الطبل الأجوف فى قمة تونس - محمد عصمت - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الطبل الأجوف فى قمة تونس

نشر فى : الإثنين 1 أبريل 2019 - 10:55 م | آخر تحديث : الإثنين 1 أبريل 2019 - 10:55 م

انتهى مؤتمر القمة العربى فى تونس كما هو متوقع ببيان ختامى كالطبل الأجوف يمتلئ بعبارات الشجب الخجولة للسياسات الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية فى المنطقة، دون أن يخطر ببال من كتبه ووقع عليه أن يوضحوا لشعوبهم المغلوبة على أمرها كيف سيترجمون مواقفهم ضد هذه الدول الثلاث إلى سياسات واضحة على أرض الواقع!
البيان أكد رفضه للممارسات العدوانية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى، وتهويد القدس، ومخططات تقسيم المسجد الأقصى، وقانون القومية الإسرائيلى، ولكنه فى المقابل أحال مسئولية مواجهة كل هذه الكوارث إلى مجلس الأمن والمجتمع الدولى ليلعبا دورهما فى توفير الحماية اللازمة للشعب الفلسطينى، ووضع حد للاعتداءات الإسرائيلية والانتهاكات الممنهجة للمقدسات الإسلامية والمسيحية وبخاصة المسجد الأقصى، مع مطالبة دول العالم برفض الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وعدم نقل سفاراتها إليها.
لم يتضمن البيان مجرد التلميح بالتهديد بوقف قطار الهرولة نحو التطبيع مع إسرائيل، واستقبال مسئوليها فى العواصم العربية، أو حتى استضافة فرقها الرياضية، مع أنه الرد الواقعى الوحيد الذى كان ينبغى أن تتبناه القمة إذا أرادت أن يأخذ العالم قراراتها بالجدية المطلوبة وبالاحترام الواجب، ولن نبالغ ونطالبها بتفعيل قرارات مقاطعة إسرائيل اقتصاديا، ودعم قوى المقاومة الفلسطينية المسلحة!
وحتى فيما يتعلق بأمريكا، كل ما فعلته القمة هو إعلانها رفض الاعتراف بقرار ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان، مع سطر غامض حول تأكيد «الدعم العربى الكامل لحق سوريا فى استعادة الجولان المحتل»، دون أن نعرف هل يشمل هذا «الدعم الكامل» الأبعاد العسكرية بمد نظام بشار الأسد بالأسلحة المتطورة التى تساعده على مواجهة محتملة مع إسرائيل أو حتى بتسخين الجبهة السورية بما يعنيه ذلك من توتر العلاقات مع أمريكا؟! أم يكتفى بعبارات التأييد التى لا تساوى ثمن الحبر الذى كتبت به؟!
كعادة بيانات القمم العربية التى تمسك العصا من منتصفها، لم يتطرق بيان تونس بالطبع إلى التهديد بقطع العلاقات مع واشنطن، ولا حتى سحب الودائع العربية فى بنوكها أو وقف التعامل بالدولار، ولا إقامة علاقات استراتيجية بديلة مع روسيا أو الصين، بل إن البيان لم يجرؤ على ذكر اسم الرئيس ترامب واكتفى برفض قراره وكأن من أصدره شخص غير معروف!!
بعبارات مطاطية تتحمل التأويل على ألف وجه أكد البيان على ما أسماه بـ«الأهمية المحورية للتنمية الشاملة فى النهوض بأوضاع المنطقة وتحصين المجتمعات العربية ضد آفات التطرف والإرهاب، وتقليص مظاهر الإقصاء والتهميش، والاستثمار فى قدرات الإنسان العربى وتأهيله علميا ومعرفيا وقيميا، وتوسيع مجالات مشاركة الشباب فى الشأن العام وآليات اتخاذ القرار والأخذ بناصية العلوم، ودعم دوره فى تحقيق التنمية الاقتصادية والنهضة الاجتماعية، إلى جانب تعزيز دور المرأة..إلخ»، دون أن تأتى هذه الفقرة بأى ذكر ولو بكلمة يتيمة واحدة عن الأوضاع الديمقراطية للإنسان العربى، وحقه فى اختيار حكامه ومساءلتهم وإبقائهم فى السلطة أو استبعادهم عنها عبر آليات دستورية واضحة!
بيان تونس تعبير واضح عن عجز النظام العربى عن القيام بوظائفه، وعجز دوله عن درء الأخطار التى تهدد شعوبها، وعن توفير حياة آدمية لها، وعن احترام حقوقها وحرياتها، ولهذا جاء هذا البيان البائس وهو يحمل فى معناه ومبناه كل عوامل الضعف العربى مجتمعة، بداية من التشخيص الخاطئ لأوضاعنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية المزرية، نهاية بدفن الرءوس فى الرمال فى مواجهة السياسات العدوانية الإسرائيلية والانحياز الأمريكى الصارخ والداعم لها.
الديمقراطية والمشاركات الشعبية فى صنع القرار هى البوابة الوحيدة لبناء نظام عربى جديد يتمكن من مواجهة اعدائه بقوة وشجاعة، وانتزاع حقوقه الشرعية منهم، وهو وضع قد يتأخر إلى حين، ولكنه بالتأكيد سيتحقق إن آجلا أو عاجلا.

محمد عصمت كاتب صحفي