الببلاوى عن هيكل: الأب الروحى للصحفيين.. وأحد القلائل الذين شاركوا فى صياغة السياسة العربية - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 1:14 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الببلاوى عن هيكل: الأب الروحى للصحفيين.. وأحد القلائل الذين شاركوا فى صياغة السياسة العربية

رئيس وزراء مصر الأسبق حازم الببلاوى
رئيس وزراء مصر الأسبق حازم الببلاوى
أحمد عويس
نشر في: الخميس 18 فبراير 2016 - 9:35 م | آخر تحديث: الخميس 18 فبراير 2016 - 9:35 م
جاوز «نقل الأفكار» إلى تناولها بالتحليل المستند إلى الوقائع.. ضم للأهرام أكثر الأسماء اللامعة بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية
  
«الكتابة عنه ليست بالأمر الذى يؤخذ بخفة ويعد فى يوم أو يومين، فليس من الإنصاف لمحمد حسنين هيكل أن يكتب عنه بتسرع بناء على انطباعات سريعة أو خاطفة»، ذلك هو نص رد رئيس وزراء مصر الأسبق حازم الببلاوى على طلب الكاتب الصحفى البارز طلال سلمان رئيس تحرير «السفير» مشاركة الببلاوى فى ملف عن أبرز الصحفيين العرب بدءا بالأستاذ هيكل.

انطلق الببلاوى فى آخر مؤلفاته «شخصيات على مسيرتى» متحدثا عن أهم الشخصيات المؤثرة فى صنع المشهد السياسى والثقافى العربى، وكان فى مقدمتهم «هيكل» الذى وصفه بـ«الأب الروحى» للصحفيين من مختلف المشارب، وأبرزهم فى القرن العشرين، وأحد الصحفيين العرب القلائل الذين شهدوا وشاركوا فى صياغة السياسة العربية.
يحكى الببلاوى: أقام «هيكل» استقبالا صغيرا فى الأهرام للمدعوين فى إحدى الندوات المهمة، وعندما مددت يدى للسلام عليه، قال معرِّفا بنفسه: محمد حسنين هيكل، وكأنما هو فى حاجة إلى التعريف بنفسه، وأين؟ فى الأهرام! وقد توثقت علاقتى به بعد ذلك.
يتابع الببلاوى: هيكل كاتب جاد، يتحدث بمنطق ويصوغ أفكاره بشكل واضح، ويفتح عقله وقلبه للحوار والمناقشة، ويأخذ نفسه بصرامة ومهنية عالية لا تملك إلا أن تحترمه لأنه يحترم نفسه ويحترم عقلك، شديد الاعتزاز والثقة فى نفسه، يحاول أحيانا أن يخفف من وطأة ذلك بكثير من التواضع، مضيفا أنه متحدث لبق وساحر يجذب مستمعيه شيوخا وشبابا، رجالا ونساء، بقصص طريفة وتعليقات لاذعة، وله علاقات هائلة مع كبار الشخصيات فى العالم، وقراءات متعددة ومتنوعة فى مختلف المجالات، وهو لا يباهى بهذه القراءات أو تلك العلاقات، فقد كان محمد حسنين هيكل ملكا للصحافة، وسوف يبقى.
هيكل والصحافة:
نقطة البداية هى ضرورة الاعتراف بأن الاستاذ هيكل صحفى «حتى النخاع»، وأنه تربى فى مدارس صحفية متعددة، أتاحت له معرفة الكثير من فنون وأسرار هذه المهنة، ساعدته التجربة فى التعرف على مختلف المدارس الصحفية بدءا من المدرسة الإنجليزية فى الإيجبشيان جازيت، مرورا بمدرسة مصطفى وعلى أمين.
يسرد الببلاوى: تظل تجربة هيكل هى الأكثر عمقا وتأثيرا كانت ولا شك فى الأهرام، وكان الأهرام كشأن العديد من الصحف المصرية قد نشأ فى الإسكندرية 1876 على يد عائلات شامية، إلا أن الأهرام حرص على التمسك بقدر من الاستقلال والحيدة، وبذلك لم يتورط كثيرا فى قضايا خلافية.
ويوضح عندما تولى هيكل رئاسة تحرير الأهرام لم يحدث فيه «انقلابا» بل استمر على هدوئه ورزانته، ومع تأميم الصحافة فى بداية الستينيات، طرحت علاقة الصحافة بالسلطة وظهرت فى أبرز صورها فى علاقة الأستاذ هيكل الصحفى بالسلطة، وهو الدور الذى برع فيه الأستاذ هيكل إلى حد كبير، فالأستاذ يقول عن نفسه إنه «صحفى» وهو يفخر بذلك.
خلال فترة رئاسة الأستاذ هيكل للأهرام فقد غلب على هذه الفترة سيطرة الدولة على الصحافة وخاصة بعد تأميمها، فضلا عن أن نظام الحكم القائم لم يعرف تعددية أو تداولا للسلطة، وأن «هيكل» الصحفى أراد أن يكتسب لصحيفته مصداقية الإعلام، وينفى عنها «أبوية» الإرشاد للسلطة.
هيكل ليس كاتبا مميزا فحسب ــ والكلام للببلاوى ــ بل إنه أيضا يحب صحبة المتميزين، وحرص على أن يرتبط بشكل أو بآخر بالعديد من عناصر النخبة الثقافية فى مصر، وكان أن ضم إلى الأهرام أكثر الأسماء اللامعة مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وحسين فوزى ولويس عوض وصلاح طاهر وغيرهم، وذلك بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية من اليسار أو اليمين.
لافتا إلى أنه لم يكن غريبا أن يضم الأهرام بين إصداراته «الطليعة» مع لطفى الخولى اليسارى، فى نفس الوقت الذى أصدر «الأهرام الاقتصادى» مع بطرس غالى اليمينى، وهكذا فقد كان هيكل بطبيعته «نخبويا» ينجرف إلى عناصر النخبة ليس فقط فكريا، بل اجتماعيا أيضا، فهو يلعب الجولف ويعيش حياة اجتماعية راقية بلا ابتذال.

