لماذا يتعثر إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى في إسبانيا؟ - بوابة الشروق
الخميس 16 مايو 2024 5:27 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا يتعثر إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى في إسبانيا؟

د ب أ- إ ن ر
نشر في: الأربعاء 26 أكتوبر 2022 - 12:19 م | آخر تحديث: الأربعاء 26 أكتوبر 2022 - 12:19 م

بعد أسبوعين تقريبا من استقالة رئيس مجلس القضاء العام في إسبانيا، لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن التجديد لأعضاء المجلس الذي يتولى شؤون القضاء الإسباني.

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، استقال كارلوس ليسميس رئيس المجلس احتجاجا على حالة الجمود السياسي التي أصابت عملية تعيين أعضاء المجلس لمدة أربع سنوات بالشلل، مما أدى إلى تزايد المشاكل في نظام المحاكم الإسبانية.

اتخذ ليسميس قرار الاستقالة "احتراما" لكرامة المؤسسات القانونية والقضاة في إسبانيا. وقال إن هؤلاء يتوقعون "ولهم كل الحق" ألا تستمر لا مبالاة السياسيين بموقف يعرض بشكل خطير القضاء بأكمله للخطر.

ويتولى المجلس المكون من 20 عضوا تعيين القضاء وضمان استقلال السلطة القضائية. وقد تعرض للحل عدة مرات بسبب استحالة التوصل إلى اتفاق سياسي بشأن إعادة تشكيله. وفي ديسمبر سيكون قد أمضى أعضاؤه 8 سنوات في منصبهم حيث كانت السنوات الأربع الأخيرة منها بصفة مؤقتة.

والآن هناك مقعدان خاليان في المجلس، الأول بسبب تقاعد أحد القضاة والثاني بسبب وفاة عضو آخر. كما توجد عشرات التعيينات في مؤسسات القضاء الأخرى معلقة بسبب عدم اكتمال تشكيل مجلس القضاء العام.

وانتهت ولاية المجلس القانونية في ديسمبر 2018، ومنذ ذلك الوقت يعمل بصفة مؤقتة بسبب عجز الحزب الاشتراكي الحاكم وحزب الشعب المعارض عن التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل المجلس.

والآن وجهت المفوضية الأوروبية في بروكسل نداء تنبيه، وحثت على ضرورة إعادة تشكيل المجلس وتعديل القانون المنظم لعملية اختيار أعضائه.

وأشار ديديه ريندر المفوض الأوروبية لشؤون العدالة إلى تولي إسبانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي خلال النصف الثاني من العام المقبل كدافع إضافي للانتهاء من إعادة تشكيل مجلس القضاء.

واستأنفت الحكومة اليسارية المفاوضات مع المعارضة المحافظة منذ أيام قليلة في إطار من السرية الشديدة، مع رغبة واضحة من الجانبين في التوصل إلى اتفاق.

وأصبح هذا الموقف غير المسبوق نقطة سلبية في تقرير المفوضية الأوروبية الأخير بشأن سيادة القانون في إسبانيا، بل وأدى إلى قيام مفوض شؤون العدالة الأوروبية بزيارة إسبانيا في محاولة من جانبه لإنهاء جمود الموقف.

وفي نهاية الشهر الماضي غادر مدريد وهو على ثقة من وجود "التزام حقيقي" بإعادة تشكيل مجلس القضاء العام، ثم إصلاحه، كما تطالب بذلك بروكسل. والتقى ريندر السياسي الليبرالي البلجيكي مع كل الأطراف المعنية من الحكومة والمعارضة والقضاة.

وبعد زيارة ريندر وفي ضوء استمرار غياب أي تقدم نحو حل المشكلة، نفذ ليسميس تهديده وقدم استقالته من منصبه كرئيس لمجلس القضاء العام يوم 9 أكتوبر الحالي بهدف الضغط من أجل إعادة تشكيل المجلس.

وأدى ذلك إلى أزمة مؤسسية غير مسبوقة في القضاء الإسباني حيث لا يستطيع المجلس القيام بمهامه، في حين يشتد الصراع بين التقدميين والمحافظين حول رئاسة المجلس.

في الوقت نفسه، فإنه لم يتم إعادة تشكيل المحكمة الدستورية أيضا، لأن الجمود في ملف مجلس القضاء العام، يحول دون تعيين أعضاء جدد في المجلس لشغل المقاعد الشاغرة. الأمر نفسه يتكرر في المحكمة العليا، المعنية بتفسير القوانين.

وأدى زلزال استقالة ليسميس على الأقل إلى جلوس رئيس الوزراء بيدرو سانشيز وزعيم حزب الشعب المعارض ألبرتو فيخو معا في اليوم التالي لبحث الأزمة.

وأراد الزعيمان إعطاء نفسيهما ما وصفوه بأنها "فرصة أخيرة" لحل أزمة مجلس القضاء.

ورغم انه لم يتم التوصل إلى اتفاق، أرسل كلا الجانبين رسائل تشير إلى وجود فرصة جيدة للوصل إلى اتفاق وأن الأمر لن يستغرق وقتا طويلا.

ماذا قالت المفوضية الأوروبية عن سيادة القانون في إسبانيا؟

دعت المفوضية إسبانيا إلى ضرورة إنهاء حالة الشلل التي يعاني منها مجلس القضاء العام. وفي أحدث تقاريرها عن سيادة القانون في الاتحاد الأوروبي والمنشور في يوليو الماضي دعت المفوضية وهي الذراع التنفيذية للاتحاد إسبانيا إلى التعامل مع موضوع إعادة تشكيل مجلس القضاء العام "كأولوية" وإلى المبادرة "بالتحرك فورا بعد ذلك" لتغيير طريقة اختيار أعضائه، "واضعة في الاعتبار المعايير الأوروبية". بمعنى آخر أن يتم اختيار نصف أعضاء المجلس على الأقل من جانب القضاة أنفسهم.

ويختار البرلمان في إسبانيا جميع أعضاء مجلس القضاء العام، في حين يختار 12 منهم من بين قائمة تقدمها روابط القضاة إلى البرلمان.

جاء تقرير المفوضية الأوروبية في توقيت حرج بالنسبة للمفاوضات بين الحزب الاشتراكي الحاكم وحزب الشعب المعارض، بعد فشل محاولة سابقة للحزبين في الاتفاق على إعادة تشكيل المجلس. لكن هذه المرة تأتي في وقت يرأس فيه ألبرتو نونيز فيخو الحزب المعارض الرئيسي .

وأدى تردد حزب الشعب المعارض في الجلوس على مائدة التفاوض والتوصل لاتفاق إلى انتهاء ولاية مجلس القضاء العام منذ وقت طويل.

وقالت المفوضية الأوروبية في تقريرها عن إسبانيا الذي جاء في 30 صفحة إن "التأخير في إعادة تشكيل مجلس القضاء العام مصدر قلق.. مجلس القضاء يؤدي عمله كمجلس مؤقت منذ ديسمبر 2018" وهذا يثير المخاوف من أن ينظر إليه باعتباره "عرضة للتسييس".

وبحسب الوثيقة الأوروبية "هناك دعوات متكررة إلى أهمية إعادة التشكيل، في حين وصفت الأطراف صاحبة المصلحة الموقف بأنه شاذ ولا يمكن أن يستمر".

في الوقت نفسه، اعترفت المفوضية في تقريرها بتحقيق بعض التقدم في الشهور السابقة بإسبانيا.

وقالت فيرا يوروفا مفوضة شؤون القيم والشفافية في الاتحاد الأوروبي وأحد معدي التقرير "أود أن أكون عادلة نحن نرى تقدما".

وترى يوروفا وهي أيضا نائبة رئيس المفوضية الأوروبية أن قرار حكومة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز سحب مشروع قانون يستهدف خفض الأغلبية البرلمانية اللازمة لانتخاب أعضاء مجلس القضاء العام في السنة الماضية، خطوة نحو الأمام. وكان تمرير هذا القانون سيسمح بانتخاب اعضاء مجلس القضاء دون الحاجة إلى أصوات أعضاء مجلس النواب من حزب الشعب المعارض.

وقالت يوروفا إن تمرير هذا القانون كان سيعني أن إسبانيا لم تعد ملتزمة بقواعد التشكيل المحايد لمجلس القضاء العام، ولذلك فإن سحبه "أمر إيجابي".

وأضافت يوروفا أن استمرار الجمود الحالي سيصبح مشكلة خطيرة للقضاء الإسباني لإنه يمنع تعيينات القضاة والقيام بالعديد من الإجراءات، وهو ما بدأ تأثيره يظهر على أعمال الهيئات القضائية.

وزارت يوروفا إسبانيا بعد قليل من نشر التقرير والتقت بأعضاء الحزب، لتعود إلى بروكسل بانطباع أنه لن يكون هناك حل قريب الأجل للمشكلة.

ما هو مجلس القضاء العام وما هي وظائفه؟

مجلس القضاء العام هيئة قضائية دستورية مستقلة تتكون من قضاة وخبرات قضائية معروفة، ويتولى شؤون القضاء بهدف ضمان استقلال القضاة، الذين يشغلون مناصبهم من خلال اختبارات تنافسية.

والمجلس هو الذي يختار قضاة محددين وفقا لتقديراته. فهذه هي وظيفته.

ويعين المجلس جميع قضاة المحكمة العليا التي تتولى مسؤولية توحيد المبادئ القانونية. ويعين اثنين من قضاة المحكمة الدستورية ورؤساء محاكم العدل العليا والمحاكم الإقليمية والمحاكم الجزئية الأخرى.

ولم يتم إعادة تشكيل مجلس القضاء العام في الموعد المقرر في نوفمبر 2018، ويعمل الكثير من أعضائه حاليا بصفة مؤقتة.

كيف يتم انتخبار أعضاء مجلس القضاء العام؟

يجب أن يتم تعيين أعضاء مجلس القضاء العام كل خمس سنوات، كما ينص الدستور. وفي بعض الدول يختار القضاة أنفسهم رؤساء الهيئات القضائية، وفي دول أخرى كما هو الحال في إسبانيا يختارهم البرلمان.

ويقضي القانون بأن المجلس يتكون من 20 عضوا، منهم 12 قاضيا و8 من الحقوقيين. ويتم اختيارهم جميعا بأغلبية 60% من أعضاء البرلمان، حيث يختار مجلس النواب 10 أعضاء فيما يختار مجلس الشيوخ العشرة الآخرين، وهو ما يحتم ضرورة الاتفاق بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم وحزب الشعب المعارض على تشكيل المجلس حتى يتم تمريره في غرفتي البرلمان.

لماذا لم يتم إعادة تشكيل المجلس حتى الآن؟

في الواقع يكون هناك توافق مسبق بين المجموعات السياسية المختلفة في البرلمان على قائمتي القضاة والحقوقيين المرشحين لعضوية المجلس ثم يتم التصويت علي هذه الأسماء. لكن غياب التفاهم بين الحزب الاشتراكي وحزب الشعب حال دون إعادة تشكيل المجلس منذ 2018، عندما اتنهت فترته القانونية ذات الخمس سنوات.

معنى هذا أن مجلس القضاء العام الحالي يعكس تشكيل البرلمان قبل تسع سنوات، وهو البرلمان الذي شكل الحكومة الأولى لرئيس الوزراء المحافظ السابق ماريانو راخوي.

في ذلك الوقت اقترح حزب الشعب 9 من أعضاء المجلس في حين اقترح الحزب الاشتراكي ستة أعضاء، واقترحت أحزاب إيزكويردا يونيدا وكاتالان سي.أي.يو وحزب الباسك بي.إن.في عضوا لكل منها.

ولكن التشكيل الحالي للبرلمان والمنبثقة منه حكومة سانشيز الحالية مختلف تماما، في حين فشلت المفاوضات بين حزب الشعب والحزب الاشتراكي لكي يعكس التشكيل الجديد لمجلس القضاء، تغير خريطة الأغلبية في البرلمان، حيث يرفض المحافظون منح الأغلبية الاشتراكية حق اختيار أغلبية أعضاء مجلس القضاء.

في الوقت نفسه ترفض حكومة سانشيز فكرة اختيار أعضاء مجلس القضاء من جانب القضاة مباشرة، دون تدخل من البرلمان، كما يطالب حزب الشعب، لأن القضاة إذا اختاروا أعضاء المجلس، سيكون القضاء هو السلطة الوحيدة في الدولة التي تختار قيادتها دون أن يكون لباقي السلطات أي دور في ذلك.

آثار خطيرة لاستمرار الجمود والقرارات المعلقة

حذرت المحكمة العليا في الاحتفال ببداية السنة القضائية الجديدة من أن استمرار الفشل في إعادة تشكيل مجلس القضاء العام سيكون خطيرا لأنه خلال الأشهر المقبلة سيخلو 20 مقعدا في المحكمة العليا بما يمثل 25% من إجمالي عدد قضاتها، وكذلك ستنتهي فترة رئاسة 49 من 116 رئيس محكمة في إسبانيا.

ومنذ عام واحد، أشار تقرير فني للمحكمة العليا إلى أنها تمارس عملها بعدد قضاة أقل مما ينص عليه القانون بنسبة 14%، وهذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض عدد القرارات التي تصدرها المحكمة بعدة آلاف سنويا، في ظل الحرص على تحقيق العدالة.

ويمكن أن تؤدي هذه التعيينات الجديدة للقضاة إلى تحول في الأغلبيات الموجودة، وبخاصة بين قضاة المحاكم الجنائية الذين يحاكمون الأشخاص الذين يخضعون لسلطة قضائية خاصة تعرف في إسبانيا باسم "أفورادو".

وهؤلاء القضاة هم وحدهم القادرون على فتح تحقيق جنائي ضد عضو في البرلمان أو وزير في الحكومة أو عضو بمجلس الشيوخ. كما أن هؤلاء القضاة هم أصحاب الكلمة الأخيرة في أغلب الأحكام الجنائية المهمة، مثل قضايا الفساد الكبرى أو محاكمات زعماء حركة الاستقلال الكتالونية.

وسوف تتغير الأغلبية المحافظة الحالية في المحكمة العليا بمجرد استكمال عملية إعادة تشكيل المحكمة. وهناك مجموعة من الأعضاء المحافظين الحاليين في مجلس القضاء العام يعارضون إعادة تشكيل المحكمة العليا.

وهذا هو سبب استقالة ليسميس، باعتبار ذلك مخالفة للقانون من جانب الهيئة الحاكمة للقضاء.

ومن بين القرارات المعلقة لدى المحكمة العليا قرارا بشأن رئيس إقليم كتالونيا السابق كارلوس بوجديمون.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك