في «برقاش».. الكل يبحث عن رزقه بسوق الجمال - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 2:46 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

في «برقاش».. الكل يبحث عن رزقه بسوق الجمال

«برقاش».. الكل يبحث عن رزقه بسوق الجمال - تصوير: أحمد عبد اللطيف وهبة الخولي
«برقاش».. الكل يبحث عن رزقه بسوق الجمال - تصوير: أحمد عبد اللطيف وهبة الخولي
تحقيق ــ أحمد عبدالحليم
نشر في: الثلاثاء 30 سبتمبر 2014 - 2:42 م | آخر تحديث: الثلاثاء 30 سبتمبر 2014 - 4:15 م

أناشيد الحدائين لبيع سفن الصحراء

الجمل يبدأ «قاعود» وينتهى «ناب» عجوز

الصعايدة يفضلون «الناحلة» لاستخدامها فى نقل المحاصيل.. وأهل الشمال يفضلونها «سمينة»

أهل الجنوب يسيطرون على تجارة الإبل.. والبيع بالممارسة أو المزايدة

أجرة الكلاف تبدأ بـ250 جنيهًا أسبوعيًا.. وأسواق للجلابيب وأدوات الذبح على الهامش

قديما أنشد حداء الإبل «يا شمس غيبى يا سفاين حلِّى.. بلدى بعيدة وخاطرى فى محلى»، وأنشد أيضا «يا بكرتى يا أم الجرس رنّانة.. تخوضى البحار ولا حيرانة»، كان ينشدها فى رحلاته الطويلة بالصحراء، يصف نياقه بالسفن، ويصف الصحراء بالبحور، ينادى بلاده البعيدة، وهى التى لم تغب عن خاطره وتفكيره.

رحلة الصحراء تلك تتعلق بها مفردات يعرفها الكبار «درب الأربعين، دراو، وادى الصعايدة، إمبابة»، هى أشهر أماكن لحركة وبيع الجمال فى مصر، بداية من السودان وحتى القاهرة الكبرى.. وأخيرا أضيف لهذا القاموس «سوق برقاش».

«برقاش» أشهر سوق للجمال فى الجيزة.. لحظة الدخول عبر بوابته تفصلك عن واقع «جامد رتيب» تعود بك إلى زمن بعيد لكنه لا يزال ممتدا.. السوق الذى يقع بعيدا عن العمران ويحتل منطقة عالية، تمتزج فيه صفرة رمال الصحراء بصفرة وبر الإبل، والوصول إليه يستلزم التحرك فى طرق ملتوية نصف ممهدة، تظهر عقب مغادرة الكتل الخرسانية التى تحاصر أطراف العاصمة.

تلك المنطقة استمدت اسمها من الجبل المحيط بها والمطل عليها «جبل برقاش»، وفي طريقك إليها ستجد مليون دليل يرشدك للمكان الأهم في المنطقة الواقعة شمال محافظة الجيزة، وتتبع إداريا مركز منشأة القناطر.

بمجرد عبورك بوابة السوق ودفع رسوم الدخول، تشعر وكأن الزمان عاد إلى الخلف ألف سنة أو أكثر.. الملامح تبدو جنوبية تماما، ووقع وموسيقى الكلام تبدو غريبة على أذنيك، فإن لم تكن نشأت فى الريف أو الصعيد فلن تدرك معانى كلمات، مثل: «قاعود، بكر، كاسر جوز، جمل ناب»، وهى أوصاف للمراحل العمرية للجمل، فالبكر هو الجمل الصغير جدا، والقاعود هو الشاب البالغ، وكاسر جوز أو كاسر أربعة أو كاسر ستة، تعنى عمر الجمل بعدد الأسنان، التى سقطت ونبت بدل منها أسنان أخرى أكبر وأضخم وأكثر حدة، وجمل ناب تعنى الجمل العجوز الذى سقطت كل أسنانه واستبدلها، ونبت له بعد ذلك «ناب».

أنشئ سوق برقاش منذ عشرين عاما تقريبا، بعد أن نقل من موقعه القديم، سوق البراجيل، على مساحة 25 فدانا، وتتم فيه عمليات البيع والشراء فى كل أيام الأسبوع، إلا أن يومى الذروة هما الجمعة والأحد، وفيهما يتغير نظام البيع من «الممارسة» إلى «المزايدة».

يسيطر أصحاب المكاتب على حركة البيع والشراء بالسوق، فإن كنت راغبا فى بيع جمل فإنك تسلمه إلى أحد أصحاب هذه المكاتب، وتتفق معه على السعر الذى ترغب فى البيع به، ويطرح صاحب المكتب الجمل للمزايدة على الموجودين، فى حضورك، وبإمكانك قبول السعر أو رفضه بإشارة معينة تتفق عليها مع صاحب المكتب، إن نجح البيع فلصاحب المكتب الحق فى عمولة تتراوح ما بين 150 و300 جنيه، تتحدد وفق قيمة الجمل.

ويضم السوق أكثر من ثلاثين مكتبا، لعائلات توارثت المهنة، ويسيطر الجنوبيون على تلك المكاتب، معظمهم من قنا وأسوان، وهناك من تعود أصوله إلى السودان مثل الحاج ناصر مختار.

الحاج مختار يتبادل معنا أطراف حديث متقطع، بسبب مزايدته على جمل معروض للبيع أو لخلاف مع مشتر على السعر، ويعتذر عن توقف الحديث أكثر من مرة، فالوقت هو للبيع والشراء.

الجمال المعروضة في السوق إما جمال بلدى أو مستوردة، وفي الغالب فإن دول الاستيراد هى السودان والصومال وجيبوتى، ويستطيع صاحب الخبرة التفريق والتمييز بين كل جمل بمجرد رؤيته، وتصل حمولة الجمال المستوردة إلى صاحب المكتب، بعد أن يشتريها بالكامل، أو بيعها لصالح المستورد، بعد تصنيفها إلى فئات طبقا للسن والوزن والعمر.

على غير المتوقع، فإن حركة البيع والشراء قبل عيد الأضحى، لا تختلف كثيرا عنها في الأيام العادية، تزيد بطبيعة الحال، إلا أن الزيادة ليست كبيرة كما يتصور البعض، لأن معظم عمليات الشراء تتم من خلال الجزارين، الذين يبيعون اللحوم فى المحافظات القريبة.

قال محمد على أحمد، وهو جزار من كرداسة، إن البيع والشراء في الأيام العادية يتم بالقبول والتراضى بين البائع والمشترى، بعد التوصل إلى سعر وسط، بين ما يطرحه البائع وما يرغبه المشترى، وتسمى تلك عملية «الممارسة»، أما فى أيام الجمعة والأحد فإن البيع والشراء يتم من خلال المزاد، الذى يبدأ بعد صلاة الفجر ويمتد إلى ما بعد الظهر فى الأيام العادية.

تكرار نزول محمد إلى السوق أنشأ روابط قوية بينه وبين أصحاب المكاتب ممن يتعامل معهم دائما، فحين لا يجد حاجته عند أحدهم يتطوع الأخير بإحضار احتياجاته من صاحب مكتب آخر، بسعر أقل بطبيعة الحال مما لو اشتراها لنفسه، فتعاملات أصحاب المكاتب مع بعضهم البعض، ليست هى نفس تعاملاتهم مع زبائنهم من الجزارين أو التجار.

وأضاف أحمد، أن "أسعار الجمال تتراوح ما بين 7 و10 آلاف جنيه، وتزيد أحيانا مع بعض الجمال السمينة، فيما تبدأ أسعار الجمال الصغيرة من 3 آلاف جنيه، وبحسب عرف التجار فإن طريقة عد النقود حتى 10 آلاف جنيه تكون بالمئات، فمثلا 35 تعنى 3500، وهى حاصل ضرب 35 فى 100″.

فى الغالب فإن أصحاب المكاتب، من الجنوبيين، لديهم مخازن، ومعالف لتربية الجمال البلدى، فى محافظاتهم فى قنا وأسوان، قبل أن يحضروها للبيع فى القاهرة، ويختلف السعر من برقاش عنه في الجنوب، فالجمال السمينة فى برقاش أغلى منه فى الجنوب، والنحيفة الناحلة سعرها فى الجنوب أغلى، فمربو الجمال والمزارعون فى تلك المناطق يفضلون الجمال النحيلة والتى يطلق عليها «قنية» أى صالحة للاقتناء والعمل فى الحقول ونقل المحاصيل خصوصا فى موسم القصب، الذى ترتفع فيه أسعار الجمال الناحلة، فى حين لا يستطيع الجمل السمين العمل فى نقل المحاصيل.

وروى أحمد حسين القرشى، رحلة الجمال المستوردة والتي تبدأ بوصولها إلى دراو فى أسوان، لتبقى هناك فترة تتراوح بين 3 إلى 4 شهور، لتغيير مذاق اللحم، بتغيير العلف والطعام المقدم لها، حيث تعلف بالتبن، والبرسيم الحجازى، للتخلص من المرارة الناتجة عن طبيعة المراعى في بلاد الاستيراد.

وتنقل الجمال من دراو إلى وادى النقرة ووادى الصعايدة، فى أسوان أيضا، وهما من أكبر مراكز بيع وشراء الجمال فى مصر، وهناك يتم تحصينها ضد بعض الأمراض، مثل الجرب والسل الرئوى، وتمتد الرحلة إلى 16 ساعة فى سيارات النقل الكبيرة، ذات المقطورة، وتخرج فى الغالب فى العاشرة صباحا، لتصل القاهرة فى حدود الثانية قبل الفجر، تمهيدا لتجهيزها للسوق بعد ساعات قليلة، فيما تكمل السيارات رحلتها إلى سوق العبور لشراء بعض الفاكهة والخضراوات ونقلها إلى الصعيد فى رحلة العودة.

يتحول المكتب إلى مقر إقامة لأصحابه طوال فترة وجودهم فى السوق، حيث تم تجهيزه بأدوات بسيطة تساعد على المعيشة، فيما يفضل بعضهم السكن فى أماكن قريبة مثل البراجيل وإمبابة والوراق، فيما يبقى «الكلافين» مع الجمال لرعايتها والاعتناء بها، وتتراوح أجرة الكلاف بين 250 و350 جنيها فى الأسبوع، تزيد أو تقل حسب سنوات الخبرة والمهارة.

على هامش سوق برقاش، توجد أسواق صغيرة، هناك باعة للسكاكين والأدوات المستخدمة فى الذبح والسلخ، وأيضا باعة للأقمشة التى تصلح لتفصيل الجلاليب الصعيدية، بخلاف أصحاب فرشات الشاى والساندوتشات، وعربات تصنيع الجيلاتى.. الكل يبحث عن رزقه فى سوق الجمال.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك