يتزامن احتفال تنصيب البابا ليو الرابع عشر هذا العام مع اليوم العالمي للمتاحف، الذي يوافق 18 مايو من كل عام، في مناسبة تحتفي فيها المؤسسات الثقافية حول العالم بدور المتاحف في تعزيز الحوار بين الشعوب وحفظ التراث الإنساني. ويضفي هذا التزامن بُعدًا رمزيًا على المراسم، إذ يجمع بين انتقال القيادة الروحية للفاتيكان والاحتفاء العالمي بالمؤسسات التي صانت عبر العصور ذاكرة الفن والدين والمعرفة، وفي مقدمتها متاحف الفاتيكان التي تُعد من أبرز معالم هذا الإرث العالمي.
تُعد متاحف الفاتيكان واحدة من أهم المؤسسات الثقافية والفنية في العالم، إذ تحتضن عبر قاعاتها وغرفها مجموعة استثنائية من الأعمال الفنية والآثارية والإثنولوجية التي جُمعت على مدى قرون برعاية البابوية، غير أن تاريخ هذه المتاحف لا يبدأ فقط بالمجموعات الفنية، بل يمتد إلى الغرف التي اختارها الباباوات كمقرات خاصة للتأمل أو السكن، والتي أصبحت جزءًا من التراث الفني العالمي.
ونستعرض تاريخ متاحف الفاتيكان وأبرز مقتنياتها بحسب موقعها الرسمي في التقرير التالي:
-كنيسة نيكولينا
تبدأ الحكاية مع كنيسة نيكولينا، التي زُينت في عهد البابا نيقولا الخامس على يد الراهب الدومينيكاني والفنان الشهير فرا أنجيليكو، الذي رسم مشاهد من حياة القديسين استيفان ولورنس مستوحاة من كتاب "أعمال الرسل".
وخضعت هذه الأعمال لترميم دقيق عامي 1995 و1996، لتُعيد الألق إلى واحدة من أروع لوحات القرن الخامس عشر التي تجمع بين الحس الديني والفكر الإنساني.
أما البابا ألكسندر السادس، فقد سكن الجناح الأرفع في القصر الرسولي، وطلب من الفنان بينتوريتشيو تنفيذ زخارف شقق بورجيا، التي اكتملت عام 1494 بزخارف جدارية غنية ومتصلة، ظلت لقرون غير مستغلة قبل أن تُدمج لاحقًا في المسار المتحفي وتُعرض فيها مختارات من الفن الديني الحديث.
-توسع للثقافات
في القرن العشرين، وتحديدًا في عام 1926، أطلق البابا بيوس الحادي عشر رؤية توسعية جديدة بتأسيس متحف الميشيناري إيثنولوجيكال ليعكس الثقافات غير الأوروبية في آسيا وأفريقيا والأمريكتين، وضم هذا المتحف منذ بدايته نحو 40.000 قطعة فنية نادرة، وافتُتح رسميًا في قصر لاتيران عام 1927، قبل أن يُنقل لاحقًا إلى مقره الحالي.
واصل بيوس الحادي عشر هذه النهضة الثقافية بإنشاء مبنى خاص لعرض اللوحات الفنية، هو الفاتيكان بيناكوتيكا، والذي صمّمه لوكا بيلترامي، وافتُتح عام 1932 ليضع حدًا لمشكلة تنقل اللوحات داخل القصر الرسولي. كما أعاد تنظيم عرض رفات "سانكتا سانكتوروم" في تشابل أوف ساينت بيتر مارتر، وهي رفات عُثر عليها عام 1905 وتعود إلى عهد البابا لاوون الثالث "795–816".
وفي عام 1923، أنشأ أول مختبر لترميم اللوحات والخشب، ليكون النواة الأولى لما أصبح لاحقًا شبكة من مختبرات الترميم التابعة للمتاحف، التي توسعت خلال العقود التالية لتشمل:
• مختبر ترميم المعادن والسيراميك (1980–1981)
• مختبر ترميم المواد الحجرية (1984)
• مختبر ترميم الورق (1994)
• مختبر ترميم المواد الإثنولوجية (2001)
وفي عهد البابا يوحنا بولس الثاني، شهدت كنيسة السيستينا عملية ترميم كاملة بدأت عام 1979 واستمرت أكثر من 3 عقود، وانتهت بقداس مهيب في أبريل 1994 احتفالًا بإتمام المشروع الذي شمل أعمال ميكيلانجيلو الشهيرة وسواها.
-قوائم اليونسكو
وفي عام 1984، أدرجت اليونسكو متاحف الفاتيكان ومدينة الفاتيكان ضمن قائمة التراث العالمي، تقديرًا للقيمة الفنية الاستثنائية للمجموعات التي احتضنتها عبر تاريخها، واستعدادًا لـ يوبيل عام 2000، خضعت المتاحف لتحديث شامل شمل إنشاء مدخل جديد مزدوج الطابق، مع مرافق خدمية متكاملة تشمل مكاتب الاستعلامات والجولات، وأجهزة الكشف، والمكتبات، وغرف الأطفال والإسعافات الأولية، بما يضمن راحة الزوار وتنظيم تدفقهم ضمن أكبر متاحف العالم من حيث القيمة الفنية والدينية.
-حضارة مصر في متحف الفاتيكان
ولا تقتصر مقتنيات متاحف الفاتيكان على الأعمال الأوروبية فحسب، بل تمتد لتشمل حضارات العالم القديم والحديث، في تجسيد حي لشمولية الرسالة الثقافية للمكان.
ففي متحف المصري، يجد الزائر قطعًا نادرة من حضارة وادي النيل، من بينها تماثيل للآلهة المصرية، ونقوش هيروغليفية، ومومياوات محفوظة بعناية، أما متحف الميشيناري الإثنولوجي، فيحتوي على آلاف القطع القادمة من ثقافات الشعوب الأصلية في الأمريكتين وأفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا، جمعها المبشرون الكاثوليك عبر قرون، كما يضم المتحف مجموعات نادرة من العملات والميداليات والخرائط، فضلًا عن أدوات طقسية استخدمت في الاحتفالات الكنسية من شتى أنحاء العالم، هذا التنوّع يجعل من متاحف الفاتيكان مؤسسة عالمية فريدة لا تُعنى بالفن المسيحي فقط، بل بتاريخ الإنسانية وثقافاتها المتعددة.