تقترب الحرب الإيرانية من منعطف قد يُلقي بتأثيراته على أغلب دول العالم، بعد تهديدات إيرانية بإغلاق مضيق هرمز الحيوي، الذي يعبر خلاله ربع إنتاج النفط العالمي، ما ينذر بتصاعد أزمة طاقة عالمية، وإمكانية تدخل جيوش دول مختلفة في الصراع لتأمين مصالحها في الممر النفطي الشهير، الذي شهد عبر مراحل التاريخ المختلفة العديد من الصراعات على الممرات التجارية، منذ عهد التتار، وصولًا إلى صراع النفوذ بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.
وتسرد جريدة "الشروق" معلومات وردت في تقارير لـ"سي إن إن" و"بي بي سي" والمركز الأمريكي للدراسات الدولية عن مضيق هرمز الذي يشهد تصعيدًا للصراع الأمريكي–الإيراني.
- الجغرافيا الاستراتيجية للمضيق النفطي
يُعد مضيق هرمز البوابة البحرية الوحيدة لدول الخليج ذات الإنتاج النفطي الكبير على المحيطات المفتوحة لنقل النفط حول العالم، حيث يبلغ عرض المضيق 50 كيلومترًا، بينما يبلغ عرض مداخله نحو 10 كيلومترات. تحده السواحل الإيرانية شمالًا، بينما تقع شبه جزيرة مسندم، التي تتقاسمها عمان والإمارات، على جهته الجنوبية. وتتوسطه 6 جزر تسيطر إيران على جميعها، ما يمنحها النفوذ الأوسع عبر المضيق البحري.
- الشريان النفطي
كان مضيق هرمز خلال العصور الوسطى والحديثة ممرًا استراتيجيًا هامًا بين الهند والشرق الأوسط. لكن بعد اكتشاف نفط دول الخليج العربي في ستينيات القرن الماضي، تضاعفت أهمية المضيق، إذ يعبر خلاله – وفق أحدث الإحصائيات- 21 مليون برميل نفط يوميًا، أي ما يزيد عن 35% من إجمالي تجارة النفط الخام. وأكثر من ذلك، فإن ثلث الإنتاج العالمي من الغاز الطبيعي يمر عبر هذا المضيق.
ويتسع المضيق لـ14 سفينة نفط عملاقة تقدر حمولتها بمئات آلاف الأطنان، وتشير إحدى الدراسات إلى أن سفينتين تمران عبر المضيق كل 6 دقائق.
- بين التتار والاستعمار.. تاريخ الأطماع في المضيق
اتخذ مضيق هرمز أهميته التجارية تزامنًا مع صعود مملكة هرمز، التي أنشأها الأمير أحمد درمكو وقبيلته القادمة من اليمن في القرن الـ11، وقد استوطنوا سواحل عمان والسواحل الإيرانية للمضيق. وشيدوا الموانئ البحرية التي خدمت تجارة البلدان الإسلامية مع سلطنة دلهي في الهند.
واجه الهرمزيون العديد من الهجمات الطامعة في السيطرة على موانئ هرمز من غزاة السلاجقة والفرس والمغول، وقد شرد المغول الهرمزيين لفترة من السواحل الإيرانية، قبل أن يضرب الأمير محمود الكلحتي، من ملوك هرمز، الأسطول المغولي وتوسيع نفوذه بالسيطرة على البحرين والقطيف بالسواحل السعودية.
استقل الهرمزيون عن السلطنات المحيطة، مستفيدين من موقعهم الاستراتيجي، لتشمل دولتهم سواحل عمان والبحرين والجزر التي تتوسط المضيق البحري. لكن دولتهم لم تدم طويلًا، إذ بدأ الاستعمار البرتغالي يغزو المضيق في سعي لحرمان دولتي المماليك والعثمانيين من التجارة البحرية مع الهند. فغزا الأسطول البرتغالي مملكة هرمز عام 1507، واحتل سواحل عمان، بينما فشل في إخضاع جزيرة هرمز.
غير أنه في عام 1515 تمكن البرتغاليون من استغلال خيانة تورانشاه، أحد أمراء هرمز، ليدخلوا المملكة دون مقاومة، وليُبنى أول حصن برتغالي على جزيرة هرمز، مُسيطرين بذلك على المضيق الحيوي، بينما فُرضت 15 ألف دينار أشرفي كجزية على المملكة التي انهارت تدريجيًا مقابل النفوذ البرتغالي.
- صعود العرب والفرس وطرد البرتغاليين
تمكن البرتغاليون على مدار مئة عام من تطوير مضيق هرمز والانتفاع بأرباحه. لكن عصر هيمنتهم على الخليج كان على وشك الانتهاء. فعلى الساحل الفارسي، أدى خلاف بين الدولة الصفوية والبرتغاليين إلى تخاذل الأخيرة عن حرب العثمانيين، ما دفع الصفويين للاستعانة بالبحرية البريطانية، التي هزمت البرتغاليين وسلّمت سواحل المضيق للدولة الفارسية، مقابل منح شركة الهند الشرقية البريطانية امتيازات تجارية ونفوذًا على المضيق.
