«13 دقيقة» كانت كفيلة بتغيير التاريخ على شاشة برلين - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 11:18 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«13 دقيقة» كانت كفيلة بتغيير التاريخ على شاشة برلين

الفيلم الألمانى «إليزر، 13 دقيقة»
الفيلم الألمانى «إليزر، 13 دقيقة»
خالد محمود
نشر في: السبت 21 فبراير 2015 - 9:49 م | آخر تحديث: السبت 21 فبراير 2015 - 9:49 م
- السينما تعيد الاعتبار لألمانى حاول اغتيال هتلر بعد عشرات السنين

- النازى نجا من الموت بأعجوبة والإعدام بالرصاص عقابا لمن حاول إنقاذ العالم

«ألم يحب الشعب الألمانى هتلر؟».. السؤال تبادر إلى ذهنى عقب مشاهدتى الفيلم الألمانى «إليزر، 13 دقيقة»، الذى عرض فى مهرجان برلين السينمائى الدولى، وبالقطع وطبقا لاختيار الفيلم وطبيعة أحداثه والحفاوة الكبيرة التى استقبله بها الجمهور، فالإجابة هى «لا».

فالفيلم الذى يروى واقعة تاريخية شهيرة وهى محاولة نجار ألمانى يعزف الموسيقى اغتيال أدولف هتلر وهو يخطب وسط كبار قادة الجيش، خطف الانتباه لدرجة التوحد مع البطل وربما تمنى المشاهدون الألمان لو كان هذا النجار قد نجح فى مهمته، وحينئذ كان سيغير التاريخ بحق، لكنه فشل فى اغتيال الزعيم النازى قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية.

بالقطع لم يكن جورج إليزير وحده الذى دفع ثمن محاولته غاليا، لكن هناك بطولات عدد من الألمان تحدوا النظام النازى ودفعوا لذلك أثمانا غالية من السجن والتعذيب والموت.

فى الفيلم الملحمة نرى جورج وقد قرر تخليص بلاده من الحكم النازى، عبر اغتيال هتلر وعدد من مساعديه فى مصنع فى مدينة ميونيخ جنوب المانيا، ومن أجل ذلك قام بصنع قنبلة موقوتة وزرعها فى المصنع بحرفية شديدة وراء منصة هتلر فى القاعة التى يلقى بها خطابه فى الثامن من نوفمبر 1939 فى محاولة لقتله، لكن الزعيم النازى، الذى كان فى قمة قوته، غادر المكان صدفة قبل 13 دقيقة من لحظة انفجار القنبلة التى صممها إليزر بنفسه لسبب طرأ فى اللحظة الأخيرة على جدول مواعيده، وقد أسفرت عن مقتل ثمانية أشخاص من مساعديه.

وفى تلك اللحظة يرتبك إليزر، أثناء هروبه ويشتبه به الحرس ويتم القاء القبض عليه، ليدخل الفيلم مرحلة أخرى من مشاهد التعذيب والقسوة من اجل اعتراف إليزر بتفاصيل عمليته ومن يقف وراءها، وهنا تبرز ملامح الآداء الرائع لبطل العمل" كريستينا فريديل" حيث يؤدى شخصية إليزر، الذى هز المشاعر بقدرته على التحمل والمراوغة اثناء الاستجواب وفى محبسه.

كما أن مخرج الفيلم أوليفر هرشبيجل، الذى اشتهر مع فيلم "السقوط" فى عام 2004 الذى رشح لجائزة أوسكار، وتدور قصته حول آخر عشرة أيام عاشها هتلر فى غرفة محصنة تحت الأرض قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، نجح باقتدار فى تقديمه لصورة شديدة الواقعية لعالم رجال هتلر الذين يحققون مع المتهم، وأجواء غرف التعذيب، وكأنه أراد تكريم إليزر الذى ظل يراه الناس لوقت طويل على أنه إنسان هامشى غريب الأطوار.

وقال هرشبيجل، خلا المؤتمر الصحفى الذى عُقد بعد عرض الفيلم، إن التأخر فى رد الاعتبار إلى إليزر يعود إلى اعتبارات كثيرة، أهمّها انه كان للألمان حتى الأمس القريب صورة مشوّهة ومغلوطة عنه، فبعضهم يعتبره عميلا للبريطانيين والأمريكيين، وهناك أيضا شائعة تدّعى أنه كان مكلفا من هتلر بتنفيذ عملية الاغتيال بهدف الاظهار أن عين الله رعت قائد النازيين وأنقذته من الموت.

فى الفيلم يعود المخرج الألمانى هرشبيجل إلى موضوع يملك مفاتيحه، كونه سبق أن طرحه فى "السقوط"، وهويقدم هنا بذكاء وعلى خلفية أحداث القصة وعبر سيناريو محكم، هتلر الديكتاتور وزمنه الذى لاتزال أشباحه تطارد كلّ ألمانى. ويتعاون هيرشبيجل مع كاتب السيناريو فريد براينرسدونفر، ومديرة التصوير جوديت كوفمان، ليقدموا عملا يحمل مذاق السينما الألمانية المبهرة، وعبر تقطيع رائع للمشاهد تؤدى إلى تداخل الزمن والمكان، وتربط العلاقة بين حالة إليزر داخل جدران الحبس وحالة مجتمعه العامة، لتؤكد ان الحدث اعم واشمل من كونه تصرفا فرديا، فجورج إليزر كان رجلا مسيحيا عاديا محبا للحياة يعزف الموسيقى وتعرف إلى امرأة متزوجة من سكّير وأقام معها علاقة غرامية.

هذا كله يسبر بشكل مواز لرؤيتنا التحقيق الذى يجريه معه ضابطان من الجستابو لمعرفة مَن هى الجهة التى تقف خلف عملية الاغتيال، ولا شيء سيقنعهما بأنها مبادرة شخصية، فجورج لم يكن منضما إلى تنظيم من التنظيمات السرية أو اليسارية أو غيرها، وأن ما قام به كان بوازع شخصى نابع منه شخصيا، وليس بإيحاء من أحد، وكيف أنه طوال حياته كان بعيدا تماما عن الانخراط فى السياسة أو الأحزاب أو المقاومة، ويمارس العزف بإحدى الفرق الموسيقية أو أعمال النجارة، ويرغب فى الزواج من محبوبته إيلزا وتكوين أسرة وعلى الرغم من كلّ العقاب الجسدى الذى سيناله، يرفض إليزر اختلاق أى حكاية.

كان ينظر إلى التحولات التى يشهدها محيطه، فى منتصف ثلاثينيات القرن الماضى. يرى صعود النازية وتكريس التطرف وانتقال المنطقة التى يقطنها من مجتمع الاشتراكية والشيوعية إلى العقيدة النازية. فأراد أن يخطط كيف ينهى رأس التغير المدمر بمفرده، واعتمادا على قدراته العقلية فى التخطيط، لعملية اغتيال هتلر، وهو يلقى خطابا.

وجاء مونتاج اللقطات والموسيقى التصويرية المصاحبة ليخطف الأنفاس من أول لقطة حتى آخر مشهد النهاية فى تتابع للقطات الاستجواب قال إليزر إنه كان يريد منع اندلاع الحرب، بحسب اعترافه، ولكن بدلا من إطاحة النازية عبر قتل قائدها، قتل ثمانية أبرياء لاعلاقة لهم بالعنصرية الصاعدة.

كون إليزر لم يصب هدفه النبيل كان السؤال المطروح: هل ما قام به يعد "إرهابا"؟، والواقع أن السؤال لم يشغل بال هرشبيجل، لأنه كان مهموما أكثر بنظام وفكر النازية حيث مكنت النازيين من سيطرة القتل وجرّ الدول الأوروبية إلى الحرب والعنف.

الفيلم الذى أعاد مرة أخرى أجواء الحقبة النازية إلى مهرجان برلين، يستحق الاشادة، برده الاعتبار إلى مقاوم تأخرت ألمانيا بشكل رسمى فى تكريمه، كما أن وجهة النظر الأخرى التى تتمثل فى هذه الشخصية الحالمة توحد معها المتفرج، ومن المؤكد أنك تتساءل ماذا لو فعلها جورج، ماذا لو لم يغيّر هتلر برنامجه فى اللحظة الأخيرة؟ ولم يختصر خطابه للعودة إلى برلين؟ هل إليزر حينئذ كان سينقذ حياة الملايين فى المانيا وخارجها من الدمار؟.

الفيلم لايطرح بطل قصته كأسطورة ولكن يصوّره رجلا بسيطا يؤمن بالحرية، ويقف مدافعا عنها بجسده وبكلّ ما يملكه. وفى النهاية يُرسَل إليزر إلى معتقل داخو، حيث سيُعدَم رميا بالرصاص بعد مضى ستّ سنوات على اعتقاله.


قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك