مع انقلاب موازين الحرب الأهلية فى إثيوبيا إلى حد ما لصالح الجيش الحكومى فى مواجهة جبهة تحرير التيجراى، فإن كل التوقعات تشير إلى أن الجبهة ستتراجع إلى داخل إقليمها، لكى تستعد لصد هجوم قوات آبى أحمد المؤكد عليها، والذى ستواجهه بالقطع باللجوء لأساليب حرب العصابات، بعد أن نجحت بمقتضاه فى تحقيق انتصارات مدوية على الجيش الإثيوبى إلى حد تهديدها بدخول أديس أبابا، وذلك قبل أن يستعيد الجيش زمام الأمور بمساعدات خارجية.
ولكن ــ أيا كانت نتائح المعارك العسكرية ــ ستظل الجبهة شوكة فى خاصرة نظام آبى أحمد، خاصة بعد أن أثبتت منذ يومين فقط قدرتها على توجيه ضربات موجعة للجيش بإعادة سيطرتها على بلدة «لاليبيلا» الاستراتيجية بعد أسبوعين فقط من انسحابها منها، وهذا ما يدركه آبى أحمد جيدا، حيث دعا بعد عودته من ميدان القتال الذى قاد فيه قواته فى الحرب ضد التيجراى، إلى عقد حوار وطنى يناقش مطلع الشهر القادم ما أسماه «ضمان أمن واستقرار إثيوبيا» تشرف عليه وتديره لجنة مستقلة بعيدة عن أى تدخل حكومى، دون أن يشير من قريب أو من بعيد للحرب مع جبهة التيجراى!
قد تكون هذه اللجنة هى الباب الخلفى الذى يدخل من خلاله آبى أحمد فى مفاوضات مع جبهة تحرير التيجراى، بعد أن ينجح ــ كما يخطط ــ فى تقليم أظافرهم عسكريا، ولكنه قد يوافق مضطرا على إعطائهم حكما ذاتيا كما يطالبون، رغم أن هذا يتعارض مع توجهاته ببناء مؤسسات حكم مركزية فى بلاده، إذا فشلت مغامراته العسكرية فى القضاء على التيجراويين، لتتبقى أمامه جبهة سد النهضة الذى يضع اللمسات الأخيرة عليه لتوليد الطاقة الكهربائية منه، انتظارا للملء الثالث المقرر فى فيضان العام القادم، ليستثمر هذا «الإنجاز» سياسيا فى زيادة شعبيته وسط الإثيوبيين، أو ليغطى على أى اخفاق قد يواجهه فى معاركه العسكرية أو السياسية مع التيجراى.
فعلى عهدة تقرير بثته قناة «الجزيرة» مدعوما بصور من الأقمار الصناعية، نجحت إثيوبيا خلال الأسابيع الماضية فى تركيب مولدات بجسد السد تكفى لانتاج 700 ميجاوات من الكهرباء خلال الأسابيع المقبلة، وهو ما سبق أن أعلنته الحكومة الاثيوبية الشهر الماضى، وهو ما يفرض تحديا جديدا على مصر والسودان فى تبرير أى عمل قد تفكران بالقيام به ضد السد أمام الرأى العام العالمى فضلا عن الحكومات الغربية.
ما ينبغى أن ندركه جيدا فى مصر، أن المفاوضات مع إثيوبيا للتوصل لاتفاق قانونى ملزم لتشغيل السد صعبة جدا وقد تقترب من الاستحالة، والأخطر من ذلك أن آبى أحمد بمجرد اكتمال بناء السد سوف ينفذ تهديداته بإعادة تقسيم مياه النيل، وساعتها علينا ان نتأقلم مع كوننا دولة صحراوية كما قال أحد وزرائه، لأن حصتنا ربما تقل بمقدار النصف!
بمرور الوقت تقل خياراتنا فى مواجهة أخطار السد، وتضيع من بين أيادينا الفرصة تلو الأخرى لحسم هذا الملف، وهو ما يفرض علينا أن نلجأ للبدائل الخشنة فى التعامل مع إثيوبيا، وهى كثيرة ومتاحة أمامنا، ليكف آبى أحمد عن اللعب بالنار مع ملايين المصريين.