شهدت منطقة أبو قير بالإسكندرية أمس عملية انتشال 4 قطع أثرية نادرة من قاع البحر، في حدث يحيي بريق الاكتشافات الغارقة بعد مرور ربع قرن على آخر عملية مماثلة.
وتنوعت القطع التي تم انتشالها بين تمثال ضخم من الكوارتز على هيئة أبو الهول يحمل خرطوش الملك رمسيس الثاني، وتمثال من الجرانيت لشخص مجهول يعود إلى أواخر العصر البطلمي، إضافة إلى تمثال من الرخام الأبيض لرجل روماني من طبقة النبلاء، والقطعة الرابعة وهي رحايا لطحن الحبوب بشكل فريد من الجرانيت.
وأوضح المهندس محمد فوزي، المسؤول عن معمل ترميم كوم الدكة والمشرف على عملية النقل، أن الساعات الأولى عقب خروج الآثار من البحر كانت حاسمة، حيث جرى تحميل القطع على عربة مخصصة وتأمينها بالأحزمة، وتحركت ببطء لا يتجاوز 20 كيلومترًا في الساعة حتى وصلت إلى المسرح الروماني بوسط المدينة، حيث وُضعت في أحواض خاصة بالآثار الغارقة.
وفي معمل ترميم كوم الدكة تبدأ مرحلة جديدة من رحلة الآثار، حيث تُغمر التماثيل في المياه مع تغييرها دوريًا لتقليل نسبة الملوحة، ثم تُزال العوالق البحرية كالمرجان والطحالب بطرق علمية دقيقة، مع استخدام مذيبات عضوية آمنة عند الحاجة.
وتشمل المرحلة التالية إظهار النقوش الفنية وعزل القطع بمواد استرجاعية لا تتأثر بالشمس ولا تغير لون الحجر. وأشار فوزي إلى أن العملية قد تستغرق من 6 أشهر إلى عام كامل، حسب حالة كل قطعة، بهدف إعادة هذه الكنوز إلى رونقها لتكون جاهزة للعرض ضمن مقتنيات مصر النادرة.
وأكد فوزي أن موقع أبو قير الأثري يُعد شاهدًا حيًا على عظمة الحضارة المصرية، وأن فرق البحث ما تزال تعمل لاستخراج مزيد من القطع من أعماق البحر، بعد مرور 25 عامًا على آخر اكتشاف مماثل منذ توقيع مصر اتفاقية اليونسكو عام 2001 الخاصة بالحفاظ على التراث المغمور بالمياه.
وشهد اليوم الثاني من أنشطة التراث الثقافي المغمور بالمياه في ميناء أبو قير حضور شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، والفريق أحمد خالد سعيد، محافظ الإسكندرية، والدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، وسط تغطية إعلامية محلية ودولية واسعة.
وأكد شريف فتحي التزام مصر باتفاقية اليونسكو لحماية التراث المغمور بالمياه، موضحًا أن بعض القطع ستظل في موقعها الأصلي، بينما يُنتشل غيرها وفق معايير علمية دقيقة.
من جانبه، أشار الدكتور محمد إسماعيل خالد إلى أن أعمال المسح الأثري كشفت عن بقايا مدينة متكاملة تعود للعصر الروماني تضم مباني وصهاريج وميناء وأرصفة أثرية، مرجحًا أنها امتداد لمدينة كانوب الشهيرة، مؤكّدًا استمرارية الحضارة عبر العصور حتى العصر الإسلامي.
وأعرب الفريق أحمد خالد سعيد، محافظ الإسكندرية، عن فخره بالكشف الجديد، واعتبره استعادة حقيقية لجزء من تاريخ مصر وإضافة قيمة لرصيدها الحضاري، مشيرًا إلى اهتمام الدولة بالمحافظة عبر مشروعات قومية كبرى مثل مترو الإسكندرية وميناء أبو قير، والتي تُعد ركيزة أساسية لتطوير البنية التحتية ودعم التنمية.