محمد المعزوز فى روايته «بأى ذنب رحلت؟» ينقد النخبة الراكدة والخانعة - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 5:03 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محمد المعزوز فى روايته «بأى ذنب رحلت؟» ينقد النخبة الراكدة والخانعة

عبدالله محمد
نشر في: الجمعة 12 أبريل 2019 - 7:42 م | آخر تحديث: الجمعة 12 أبريل 2019 - 7:42 م

فلسفة خاصة يشهدها العمل الثانى للكاتب محمد المعزوز، والذى ينافس على القائمة القصيرة لجائزة «البوكر العربية».. هذه الفلسفة التى تعد أحد أوجه التميز للكاتب الحاصل على درجة الدكتوراه فى الأنثروبولوجيا السياسية والدكتوراه فى علم الجمال، ليقدم لنا هذا العمل الذى ينافس أقلاما أدبية كثيرة.. إذ تطل علينا رواية «بأى ذنب رحلت؟» الصادرة عن المركز الثقافى للكتاب بالدار البيضاء لعام 2018، من خلال عدسات وزوايا مختلفة، لأن حال الصوت الذى يغلفها يأخذنا بسرديته إلى السياسة والفن، والموسيقى، والرسم، ويغوص فى التقلبات والمتغيرات الاجتماعية الخاصة بالمجتمع المغربى، وخمول التاريخ المتمثل فى الإنسان ابن الأرض وهم أهل النخب فى مختلف الميادين والمجالات.

فى مستهل مقدمة الرواية نقرأ تعبيرا على لسان الراوى: «رفع يده باحثا عن أصابعه، ليدق أبواب اللغز ومنغلقات اللحظة» وهذا هو ما سيكشف لنا فى هذا العمل الأدبى عن منغلقات التحول من الإيمان بالمبادئ إلى ذبول هذا الإيمان والوصول لحالة الركود.

عقب انتهاء مشاهدة فيلم تسجيلى عن جيفارا يستعرض الكاتب شخصية «رءوف» وهو السياسى الذى يظهر لنا مدى انتهازيته وحبه للظهور على الساحة، فيخبرنا الراوى: «أخذ رءوف الكلمة وسط حضور من أطر الحزب وشبابه، ليشرح السياق الذى جاء فيه عرض الفيلم. تحدث بإسهاب وباندفاع عن أوضاع اليسار فى العالم والمغرب، لكنه سرعان ما انقلب حديثه إلى موضوع آخر، يتفلسف فيه عن معانى مشاركة حزبه فى الحكومة أو كل الحكومات، منبها إلى خطورة ترك الكراسى فارغة. تحدث عن دلالة التحالفات وقيمتها فى صناعة الفرق السياسية، لكنه أقسم بأغلظ الإيمان والبصاق يتطاير من فمه، ألا يكون تحالف حزبه إلا مع قوى اليسار والديمقراطية».. و«رفع أحد الشباب يده ليسأله، ولكن رءوفا لم يعبأ به».

محمد المعزوز يقاوم من خلال الرواية عدة أمور مهمة، لعل أهم ما يميزها عن غيرها البعد السياسى فى شخصية الكاتب، هذا العمل الذى يخبرنا عن النخبة، التى آلت إلى الركود والخنوع، مقارنة مع جيل الستينايت والسبعينيات، الأكثر فكرا والأكثر تحررا وكذلك الأكثر نشاطا، فيلجأ المعزوز إلى الرواية ليعبر عن تجربته، وهى بالطبع جزء من تحولات البلد «المغرب» التى أثرت فيه وبالفعل يقدمها لنا فى ثنايا هذا العمل بسرد فلسفى أقرب إلى السردية الشاعرية وربما تدخل فى وفق التجريب.

مواكبة التحولات الاجتماعية والانسانية والثقافية والسياسية، ورصدها عبر مسار زمنى، ورصده يكون عبر جملة سردية أتت لنا بأى ذنب رحلت، تتناول قصة الفنانة وعازفة البيانو «راحيل» والابنة التى كبرت بعدما تركتها الأم راشيل وهى الفنانة التشكيلة التى تتزوج من فيلسوف لاحقا تفر منه هربا.

الأم بعدما لم تجد جدوى من الحياة بهذا الفن فقررت الرحيل بشكل مفجع كان مآله الانتحار، وثنائية التضاد بين الأمل وعكسه الذى تواجهه الأبنة، «راحيل» الفنانة التى تقرر ترك العزف بعد أن وجدت أنه لا مناص من ذلك، وبين هذه الثنائية تمثل قصة راحيل بتلك الغرابة والمعانة فيطرح لنا المعزوز حالة شاعرية لسردية ممتدة بحالة من الانهزام وطغيان الشعور والخيبة ولعل تقارب القصة بين راشيل الأم وراحيل الابنة يمثل نموذجا إنسانى يمتد إلى المعاناة التى تلاحق الجيل الحالى للمغرب.

مع كل هذا ينبض الأمل لدى راحيل فتعاود العزف وتقرر أن تحيى الأمل بداخلها من خلال العزف والغناء لمقاومة الركود والسوداوية بمعانيها المتراكمة بداخل السردية التى يقصها علينا المعزوز عبر ثنايا الحكاية، فهى تجد فى سارتر وسيمون دى بوفوار ملاذا حين تعيش فى تدبر الفلسفة والفن.
وربما قراءة القليل من الفلسفة تفهمنا الرواية، حيث يلجأ المعزوز إلى صور فلسفية متأثرة بالفيلسوف مارتن هيدجر الذى قال: «إنى أميز بين الفلسفة، أى الميتافيزيقا وبين التفكير كما أفهمه. هذا التفكير هو أسهل بكثير من الفلسفة ولهذا هو أصعب بكثير عند الإنجاز وهو يتطلب عناية جديدة باللغة وليس ابتكار مصطلحات جديدة كما كنت أعتقد سابقا بل بالعودة إلى المضمون الأصلى للغتنا».

وفى شرق المملكة على الحدود المغربية الجزائرية، يعود بنا المعزوز خلال مدينة وجدة التى تمثل فى مخيلة خالد زوج راحيل «طليقها» نوستالجيا الماضى الذى يبحث فيها عن لحظات الصبا والنضال وشعلة الحماسة والنشاط الذى عايشه فى فترة الستينيات التى كان مخلصا فيها للمبادئ والأفكار فهذه الأفكار التى كان يؤمن بها كانت سببا فى ترك الزوجة والحبيبة.

وهكذا نرى من خلال «عبدالله» زوج راشيل الذى يعيش نفس الحنين لأحضان القرية وحالة المعاناة التى لم تنفك عن باله، فيشرح لنا الراوى حالته: «خيل إليه أن لا شىء يتكرر غير الغياب. هو البداية والنهاية دائما، هو الأصل فى الوجود وليس فى الحضور، لأن الحضور مغالطة تغطى بؤبؤ العين حتى لا ترى».

وعن حالة التيه يروى: «قضى الليل والنهار يفتش عنهما فى كل مكان، فى كل المواقع والمعابر التى يشتبه فى أن تكونا فيها هناك. أخبرته شرطة المطار بأنهما لم يغادرا المدينة. فذهب به خياله إلى أنهما قد عبرتا الحدود مع الجزائر عبر محطة «زوج أبغال» فى اتجاه وهران أو تلمسان».

فقدان الزوجة «راشيل» التى كانت مصدرا للنشاط والدأب فى العمل السياسى والفكرى، فعبدالله الفيلسوف يعانى من تخبط مشاعره بين المعاناة والغربة عن الناس والمجتمع يشعر كأنه ينفتح فجاه على العالم فيجد هذا الجفاء والإهمال فهو لم يعد يشعر بأى ألفة تجمعه مع المجتمع.

يقاوم الكاتب من خلال الفلسفة وعلم الجمال ما آل إليه المجتمع من خلل وعزلة وفقدان القيم الإنسانية التى يتسم بها أى انسان، فالباحث والكاتب محمد المعزوز يدخل فى خبايا النصوص فلسفته ممزوجة بشاعرية النص التى توضح ما كان عليه الوضع فى مجتمع ثقافى كان له دور بارز فى ستينيات الجيل الغائب عنا اليوم الذى انشغل بالسياسية والثقافة والفن وقدم الحلول لأزمات المجتمع وبتلك الأطروحة الفلسفية التى هى مغلفة بأبستمولوجيا متأصلة بجذورها فى مخيلة الكاتب وخلفياته الثقافية الواسعة قدم لنا بأى ذنب رحلت لتعيد الجيل القادم للتاريخ للتعلم من حركة الستينات الماضية التى ملئت المجتمع بالأفكار والأطروحات حول بناء مجتمع إنسانى سليم له الحق فى التعبير والمشاركة فى الحراك المجتمعى للنهوض به نحو بناء هوية قوية تبدأ بالوعى بالذات الإنسانية والمكانية لدى المجتمع المغربى.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك