«الجمعية السرية للمواطنين».. لوحة سردية لأشرف العشماوي بمزيج أدبى وإنسانى وسياسي - بوابة الشروق
الأحد 12 مايو 2024 1:44 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن أشخاص عاديين لعبوا دور البطولة:

«الجمعية السرية للمواطنين».. لوحة سردية لأشرف العشماوي بمزيج أدبى وإنسانى وسياسي

أسماء سعد
نشر في: الجمعة 29 أبريل 2022 - 8:37 م | آخر تحديث: الجمعة 29 أبريل 2022 - 8:37 م

نصوص حملت للقارئ «بطولة جماعية» على مدى ثلاثة عقود فى «عزبة الوالدة»

«ذات صباح فى يوم عادى أشرقت شمس تميل للكسوف على أشخاص عاديين، لعبوا دور البطولة فى مسلسل حياتهم لأول مرة»، جاءت تلك الكلمات فى بداية رحلة «الجمعية السرية للمواطنين»، للكاتب المستشار أشرف العشماوى، ليطل علينا من خلال «لوحة سردية بديعة»، بها مزيج مثالى من الأبعاد الأدبية والإنسانية والسياسية والاجتماعية.
على مدى صفحات الرواية الصارة عن الدار المصرية اللبنانية، فى 283 صفحة، من القطع المتوسط، يطلعنا العشماوى على تجربة قاسية تعرض لها أبطال العمل الذين ينتمون إلى منطقة شعبية تعج بالتفاصيل والتطورات، فى سياق زمنى يمتد لقرابة الثلاثة عقود، ومن خلالها نتلمس خيالا مشتعلا لكاتب يجيد التعبير عن همومه ورؤيته للواقع ونظرته للمستقبل المقترنة بقياسها وفقا لمعطيات الماضى، وما حمله من أحداث وتفاعلات سيكون لها صدى متواصل عبر الأجيال والأزمنة والعهود المختلفة.
برهنت «الجمعية السرية للمواطنين» على امتلاك أشرف العشماوى، ميزة فريدة متمثلة فى إحداث حالة من التنوع وتعمد إحداث الدهشة للقارئ، لم يضع العشماوى نفسه فى «قالب نمطى» واحد، فما بين «سيدة الزمالك»، «صالة أورفانيللى»، وأحدث أعماله، سيتضح لنا إجادته فى تغيير معطيات معادلته الأدبية على الدوام، حيث الأحداث والشخصيات والسياقات الزمانية والمكانية، كلها تتعرض للتغير والتبدل والتطور.
وقد شكلت رغبة العشماوى فى «التجديد الدائم» للموضوعات التى يتناولها، ضمانة لنجاح أحدث مؤلفاته، وبروز نقاط للتميز فيها، ليست على المستوى الفنى التقنى فقط، من حيث السرد السلس، أو البناء المتصاعد للشخصيات والأحداث، وإنما بسبب المزيج المتقن بين «التنوع» و«التجديد» فى طرح الموضوعات بأعماله المختلفة.

