عاد مصطلح "حل الدولتين" إلى واجهة المشهد السياسي والإعلامي بعد التطورات الأخيرة في ملف القضية الفلسطينية، حيث أعلنت بريطانيا اعترافها الرسمي بدولة فلسطين، في خطوة وُصفت بالتاريخية، لتنضم بذلك إلى موجة متصاعدة من المواقف الأوروبية المؤيدة للاعتراف، في تحدٍ واضح لاعتراضات وتحذيرات إسرائيل.
وبينما تشير تقارير إعلامية إلى أن دولاً أخرى تستعد لاتخاذ الخطوة ذاتها، يبرز سؤال جوهري: ما المقصود بحل الدولتين؟ وما هي فرص تحقيقه في ظل المعطيات الحالية؟
* ما هو حل الدولتين؟
حل الدولتين هو تصور سياسي يقوم على إقامة دولتين مستقلتين تعيشان جنبا إلى جنب حيث تكون دولة فلسطين على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية فقط، وباقي الأراضي الفلسطينية تصبح هي دولة إسرائيل،
تعود جذور هذا المفهوم إلى عام 1947، عندما اقترحت الأمم المتحدة خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين، يهودية وعربية، مع وضع القدس تحت إدارة دولية. إلا أن الخطة قوبلت برفض عربي آنذاك.
وفي أعقاب حرب 1967، أصبحت الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود ما قبل الحرب هي الصيغة الأكثر تداولًا، خاصة بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 242، الذي طالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة مقابل السلام.
لكن التحول الأكبر نحو هذا الحل جاء في التسعينيات، مع توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والتي نصت على الاعتراف المتبادل، ووضعت إطارًا مرحليًا لقيام دولة فلسطينية في نهاية العملية التفاوضية. ومنذ ذلك الحين، أصبح حل الدولتين هو الركيزة الأساسية لمعظم المبادرات الدولية لإنهاء الصراع.
* ما هي حدود 1967؟ وما معنى الخط الأخضر؟
حدود 1967 هي الخطوط الفاصلة بين إسرائيل والدول العربية قبل اندلاع حرب يونيو 1967، وتعرف أيضا باسم "الخط الأخضر"، وأطلق عليه هذا الاسم لأنه كان مرسوما على الخرائط بخط أخضر بعد اتفاقيات الهدنة عام 1949 التي أنهت حرب 1948.
وكانت الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، تحت إدارة الأردن، بينما كان قطاع غزة تحت إدارة مصر، إلى أن سيطرت إسرائيل على الضفة وغزة والجولان وسيناء بعد عدوان 1967، وأصبح المجتمع الدولي يعتبر هذه المناطق "أراض محتلة".
وعندما يقال "إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967" فالمقصود هو انسحاب إسرائيل إلى ما وراء هذا الخط وعدم احتلال أو ضم أي أراض إضافية ، بما يسمح بقيام دولة فلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، وتعد هذه الحدود اليوم المرجعية الرئيسية لمعظم خطط السلام الدولية.
* غياب التزام إسرائيل بحل الدولتين
رغم أن الفلسطينيين ومعظم الدول العربية يرون أن الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط هي أرض فلسطينية بالكامل، فقد قُدِّم "حل الدولتين" كخيار وسط لإنهاء الصراع.
لكن حتى هذا الطرح لم يلقَ التزامًا إسرائيليًا حقيقيًا، إذ وضعت السياسات الإسرائيلية المتعاقبة عوائق كبيرة أمام تحقيقه، ومن أبرزها:
1. التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية
- أنشأت إسرائيل مئات المستوطنات داخل الضفة الغربية، ما أدّى إلى تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية وجعل فكرة إقامة دولة ذات تواصل جغرافي شبه مستحيلة.
- تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 500 ألف مستوطن يهودي في الضفة الغربية، إضافة إلى نحو 200 ألف في القدس الشرقية.
2. جدار الفصل العنصري
- أقامت إسرائيل جدارًا عازلًا ضم مساحات كبيرة من أراضي الضفة الغربية إلى داخل حدودها.
- وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، يعزل الجدار حوالي 9.4% من الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك أجزاء من القدس الشرقية.
- تسبب الجدار في مصادرة ما يقارب 10% من مساحة الضفة الغربية.
وبحسب تقرير إسرائيلي نُشر في يوليو الماضي، فإن عدد البؤر الاستيطانية العشوائية ارتفع بنسبة 40% خلال فترة الحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، حيث ازداد عددها من 128 إلى 178 بؤرة.
3. رفض حق العودة والقدس عاصمة موحدة
- ترفض الحكومات الإسرائيلية الاعتراف بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
- تُصر على اعتبار القدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل.
- أقر الكنيست الإسرائيلي عام 1980 ما يعرف بـ"قانون القدس"، الذي نص على أن المدينة "الموحدة" هي العاصمة الأبدية لإسرائيل، رغم رفض المجتمع الدولي لضم القدس الشرقية.
- كما تواصل الحكومات الإسرائيلية توسيع المستوطنات داخل القدس الشرقية، بهدف تغيير تركيبتها الديمغرافية ومنع إمكانية جعلها عاصمة لدولة فلسطينية مستقبلية.
* الاعتراف الأمريكي بالقدس يزيد التعقيد
زاد الوضع تعقيدًا بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ديسمبر 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها في مايو 2018. هذه الخطوة شجّعت إسرائيل على المضي في سياسات فرض الأمر الواقع، خصوصًا داخل المدينة المقدسة.
* نتنياهو يرد على الاعترافات: "لن تقوم دولة فلسطينية"
في أحدث تصريحاته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعليقًا على موجة الاعترافات الأوروبية بدولة فلسطين: "هذا لن يحدث. لن تُقام دولة فلسطينية".
كما أعلن عن خطط جديدة لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، ما يشكل تحديًا إضافيًا لأي جهود لإحياء حل الدولتين.