وفي المقابل، توالت هزائم البرتغال إثر صحوة عربية على الجانب العربي من المضيق، قادها أئمة اليعاربة في ثلاثينيات القرن الـ17 في دولة عمان، حيث حاصروا القلاع البرتغالية وأسقطوها بعد أن كوّنوا جيشًا عربيًا موحدًا. ولم يكتفوا بتحرير السواحل العمانية، بل وسّعوا نفوذهم بإسقاط المعاقل البرتغالية في المحيط الهندي، لينحسر النفوذ البحري البرتغالي بالمنطقة. ولم تكن تلك الفترة هادئة على مضيق هرمز، إذ شهد غارات متبادلة بين العرب والفرس على جانبي المضيق.
- هرمز وسط الصراع الأمريكي–الإيراني
تزامن صعود أهمية مضيق هرمز في تجارة النفط مع تغيّر جذري في المنطقة، تمثل في اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979، وتولي نظام معادٍ للولايات المتحدة الحكم، ما جعل المضيق منطقة ملتهبة بالصراعات.
بدأ ذلك بحرب الناقلات عام 1986، حين أقدمت القوات الجوية العراقية – ضمن حرب العراق وإيران – على قصف ناقلات النفط الإيرانية في المضيق، رغبة في استفزاز إيران لمهاجمة تجارة النفط، وبالتالي تدخل الولايات المتحدة ضدها. وردّت إيران بتفخيخ المضيق بالألغام، ما أدى إلى إصابة سفينة حربية أمريكية كانت تحرس ناقلات النفط.
ووقعت معركة بحرية في المضيق، باسم عملية "فرس النبي"، هاجمت خلالها حاملة طائرات أمريكية وعدة سفن حربية أخرى القطع البحرية الإيرانية، ليتم إغراقها تباعًا. وردّ الحرس الثوري الإيراني بضرب ناقلات نفط أمريكية وبريطانية كانت راسية على السواحل السعودية باستخدام اللنشات البحرية، والتي دمّرها الطيران الأمريكي خلال العملية.
- طائرة مدنية وناقلة نفط.. أشهر ضحايا حروب المضيق
أسفرت المناوشات الأمريكية–الإيرانية في المضيق عن خسائر مدنية كبيرة، كان أبرزها إسقاط طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الإيرانية عام 1988 بصاروخ أمريكي، بعد اعتبارها هدفًا عسكريًا، ما أسفر عن مصرع 290 راكبًا إيرانيًا.
ولم تتوقف آثار التواجد الأمريكي في المضيق، إذ صدمت غواصة أمريكية عام 2007 ناقلة نفط ضخمة وأغرقتها، مهددة بحدوث كارثة تسرب نفطي، غير أن الحادثة مرت دون تسرب.
- ليست الأولى.. أشهر تهديدات إغلاق المضيق
كررت إيران خلال صراعها السياسي والاقتصادي مع الولايات المتحدة، تهديدات إغلاق المضيق 3 مرات. كانت أولها في عام 2011، بعد صدور حزمة عقوبات اقتصادية على طهران، حيث هددت الحكومة الإيرانية عبر مسؤوليها بإغلاق المضيق. لكن أسطولًا دوليًا، أغلبه من سفن أمريكية وبريطانية، دخل المضيق عام 2012، ما أظهر عجز السلطات الإيرانية عن تنفيذ التهديد، وتبع ذلك تراجع إيراني رسمي في التصريحات.
عادت إيران للتهديد بإغلاق المضيق بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي عام 2018، وعززت تهديدها بإجراء تجربة لصاروخ "فتاح" الباليستي. ثم في أبريل 2019، كررت التهديدات عقب إلغاء الولايات المتحدة إعفاءات النفط الإيراني، لتُضرب ناقلتا نفط بعد شهرين باستخدام طائرات مسيّرة، وسط تنصل إيراني من المسئولية.
- إيران واحتجاز ناقلات النفط
احتجزت السلطات الإيرانية في 4 حوادث شهيرة، ناقلات نفط ومواد كيميائية عبر المضيق، أولها سفينة بريطانية عام 2019، انتقامًا من احتجاز بريطانيا لسفينة إيرانية في مضيق جبل طارق، بحسب التصريحات الإيرانية.
كما احتجزت إيران سفينة كورية وأخرى برتغالية بدعوى مخالفة القانون، بالإضافة إلى سفينة تحمل علم جزر المارشال، كانت على خلاف مالي مع إحدى الشركات الإيرانية.