♦ مساحة مغايرة
بين ثنايا سطور «الجمعية السرية للمواطنين»، يظهر لنا أشرف العشماوى فى مساحة مغايرة لتلك التى وقف عليها نجيب محفوظ متسيدا الحديث عن الحارة، ومساحة يتمايز فيها عن «خيرى شلبى» الذى برع فى وصف عالم المهمشين، حيث قدم العشماوى نظرة معمقة للأحداث والأماكن وقراءة مدهشة لأفراد «عزبة الوالدة» فى حقب زمنية مختلفة اتصلت ما بين عصور الرؤساء الراحلين أنور السادات وحسنى مبارك.
نصوص أحدث مؤلفات العشماوى نجحت ببراعة فى الغوص بين عالم مجموعة من الشخصيات التى تتأرجح بين «الواقع والفانتازيا»، فالصفحات المختلفة تنتمى لعامل له طابع أدبى بامتياز وليس صحفى أو تأريخى وتوثيقى، فلا بحث عن مشكلات تتعلق بطبقات اجتماعية معينة، وإنما معالجة لطموح النفس البشرية، والتحديات التى قد تقابلها على توالى الزمان والمكان، الرغبة الجامحة فى بلوغ حد الآمال والأحلام، فى تحقيق معادلة «الحرية والكرامة»، وهو ما شهد انصهار كلى فى عمل روائى بامتياز يتجاوز وظيفة «الرصد والتوثيق».
«مرت الأيام ودارت كما أكدت علينا أم كلثوم فى أغانيها التى يشغلها معتوق كل ليلة، وانشغل القدر بغيره فيما يبدو وترکه يعيش أياما عادية بلا أحداث، فلما طالت ناوشه معتوق ليلفت انتباهه مرة ثانية. ارتدى ملابسه بعدما أعد إفطارا خفيفا لزهرة والقط الأعور، أوصلها لمدرستها مع وعد بالعودة قبل الحصة الخامسة لاستكمال درس التاريخ، مضى فى طريقه باحثا عن آماله المفتقدة خارج حدود عزبة الوالدة بعدما حبس قلقه وحيدا بغرفته، لا يزال غریب أبوإسماعيل مختفيا لليوم الأربعين على التوالى، هاتف بيته لا يرد، شقته الصغيرة بأطراف عزبة الوالدة مغلقة، ولا يظهر على مقاهى وسط البلد».
عطفا على ما ذكرنا فى السابق من أنه ليس عملا صحفيا أو توثيقيا، فإن خيال المؤلف وقدرته على نسج الشخصيات إلى درجة شديدة الواقعية، خلقت حالة من الانسجام التام بين القارئ وأبطال العمل من أعضاء «الجمعية السرية»، حيث ننطلق منهم لنرى صورة متكاملة تتجاوز الأفراد وتتخطى التفاعلات إلى اللحظية إلى التعبير عن أحوال بلد بأكمله وما يختزنه من سجالات تقع بين أفراد المجتمع فيه من أجل حياة تليق بتطلعاتهم وآمالهم وحقهم فى العيش.

♦ الجمعية السرية
يمعن أبطال الرواية فى مطاردة أحلامهم، حتى وإن ورطهم ذلك فى عبور جسر الطموح إلى الجريمة بدافع إنسانى، وبعد ما ظن كل منهم أنه عضو بجمعية سرية لا يدرى الآخرون بأمرها، اكتشف أنه مجرد رقم فى طابور طويل ينتظر دوره ليقبض نصيبه، لكنه يدفع للآخرين فى الوقت ذاته بانتظام من سنين حياته وأيام عمره دون أن يدرى.
«معتوق» و«غريب» و«المعلم غالى» و«سراج» و«فتحى السماوى» و«فارس عودة» و«الست أنهار» و«شاهين» و«شاكر» و«زكى الساكت» و«أسعد جرجس» و«العبقرى مينا»، هم أبطال رواية «الجمعية السرية للمواطنين»، وهم شخصيات غير تقليدية ونصادفها كل يوم، حيث يعيشون فى مسافة فاصلة بين الحقيقة والخيال، ظلوا صامتين حتى نجح العشماوى فى فك عقدة لسانهم ليحكوا ما أرهقهم كتمانه عبر سنوات طويلة، ما أوجعهم وما أسعدهم، أحلامهم التى لا تحتاج إلى تفسير وطموحاتهم التى لا تكلف الكثير».
أتاحت المساحة الزمنية المتسعة، من منتصف السبعينيات فى عصر الرئيس السادات، إلى نهاية عصر مبارك، اكتمال ملامح شخصيات وأبطال «الجمعية السرية»، فى ظل سلاسة ملحوظة فى الأسلوب السردى للعشماوى، الذى يساعد على تدفق تفاصيل الحكاية دون أى تعثر أو مط وتطويل، وإنما انسيابية ملحوظة للغة أدبية شديدة الرصانة والتميز.

♦ البناء الأدبى
لعب الراوى العليم دورا مهما فى الرواية، وإن بدا ظهوره خافتا فى عديد من الأحيان، فـ«معتوق الرفاعى» الفنان التشكيلى المعدوم والمتعثر فى أحواله المادية والأسرية، والذى جعلنا أسلوب أشرف العشماوى كما لو أننا نعرف «معتوق» عن قرب ونعايشه يوميا ونمر عليه وجميع أهل منطقة عزبة الوالدة فى حلوان، حيث نرى كل التفاعلات والأحداث فى «الجمعية السرية للمواطنين» بمنظور معتوق، ليس بصوته مباشرة وإنما من خلال عينيه ونظرته لكل ما يجرى.
«لا يوجد مكان صالح للاختباء من القدر، فى اليوم الثالث لهروبه افترس القلق معتوق ببطء، متلذذا بطعم خوفه، شعر أنه يتلاشى بالتدريج، لا توجد إجابات عن سؤاله الذى يكبر كل ساعة.. إلى متى يظل هاربا؟ الجرائد والمجلات التى يحضرونها له يوميا تزيده قلقا، لا يجد فيها خبرا عن هروب فنان تشكيلى يزيف النقود مع تاجر مخدارت، سکون مريب تفوح منه رائحة مقلقة لا يستطيع الإمساك بخيوطها ليتتبع مصدرها، حتى وجد مخرج طوارئ أتى له على هيئة ثلاث دقات منتظمة. انفتح باب الكوخ الخشبى الذى يقيم به ليجد سراج البدوى أمامه».
جاءت المساحات التى أتاحها العشماوى للراوى العليم المحدود فى أحدث أعماله، مناسبا تماما لإمكانية الإفصاح عن طبيعة وعوالم ما يقارب الـ «12 شخصية» مختلفة تتوالى على مدى أحداث الرواية وفصولها المختلفة، وبمطالعة تلك الأحداث والفصول يتبين الحرص الشديد من المؤلف على أن يكون كل شخصية منهم هو «البطل» فى حد ذاته، له مساحة من التأثير والنفاذ إلى الأحداث وتحريكها، تتقاسمها كل شخصية مع الأخرى، وقد أضفى التوزيع العادل للمساحات والتأثير على الشخصيات حالة جعلتهم ينبضون بالحياة، تشعر وأنك قابلك أحدهم فى يوما ما أو مرحلة معينة مرت عليك، الأمر الذى يجيده العشماوى فى أعماله المختلفة، إلا أنه فى ظل كثافة الأحداث وتلاحقها أصبحت الشخصيات وكأنها من لحم ودم.

♦ زخم متواصل
حالة النجاح التى أحدثتها رواية «الجمعية السرية للمواطنين»، تحيلنا إلى أصداء النجاح التى لا تزال تتواصل حول أعمال العشماوى التى توجت بمجموعة من أرفع الجوائز الأدبية من بينها: جائزة أفضل رواية بمعرض القاهرة الدولى للكتاب عام 2014 عن روايته «البارمان»، وجائزة أفضل رواية تاريخية من ملتقى ممكلة البحرين الثقافية عام 2019 عن روايته «كلاب الراعى»، رواية بيت القبطية التى وصلت للقائمة القصيرة لجائزة ساويرس الثقافية فرع كبار الادباء بالعام 2019.
والجدير بالذكر أن أشرف العشماوى قاض بمحكمة الاستئناف وروائى أصدر9 روايات طويلة هى زمن الضباع 2010، تويا التى وصلت للقائمة الطويلة للبوكر للرواية العربية 2012 وترجمت للغات الايطالية واليابانية ورواية «المرشد التى فازت بجائزة أفضل رواية من استفتاء القراء عام 2013 على موقع جودريدز ورواية «البارمان» التى صدرت فى يناير 2014 وفازت بجائزة أفضل رواية عربية من الهيئة العامة للكتاب لعام 2014 كأفضل رواية عربية وترجمت إلى اللغات الفرنسية والمقدونية والصربية والانجليزية.
وفى يناير 2015 صدرت له رواية كلاب الراعى التى فازت بجائزة أفضل رواية تاريخية من ملتقى مملكة البحرين الثقافى لعام 2019، وأصدر فى يوليو 2016 رواية تذكرة وحيدة للقاهرة وفى يناير 2018 صدرت رواية سيدة الزمالك التى ترجمت للانجليزية، وفى يناير 2021 أصدر رواية صالة أورفانيللى والتى فازت بجائزة أفضل رواية عربية لعام 2021 من الهيئة العامة للكتاب.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك