لم يتردد "جودة جندي" صاحب الـ 23 عامًا، عن فض شجار نشب خلال حفل زفاف أحد أصدقائه، داخل قاعة أفراح بمنطقة النزهة في محافظة القاهرة.
وسط الأغاني والرقصات والأضواء العالية خاف جودة أن تنطفأ فرحة "صاحب عمره" فأسرع للتهدئة بين طرفي المشاجرة، فكانت حياته ثمنًا لشهامته، فتلقى طعنة من سلاح أبيض، وتحول على إثرها حفل الزفاف إلى مأتم والزغاريط إلى دموع لا تتوقف.
ألقت الأجهزة الأمنية القبض على المتهمين بقتل الشاب، وتولت النيابة العامة التحقيقات في القضية، لتقرر حبسهما احتياطيا بتهمة القتل العمد.
آمال وطموحات للتغيير للأفضل
منذ 10 سنوات تركت أسرة الشاب "جودة" إحدى قرى الصعيد بمركز ملوي في محافظة المنيا، هربًا من ظروف المعيشة الصعبة، لتسكن بإحدى الشقق الصغيرة في شارع الحرية بمنطقة عين شمس، أملًا في أن تتغير حياتهم إلى الأفضل، وعملت والدة جودة كحارسة لإحدى العقارات المجاورة لشقته، ووالده عامل في إحدى المحلات لبيع الأجهزة الكهربائية لسد احتياجات أبنائهم.
وبعد مرور 5 سنوات توفيت والدة "جودة"، وأصبحت الحياة أكثر قسوة عليه وأخوته، ليقرر وقتها "جودة" ترك دراسته والعمل كصبي حلاق بكوافير رجالي، وذلك للمساعدة في سد احتياجات والده وأشقائه الأكبر الذين ليس لهم سوى العمل باليومية "حياتهم صعبة وجودة هو اللي كان بيصرف عليهم"، حسبما ذكر أحد الجيران.
حُسن خلق "جودة" وطيبة قلبه جعلت أهالي المنطقة تُكن له كل الحب والاحترام خاصةً الشباب، وعندما استأجر "جودة" محل للحلاقة منذ 5 أشهر قبل الواقعة، وكان الكثير من أهالي المنطقة يتوجون إليه لتصفيف شعرهم، ومن بينهم صديقه الشاب "مصطفى".
-تفاصيل الواقعة
"أنا حددت فرحي ياجودة وعايزك تشرفني".. بتلك الكلمات دعا مصطفى صديقه جودة لحضور حفل زفافه، داخل قاعة أفراح بمنطقة النزهة، لم يرفض جودة دعوة صاحب عمره، وحضر إلى القاعة وقلبه مليئ بالسعادة خلال حفل الزفاف، لكن الفرحة لم تكتمل، حينما رأى جودة أهالي العروسين قد نشبت بينهما مشادة كلامية، خلال الرقص داخل القاعة، بسبب إطلاق أحد أهالي العروس ألعاب نارية، أصيب به أحد الأشخاص من أهلية العريس.
حاول جودة التدخل وفض المشاجرة خوفًا على كسرة فرحة صديقه أو أن يتطور الأمر بين أهالي العروسين، لكن لم يستطع جودة فض الشجار، وتعدى عليه أهالي العروس بالضرب داخل القاعة.
هرول جودة بعيدًا عن القاعة خوفًا من طعنه بعدما رأى الأسلحة البيضاء بيد شابين من أهل العروس، حتى وجه الاثنين إليه طعنات متفرقة بأنحاء جسده، ليسقط والدماء تسيل منه أمام أعين الجميع، وتتحول الزغاريط إلى صرخات.
-محاولة لإنقاذ جودة
حمله 3 من أصحابه وتوجهوا به إلى مستشفى هليوبلس، في محاولة إنقاذه لكن فور وصوله لفظ أنفاسه الأخيرة، ليتحول حفل الزفاف إلى مأتم.
وقال مصطفى محمد "العريس"، إن جودة من أقرب أصدقائه ويقطن بذات منطقته، ويعرف بحسن الخلق "الناس كلها بتحبه وعمره ما قصر ما حد".
وتابع لـ"الشروق"، أنه خلال حفل الزفاف نشبت المشاجرة بسبب أحد أصدقاء شقيق زوجته، الذي ألقى ألعابا نارية على المتواجدين من أصحابه بعد نشوب مشادة كلامية خلال الرقص في الحفل.
وأشار إلى أنه لم تمر الثواني حتى تحولت القاعة إلى مشاجرة، مؤكدا أنه حاول فض الشجار هو وعدد من أصدقائه من بينهم المجني عليه "جودة"، موضحا أنه تشاجر أيضًا مع أشقاء زوجته ووالدتها، لإصرارهم خلال حفل الزفاف على عودة العروس إلى منزل والدها.. مرددًا: "أخدت زوجتي وروحت على شقتي وعلمت بوفاة جودة بعدما تركت حفل الزفاف".
من جانبه قال كريم صلاح، أحد الجيران، لـ"الشروق"، إن المجني عليه هو الأصغر عمرًا بين أسرته لكن هو من يتولى سد احتياجاتهم نظرًا لسوء ظروفهم المادية، مشيرًا إلى أن المجني عليه استأجر محلا منذ 5 أشهر للعمل به، مؤكدا أن شقيقي المجني عليه كانا يعملان معه في محل موبيليا.
وأوضح أن المجني عليه وأسرته يعرف عنه السيرة الحسنة، فمنذ قدومهم من صعيد مصر لم يتشاجروا مع أحد، مؤكدا أن أهالي المنطقة جميعهم في حالة نفسية سيئة حزنًا على فقدان أحد شبابها.
-القصاص
وطالب الجار في نهاية حديثه بتوفير فرصة عمل لأشقائه لمساعدتهم في ظروف الحياة، بالإضافة إلى القصاص العاجل من المتهمين ليشفى نار قلوبهم.
وتلقت غرفة عمليات شرطة النجدة بمديرية أمن القاهرة، بلاغًا يفيد وصول جثمان "جودة جندي"، في العشرينات من عمره، وتوفي نتيجة الاعتداء عليه بآلة حادة، وانتقلت الأجهزة الأمنية لمحل البلاغ.
وتبين وفاة الشاب نتيجة الاعتداء عليه من شابين خلال حفل زفاف، وتمكن الأمن من القبض على المتهمين، والسلاحين المستخدمين في الواقعة، وبمواجهتهما اعترافا بالحادث، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.