«صاحب العالم».. اصطدام الإنسان المعاصر بمخاطر التكنولوجيا - بوابة الشروق
السبت 7 يونيو 2025 2:45 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

«صاحب العالم».. اصطدام الإنسان المعاصر بمخاطر التكنولوجيا

أسماء سعد:
نشر في: الجمعة 10 نوفمبر 2023 - 7:05 م | آخر تحديث: الجمعة 10 نوفمبر 2023 - 7:05 م

«سرد يتسم بالعذوبة، وإيقاع تشويقى جذاب لا يخلو من طرافة»، اعتمد عليه الكاتب الروائى أحمد صبرى أبو الفتوح، فى روايته « صاحب العالم» الصادرة عن دار الشروق، والتى تقتحم عالم الطبقة المتوسطة ليسلط الضوء على معاناة موظف مصرى تقليدى أصبح محاصرًا فى عالم رقمى وفضاء إلكترونى لم يعد ينعم فيه أحد بأى خصوصية؛ ليضع يده على أزمة الإنسان المعاصر.
على مدار 263 صفحة من محطات رواية «صاحب العالم»، يطالعنا أحمد صبرى أبو الفتوح بسردية تتعلق برغبة الأستاذ «عبدالحميد دهمش» بعد رحيل زوجته وهجرة أبنائه وخروجه على المعاش، أن يتنسَّم بعضًا من عبير الحرية، مستفيدًا مما تتيحه تكنولوجيا التواصل الاجتماعى من إمكانات هائلة، لكنه وهو يسعى لذلك، فقد تقدم خطوة فى الفراغ، فهوى، وبات على أعتاب فضيحة قد تهدد كيانه وكيان أبنائه وحبيباته اللاتى شاركته تنسُّمَ بعض من عبير الحرية.
يصور لنا أبو الفتوح كما لو أننا نرى ما هو مدون بأعيننا، الموظف عبدالحميد دهمش بوصفه موظفًا عامًا عتيدًا، يعرف أن الخروج من ورطة كهذه لا يفيد فيها التفكير من داخل الصندوق، لذلك لجأ إلى ربيب السجون «رزق مرزبة»، ليمضى القارئ عبر صفحات الرواية ساعيا وراء الإجابة على سؤال، هل سيستطيع رزق، مساعدة الأستاذ عبدالحميدة فى النجاة من هذه الورطة، وما كلفة ذلك الحقيقية.


يجد القارئ نفسه فى القلب تماما من نقاش محورى شديد الأهمية، حول مخاطر الطفرات الإلكترونية غير المحسوبة، وغير المحمودة العواقب على أصحابها، حيث تناقش رواية «صاحب العالم» المخاطر المحفوفة المتعلقة بسيطرة فضاءات التواصل الاجتماعى والإلكترونى على أدق تفاصيل حياتنا، للدرجة التى يجد معها القارئ أنه قد نسى شكل حياته قبلها.


يضعنا الكاتب عبر حبكة شديدة العذوبة، كيف كنا نعيش دون تصفح مواقع التواصل الاجتماعى التى نتج عنها إنهماك تام وانغماس كامل لإنسان العصر الحديث معها، وأيضا العواقب المترتبة عليها، ويمر القارئ مع المؤلف ليتلمس بوضوح كيف توغلت وسائل التواصل الاجتماعى إلى أدق تفاصيل حياتنا، حتى إنها صارت تتحكم فى رأى الجموع عند متابعة أى من الفضائح الإنسانية أو الأخلاقية.


لا تقع الرواية الصادرة عن دار الشروق، فى فخ النقاش المباشر والحصرى حول مخاطر التكنولوجيا فقط، وإنما هى نصوص تقدم معالجة معمقة فى تشابك العلاقات الاجتماعية أيضا، غيابها، حضورها، طبيعتها المتقلبة، حيث يمر بطل العمل بالكثير من الاختبارات مع كل المعارف والعلاقات، الفجوة الهائلة التى اكتشفها بينه وبين أقرب الناس حوله.


تطوف بنا رواية «صاحب العالم» حول ركيزة أساسية أخرى، متعلقة بمسألة الهوس بوجود المؤامرة، وربط ذلك بإمكانية الوقوع فريسة للتكنولوجيا الحديثة، بما فى ذلك كله من الاستناد إلى المشاعر والأحاسيس والذكريات، والحكايات الجذابة، ولكن فى إطار من الترقب عما إذا كنا فى عالم يعج بالمؤامرات وأن كلنا مراقبون.


بأسلوب لغوى جذاب يلائم الإيقاع السريع للرواية، حيث يحافظ القارئ على مقدار تورطه فى النص بنفس المقدار على مدار صفحات الرواية، ورغم أننا نجد أنفسنا أمام نهاية تفتح الباب على عديد التأويلات، إلا أنها تساعد إجمالا فى لم شمل حبيبين من نوع خاص، أحدهما مهدد بفضيحة تطيح بكل تاريخه وتدمر سمعته وأسرته، والأخرى امرأة لم تعرف فى حياتها الحب، وبعد تجربة زواج مريرة لم تجن منها إلا المال عرفت الحب مع هذا الرجل المهدد بالفضيحة.


يضعنا الكاتب أحمد صبرى أبو الفتوح بإجادة تامة أمام مغزى هام تحمله الرواية، تتشابك فيه التفاعلات الإنسانية، مع المخاطر التكنولوجية، حيث تطور وسائل الاجتماعى وتأثيرها، عن الحياة بعد التقاعد والوحدة، وطرق مواجهة الوحدة الذاتية، مع عدم الإقرار بأن العالم خالٍ من المؤامرات، حيث سبق فى أرض الواقع الفعلى كما يؤكد المؤلف نفسه، أنه قد أثيرت على مدى العقود القليلة الماضية الكثير من الأمور المتعلقة بإتاحة البيانات الشخصية للغير من قبل الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعى، بل بيعها للشركات وللحكومات وغيرها. وهذا يعنى ببساطة أن المعلومات التى يظن المتعاملون مع هذه المنصات أنها سرية هى فى الحقيقة ليست كذلك، وهو جوهر التفاعل الجذاب داخل الرواية.


أمام العديد من السيناريوهات المطروحة التى تداعب مخيلة القارئ، والتفسيرات والتبريرات التى يمكن أن يقدمها لما ستئول إليه الأحداث، يطالعنا النص، برغبة البطل فى نهاية العمل للهروب إلى منطقة نائية بعيدا عن ملاحقات شبكات الهاتف أو الإنترنت حيث الطبيعة والعزلة، الأمر الذى يتبادر معه على الفور، أن هذا الطرح ربما يصبح هو الخيار المستحيل لإنسان العصر الساعى وراء استعادة ذاته ولملمة شتات نفسه.


أحمد صبرى أبو الفتوح؛ روائى مصرى درس الحقوق فى جامعة القاهرة وعمل بالسلك القضائى حتى أصبح رئيسًا للنيابة العامة، ثم استقال وعمل بالمحاماة. تعد خماسيته الشهيرة «ملحمة السراسوة» من أبرز أعماله، وقد نال عن الجزء الأول منها جائزة ساويرس للرواية ــ فئة كبار الكتاب.


كما صدر للكاتب أحمد صبرى أبو الفتوح اثنا عشر عملًا روائيًّا أبرزها رواية «تاريخ آخر للحزن» ورواية «أجندة سيد الأهل» ورواية «برسكال» وغيرها من الأعمال التى لاقت صدى كبيرًا لدى النقاد والقراء. له مجموعة قصصية بعنوان «وفاة المعلم حنا».



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك