اقتصاد الفقراء.. حكايات حقيقية وإنسانية عن الفقر والجوع - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 12:36 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المؤلفان يحصلان على جائزة نوبل فى الاقتصاد:

اقتصاد الفقراء.. حكايات حقيقية وإنسانية عن الفقر والجوع

 إيمان صبرى خفاجة:
نشر في: السبت 19 أكتوبر 2019 - 10:31 ص | آخر تحديث: السبت 19 أكتوبر 2019 - 10:31 ص

على الرغم من التقدم البحثى الهائل فى علم الاقتصاد وتوفير مصادر المعلومات والتصريحات الاقتصادية بشكل يومى، لا يستطيع أحد أن ينكر الصعوبة التى يواجهها القراء فى الإطلاع على كتب الاقتصاد، وهذا الأمر يرجع إلى سببين:
السبب الأول: أن تلك الكتابات تقدم بأسلوب أكاديمى يعتمد بشكل أساسى على الإحصائيات والأرقام والرسوم البيانية التى يصعب على القارئ غير المتخصص تفسيرها بسهولة.
السبب الثانى: أن أغلب الكتب التى تناقش الأحوال الاقتصادية وبخاصة الأزمات التى تحدث على أرض الواقع لا تعرض نماذج معايشة ميدانية للإنسان الذى يدفع ثمنها.
أدرك كل من الباحث الأمريكى صاحب الأصول الهندية «أبهيجيت بانرجى»، والباحثة الأمريكية ذات الأصول الفرنسية «إستر دوفلو» هذه الأسباب، فسخروا حياتهم البحثية المشتركة كأساتذة فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ظلا يعملان مع الفقراء فى دول مختلفة، لمعرفة الأسباب الحقيقية خلف الفقر المدقع الذى يعيشه الملايين حول العالم وهو ما أكدا عليه قائلين: «إن علينا التخلى عن عادة اختزال الفقراء فى شخوص كرتونية، وبذل ما فى وسعنا لفهم حياتهم فهما حقيقيا بكل ما يكتنفها من تعقيدات وما تتسم به من ثراء، وهو ما ظللنا على مدى الخمسة عشرة سنة الماضية نفعله تحديدا».
تلك المعايشة أنتجت العديد من الكتب والأبحاث المتخصصة فى مجال الاقتصاد التنموى، التى توجت مجهوداتهم بجائزة نوبل لهذا العام، مناصفة بينهم وبين الأمريكى «مايكل كريمر»، وقالت هيئة تحكيم الجائزة إن الخبراء تمت مكافئتهم على:«إدخالهم مقاربة جديدة للحصول على أجوبة موثوقة، حول أفضل وسيلة للحد من الفقر فى العالم».
يعد كتاب اقتصاد الفقراء الصادر فى طبعته العربية الأولى عام 2016 عن دار جامعة حمد بن خليفة للنشر، بترجمة مميزة لـ«أنور الشامى»، أحد أهم كتابات «أبهيجيت بانرجى وإستر دوفلو» فى علم الاقتصاد، الحاصلان أخيرا على جائزة نوبل فى الاقتصاد، وبالوقوف على محتواه سوف تدرك أيضا أنه الأول من نوعه فى هذا المجال بالنسبة للقراء، وهذا ما أكدت عليه أيضا آراء أشهر علماء الاقتصاد، كان على رأسهم العالم «أمارتيا سن» الحاصل على نوبل فى الاقتصاد.
يبدأ الكتاب بمقدمة مهمة تحمل طابع إنسانى حيث أهتم الباحثين بكتابة نبذة عن حياتهم الخاصة التى مهدت لاهتمامهم بعلوم الاقتصاد وبخاصة البحث فى أسباب الفقر حول العالم. ثم ينطلق الباحثين فى عرض مشكلات الفقراء اليومية، والتى حرصوا أن تبدأ بحكايات شخصية حدثت على أرض الواقع.
وتأكيدا على المصداقية ذكرت أسماء أصحاب تلك المواقف والبلاد التى ينتمون إليها من بنجلادش،كينيا،الهند، نيجيريا وغيرهم، لتجد أمامك حكايات متعددة متشابهة إلى حد كبير من أكثر من عشرين دولة حول العالم، ليحمل الكتاب الوجهين الاقتصادى والاجتماعى على حد سواء ورصدهم بنجاح.
حيث استطاع الكتاب أن يأخذنا إلى منازل الفقراء لنرى من زاوية مختلفة مشكلاتهم؛ كيف يواجهونها وكيف يتصرفون حيال الحلول التى تقدمها الحكومات إليهم وما يقدمونه فى مقابل تلك الخدمات وكيف تنظر المجتمعات الثرية إليهم.
من أهم النقاط التى وقف الكاتبين أمامها طويلا؛ هى وجود أكثر من مليار جائع حول العالم، ويرجع هذا الأمر إلى الفجوة الاقتصادية بين الطبقات، فهناك بعض الدول ومنها الهند لا تعرف الطبقة المتوسطة، المجتمع هناك مقسم إلى أغنياء يمتلكون جميع أوجه الترف فى الحياة، أو فقراء لا يحصلون على أبسط حقوقهم الآدمية.
تذهب بنا الحقيقة السابقة إلى أخرى مفجعة وساخرة فى نفس الوقت؛ حين أكد الباحثين أننا بطبقاتنا المتوسطة والغنية لا نختلف فى شىء عن هؤلاء الفقراء، فنحن جميعا متساويين فى الجهل بالمعلومات والإيمان بالمعتقدات الخاطئة، والتكاسل والتسويف اعتمادا على ما قد يأتى به المستقبل من تحسن فى الأوضاع اجتماعية كانت أو سياسية.
أما عن حصولنا على الحق فى المأكل والملبس والتعليم والصحة والعمل، فما هى إلا بديهيات فى قانون الإنسانية، أساسيات الحياة اليومية يجب أن يحصل عليها الجميع، لذلك لا يمكن أن يعد ذلك فرق جوهرى بيننا وبينهم، كل ما يعنيه الأمر أن هناك خللا فى التوزيع يعود إلى الحكومات والمؤسسات وفى بعض الأحيان الفقراء أنفسهم!
فى هذا الصدد عرض الباحثين وجهتى نظر؛ أن الفقراء هم المتسببون فى فقرهم وبالتالى هم ليسوا فى حاجة إلا لمساعدات بسيطة، إصلاح أحوالهم يعتمد على مجهوداتهم بالدرجة الأولى، والرأى الآخر يرى أن الفقراء هم مسئولية حكوماتهم ولا يجب أن نعتمد على مساعدات هى فى أول الأمر وآخره مؤقتة، وليست حل جذرى ما بقيت بيئة الفقير وأخطاء حكومته.
هذه الآراء استندت إلى نظريات علمية لاثنين من أهم علماء الاقتصاد: جيفرى ساكس وويليام إيستر، يؤمن «ساكس» بأهمية المعونات الخارجية، مؤكدا فى كتابه «نهاية الفقر»، أنه يمكن القضاء على الفقر إذا تم تخصيص 195 مليار دولار سنويا كمساعدات أجنبية للدول النامية.
فى المقابل يرى «إيسترلى» فى كتابه «عبء الرجل الأبيض»، أن المساعدات الخارجية تضر أكثر مما تنفع، لأنها تؤدى إلى تكوين شبكات مصالح وبؤر فساد تحول دون الاستغلال الأمثل لهذه الأموال.
ومن هنا يذهب الكاتبين إلى مناقشة جدوى المساعدات الخارجية، التى يقررون أنها السبب الرئيسى فى تراجع عملية التنمية لما تفرضه من شروط فى مقابل تلك المعونات، وها هو الأمر الواقع خير شاهد على ما تعانيه دول بأكملها حين تلجأ إلى القروض الدولية.
على الرغم من الاعتراض الواضح على تلك المعونات، فقد سلط الباحثين الضوء على المساعدات الفردية من الأغنياء للفقراء، مثل بعض اللاعبين الذين يملكون مؤسسات خيرية، وكذلك هناك الممثل الأمريكى «مات ديمون» الذى يمتلك منظمة تحاول توفير الماء فى البلدان الفقيرة، والمغنى الأمريكى من أصل إفريقى «ايكون» الذى يملك منظمة تعمل على توفير الكهرباء للقرى، هذه المجهودات حققت نجاحا كبير لكنها لن تترك أثر فارقا على أرض الواقع إلا إذا تحركت الدول.
يذهب الباحثون فيما بعد إلى أعقد المشكلات التى يواجهها الفقراء وهى التعليم، فإذا بنا أمام 70 مليون طفل لا يحصلون على فرصة للتعليم، ولا تكمن الصدمة هنا فى العدد بل فى الأسباب التى لم يرجعها الباحثين إلى ارتفاع تكلفة التعليم فقط، فأغلب الدول وخاصة الإفريقية تقدم تعليم مجانى فى المراحل الأساسية.
فقد اكتشف الباحثين أن نسبة كبيرة من الفقراء يتركون المدارس لخلل فى مناهج التعليم التى تقدم صورة غير مطابقة للواقع الذى يعيشونه فى الحقيقة، بالإضافة إلى المظاهر الاجتماعية التى لا تتوافر لديهم، لهذا السبب ظهرت المدارس المتنقلة التى أنشأتها منظمة براتام فى الهند.
لم يتجاهل الباحثون الأخطاء السياسية للحكومات التى تؤدى إلى ارتفاع نسبة الفقر، لكنهم أعادوا صياغتها لتعرض فى صورة مجموعة من الأسئلة يبحثون لها عن إجابات، ك أسباب الفساد الحكومى وكيفية مواجهته؟! كيف يتم تحصيل الضرائب فى الدول النامية وعلى أى أساس تحدد الضريبة؟!
ثم يطرحون بعض الأسئلة حول تفاصيل حياة الفقراء التى تبدو غريبة فى نظر البعض منا؛ فما هو السبب وراء عزوفهم عن تطعيم أطفالهم واعتقادهم بعدم جدوى التعليم الأساسى؟! هل إنجاب الكثير من الأطفال يجعلهم أشد فقرا؟!
يستمر الكاتبان فى وضع المزيد من علامات الاستفهام أمام العديد من الأسئلة التى يتم الإجابة عليها بدقة من خلال عرض ومناقشة النظريات الاقتصادية والإحصائيات والبيانات المختلفة، حتى يصلوا إلى نقطة هامة؛ وهى حقيقة تقاعس الحكومات عن تأمين الفقراء، وحين تتعرض البلاد إلى كارثة طبيعية أو أزمة اقتصادية، تفقد الفقراء مشروعاتهم الصغيرة وفرص عملهم المؤقته، تعتمد الحكومات فى تعويض خسائرهم على المساعدات والدولية، بالإضافة إلى جهود المنظمات الحقوقية.
فى النهاية سوف يدرك القارئ أن الباحثين غير معنيين فى الأساس بوضع حلول قاطعة لمشكلة الفقر حول العالم، فالواقع أعقد من أن تفسره النظريات مهما كانت دقيقة، كل ما يعنيهم هو أن يصاب القارئ بحالة من العصف الذهنى، ليبدأ فى البحث عن حلول حقيقية وينظر بدقة هل ما يقدمه من حلول شخصية ذات أثر حقيقى أم مؤقت؟! وأن هناك العديد من الأسئلة حول أوضاع الفقراء حول العالم فهل من إجابة؟!



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك