن بعده، يقول الله في كتابه العزيز: "اليَوْمَ نُنْجِيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونِ لِمَنْ خَلْفَكَ آيِة".
وسمي هذا اليوم الذي نجا فيه سيدنا موسى وقومه من بطش فرعون بيوم (عاشوراء)، وهو مقدس عند اليهود حتى الآن، ويصومه المسلمون أيضا.