هيكل والسياسة:
يصنف الببلاوى ــ فى «شخصيات على مسيرتى» ــ موقع «الأستاذ» من السلطات السياسية المتعاقبة، قائلا: كان «شريكا فى الحكم» فى عهد عبدالناصر، على الأقل من الناحية الأيديولوجية، بدأ مشاركا ثم مناوئا للحكم فى عهد السادات، أما فى عهد مبارك فقد استعاد هيكل دوره ــ بعيدا عن دائرة الحكم الضيقة ــ كصحفى ومفكر ولم يعد مشاركا أو مناوئا للحكم بشكل شخصى.
هيكل برز ليس كصحفى يحلل الأحداث، بل جاوز ذلك إلى المؤرخ الذى يسجل الأحداث ويغوص فى الوثائق، يرجع نجاحه فى هذا الصدد إلى أنه لم يقتصر على نقل «الأفكار الرسمية» بل إنه كان يضعها فى إطار من التحليل السياسى المستند إلى الوقائع والأحداث التاريخية.
يرى رئيس وزراء مصر السابق أن «هيكل» احتفظ دائما بقدر من المسافة والاستقلال عن السلطة وهو ما سمح له ــ فى بعض الأحيان ــ بانتقادها، وبذلك خلق «الأستاذ» وضعا ملتبسا ومبهما حول علاقته بالسلطة، وكانت مقالاته إما معلنة عن التوجهات القادمة وإما مفسرة للسياسات القائمة.
أضاف إلى الكتابات السياسية قدرا من العقلانية والموضوعية ولم يقتصر ــ مثل العديدين ــ على إطلاق الشعارات الطنانة والإثارة العاطفية، وإن كان فى اختياره وإسقاطه للوقائع والأحداث ما يساعده على إبراز المعنى الذى يدعو إليه، فهو كاتب يخدم قضية ونظاما.
واختتم الببلاوى حديثه عن «هيكل» بأن الحديث عن الصحافة والسلطة معا هو حديث بالغ الدقة، فالسلطة هى مصدر أساسى للمعلومات إن لم تكن المصدر الوحيد، والصحافة لا يمكن أن تعيش دون أن تكون على علاقة بها للحصول منها على المعلومات، ولكن الصحافة ليست مجرد ناقل للمعلومات، بل هى باحث عنها، مُصَفٍّ لها، ناقد ومحلل لها، وهو ما حققه «هيكل» بامتياز.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك