أضواء على القضية الفلسطينية - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 6:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أضواء على القضية الفلسطينية

نشر فى : الثلاثاء 1 نوفمبر 2022 - 7:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 1 نوفمبر 2022 - 7:20 م

لم يحرم انشغال العالم بالحرب الروسية الأوكرانية وتبعاتها الاقتصادية والأمنية والسياسية، ولا استيعاب عدة دول عربية فى حروب وأزمات لما يربو على عقد من الزمان، لم يحرم ذلك كله القضية الفلسطينية من إلقاء أضواء كاشفة عليها على المستويين العربى والدولى خلال الفترة الأخيرة، وإحياء الحوار والبحث عن سبل عملية لتحقيق إنجاز على طريق إعطاء الشعب الفلسطينى حقه المشروع فى إقامة دولته المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية فى إطار تسوية سياسية سلمية وفقا للمرجعيات ذات الصلة وقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية.
كانت كلمة رئيس وزراء إسرائيل يائير لبيد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها الحالية، والتى أشار فيها إلى تأييد حل الدولتين، موضع ترحيب من عدة أطراف عربية ودولية وأن ذلك قد يؤدى إلى انفتاح فى حالة الانسداد فى عملية السلام بين كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، وأثارت العديد من التحليلات التى رأى بعضها أن ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلى قد يكون لتملق الإدارة الأمريكية الديمقراطية، وقد يكون مجرد إرضاء للدول العربية التى وقعت الاتفاقيات الإبراهيمية وتقوم بناء عليها بالتطبيع مع إسرائيل فى عدة مجالات، مبرزة أن لبيد ألقى بيانه وهو رئيس حكومة تصريف أعمال وفى سياق حملة انتخابية إسرائيلية لاستقطاب أصوات الفلسطينيين فى إسرائيل، ولكنه ليس لديه ضمانة بأن يرأس الحكومة الإسرائيلية القادمة، ولا بأن يقطع شوطا فى تنفيذ حل الدولتين فى مواجهة اليمين الإسرائيلى المتطرف الذى يرفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة. ويرى آخرون أن كلمة لبيد سجلت وثيقة رسمية فى الأمم المتحدة بصفته ممثلا لدولة إسرائيل، وإذا حقق لبيد فوزا فى الانتخابات الإسرائيلية يتولى بمقتضاه حقيبة مهمة فى الحكومة الجديدة، فقد يكون عاملا مساعدا فى إعادة إحياء المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية بدعم أمريكى للتوصل إلى تسوية سياسية لإنجاز حل الدولتين.
• • •
جاء تطور آخر أكثر دلالة وعمقا فى إعادة الأضواء إلى القضية الفلسطينية، وذلك عندما أعلنت الحكومة الأسترالية فى 18 أكتوبر 2022 أنها لم تعد تعترف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل، وأكدت وزيرة الخارجية الأسترالية بينى وونج أن وضع المدينة المقدسة يجب أن يتقرر من خلال محادثات سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأوضحت أن سفارة أستراليا كانت دائما ولا تزال فى تل أبيب. وأن السبب وراء اعتراف حكومة المحافظين السابقة بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل كانت لأغراض حزبية لتحقيق الفوز فى انتخابات مهمة لهم فى ضاحية فى سيدنى تضم جالية يهودية كبيرة. وقد وصفت الوزيرة ذلك بأنه كان مهزلة فاشلة للفوز بمقعد فى انتخابات فرعية.
وكانت الحكومة الأسترالية المحافظة السابقة قد اعترفت بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل فى ديسمبر 2018 عقب اعتراف إدارة الرئيس الأمريكى السابق ترامب بها عاصمة لإسرائيل ونقل معظم السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها. وقد أثار اعتراف أستراليا وقتئذ انتقادات داخلية واسعة النطاق جعلت الحكومة المحافظة تدافع عن نفسها بأنها ما زالت متمسكة بحل الدولتين، وأن اعترافها بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل بدعوى أنها مقر الكنيست (البرلمان) الإسرائيلى والعديد من المؤسسات الحكومية الإسرائيلية، وأنها لا تمثل القدس الشرقية. وقد خسر المحافظون الانتخابات الأسترالية فى مايو 2022، وفاز حزب العمال الليبرالى.
قد أعربت الحكومة الإسرائيلية عن خيبة أمل شديدة من قرار حكومة أستراليا، وتهكم رئيس الوزراء يائير لبيد على القرار ووصفه بأنه قرار متسرع وقال «إن القدس هى عاصمة إسرائيل الأبدية ولا شىء سيغير ذلك أبدا» وهدد باتخاذ إجراءات عقابية ضدها. كما استدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية السفير الأسترالى لدى إسرائيل وأنبته على قرار حكومته وطلبت توضيحا رسميا لأسباب هذا القرار. وكما قال مسئول إسرائيلى إنه، بالرغم من هذا التهديد، فيبدو أن إسرائيل ليس بحوزتها خطوات أخرى أبعد من استدعاء السفير وتأنيبه. ونصح خبراء فى حملة لبيد الانتخابية بأن موقفه المتشدد هذا يبدو وكأنه دعم قوى لخصمه فى الانتخابات نتنياهو فى حملته الانتخابية.
لقى قرار أستراليا ترحيبا عربيا ودوليا كبيرا، وهو ما أثار مخاوف إسرائيل من أن تقدم الحكومة الأسترالية على الاعتراف بفلسطين دولة عضو فى الأمم المتحدة، وأن يجعل ذلك دولا أخرى تحذو حذوها، وبذلك يتآكل مشروع نتنياهو الذى يهدف إلى توسيع دائرة الدول التى تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كما أنه إخفاق لقرار الرئيس الأمريكى ترامب بالاعتراف بالقدس الغربية عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، وقد تبعها فى هذا القرار أربع دول أخرى من بينها جواتيمالا، وهندوراس، وكوسوفو. وسبق أن أعلنت كل من الفلبين والبرازيل أنهما سينقلان سفاراتهما إلى القدس، ولكن قد أسفرت الانتخابات الرئاسية البرازيلية عن عودة لولا دا سيلفا إلى الرئاسة فقد يغير هذا الموقف.
قد رفضت جميع دول الاتحاد الأوروبى وقتئذ قرار الرئيس ترامب، رغم أن بين هذه الدول كل من المجر، والتشيك، ورومانيا، وسلوفاكيا، التى لها علاقات متميزة مع اليمين الإسرائيلى. نصحت مسئولة الشئون الخارجية والأمن فى الاتحاد الأوروبى فيدريكا موجيرينى نتنياهو فى عام 2017 بألا يحاول مع أى دولة أوروبية؛ لأن هذه الدول موحدة فى موقف يتمسك بأن تبحث قضية القدس فقط بعد التسوية السلمية للصراع الإسرائيلى الفلسطينى، وهو ما حدث بالفعل عندما لم يأخذ نتنياهو بهذه النصيحة.
ترى نائبة رئيس تحرير جريدة «هاآرتس» الإسرائيلية أنه من الصعب على يائير لبيد، الذى أعلن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تأييده لحل الدولتين، أن يعمل ضد أستراليا ومن يقول مثلها إن مسألة القدس تحسم فى المفاوضات السلمية وأن قسمها الغربى سيكون عاصمة لإسرائيل، والقسم الشرقى عاصمة للدولة الفلسطينية؛ لأن ذلك متضمن فى حل الدولتين الذى يؤيده لبيد.
• • •
من ناحية أخرى، فقد صدر تقرير عن لجنة الشئون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة اعتبر أن عام 2022 هو الأكثر دموية فى الضفة الغربية لنهر الأردن منذ نحو 16 عاما، بسبب الزيادة المتواصلة فى أعمال العنف، والقيود المفروضة على الحركة فى الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، حيث قتل 105 فلسطينيين (121 حسب إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية) بينهم 26 طفلا، على أيدى قوات الاحتلال الإسرائيلية، وأن معدل ضحايا الفلسطينيين ارتفع بنسبة 57% عن عام 2021 فى مواجهات فى الضفة الغربية والقدس الشرقية عقب اعتداءات من جانب المستوطنين الإسرائيليين أو توغلهم فى القرى الفلسطينية فى بعض الحالات، وأن الضحايا لم يكونوا يشكلون تهديدا ملموسا أو وشيكا لتبرير استخدام القوة المميتة. وأن القيود الكثيرة التى فرضتها قوات الاحتلال الإسرائيلية حدت من وصول كثيرين إلى الرعاية الصحية والتعليم والسعى لسبل العيش.
تجدر الإشارة إلى أن كل هذا العنف ضد الفلسطينيين تمارسه حكومة يائير لبيد الذى قال إنه يؤيد حل الدولتين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد أجرى المنسق الخاص للسلام فى الشرق الأوسط التابع للأمم المتحدة اتصالات مع الإسرائيليين والفلسطينيين فى مساعِ من أجل استعادة الهدوء فى الضفة الغربية، خاصة فى مدينتى نابلس وجنين بالتعاون مع مصر والأردن، وذلك بالتوازى مع مساعِ فلسطينية لاستيعاب المسلحين فى حركات المقاومة الفلسطينية فى أجهزة السلطة الفلسطينية، على أن يسلموا أسلحتهم، وخاصة جماعة «عرين الأسود» التى تستفز أعمالها قوات الاحتلال الإسرائيلية فى الضفة الغربية. وقد عادت إسرائيل إلى سياسة العقاب الجماعى للفلسطينيين بإغلاق مناطق والتوسع فى الحواجز العسكرية، وسحب تصاريح العمل فى إسرائيل ممن يقوم أقاربهم بأعمال مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلى.
قد أصدرت الهيئة العليا لحقوق الإنسان فى الأمم المتحدة تقريرا فى 20 أكتوبر 2022 خلص إلى أن الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية خالف القانون الدولى، حيث إن الحكومة الإسرائيلية تحاول تكريس الاحتلال الدائم، مع الاستمرار فى بناء المستوطنات. وحث خبراء الأمم المتحدة محكمة العدل الدولية فى لاهاى على تقديم رأيها بشأن الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية.
كما أبلغت وزارة الأمن الوطنى الأمريكية الحكومة الإسرائيلية أنها لم تستوف بعد الشروط المطلوبة لوضعها على قائمة الدول التى يعفى مواطنوها من تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لأن المواطنين الأمريكيين، خاصة ذوى الأصول الفلسطينية، لا يحظون بإعفاء مماثل فى المعابر الحدودية الإسرائيلية، بل يتعرضون لمعاملة مهينة وجارحة. وطالب نواب فى الكونجرس الأمريكى إسرائيل، باعتبارها حليفا مهما للولايات المتحدة، بمنح الأمريكيين معاملة محترمة بغض النظر عن العرق أو الديانة، ووقف الإجراءات المجحفة لمنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية فى الأراضى المحتلة التابعة للجيش الإسرائيلى.
لا شك أن كل ما سبق بيانه يتيح عدة مجالات للتحرك والعمل الدبلوماسى الفلسطينى والعربى المكثف للدفع الإيجابى لخدمة القضية الفلسطينية، والعمل على إنجاز حل الدولتين. من بين ذلك السعى الحثيث لدى دول الاتحاد الأوروبى للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وشرعية المقاومة للاحتلال الإسرائيلى، وتكثيف الجهود لدى منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الحقوقية فى أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، لفرض وتفعيل مقاطعة كل أنشطة الاحتلال الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، ومقاطعة الشركات والهيئات التى تساهم فى دعم الاستيطان الإسرائيلى فى الضفة الغربية والقدس الشرقية، وأن تتولى جامعة الدول العربية تنسيق ومتابعة هذه الجهود وتقديم تقارير دورية عنها لمجلس وزراء الخارجية العرب، والقمة العربية، لدى اجتماعاتهما.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات