إسرائيل فى الشرق الأوسط.. تجاوز حل الدولتين - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:39 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إسرائيل فى الشرق الأوسط.. تجاوز حل الدولتين

نشر فى : الجمعة 2 سبتمبر 2022 - 8:10 م | آخر تحديث : الجمعة 2 سبتمبر 2022 - 8:10 م

لإسرائيل سياسة خارجية نشطة فى الشرق الأوسط أهدافها الاستراتيجية هى مواجهة إيران وحلفائها ووكلائها، وتعزيز التعاون الأمنى والتكنولوجى والاقتصادى والتجارى مع الدول العربية التى تربطها بها علاقات دبلوماسية، والانفتاح على العرب الرافضين للتطبيع معها أو المتحفظين عليه إلى اليوم، واستعادة العلاقات الجيدة مع تركيا بعد الهزات العنيفة التى تعرضت لها خلال السنوات الماضية.
ليس من بين أهداف السياسة الإسرائيلية تجاه الشرق الأوسط فى ٢٠٢٢، إذا، التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وفقا لمبدأ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة فى القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة. بل الثابت هو أن إسرائيل تعمل على الإبقاء على الأوضاع الراهنة فى الأراضى الفلسطينية التى يتواصل تفتيتها فى القدس والضفة من خلال النشاط الاستيطانى أو حصارها العسكرى والاقتصادى والتجارى فى غزة. وفى سبيل التنصل من حل الدولتين، لا تمانع السياسة الإسرائيلية فى مواصلة التورط تجاه الفلسطينيين فى ممارسات أشبه بالفصل العنصرى.
والحقيقة أن قبول مبدأ حل الدولتين والعمل على التسوية السلمية للقضية الفلسطينية كانا من بين أهداف السياسة الإسرائيلية تجاه الشرق الأوسط بين تسعينيات القرن العشرين وبين انتفاضات الربيع العربى فى ٢٠١١. بل إن النخب الحاكمة فى إسرائيل، سواء النخب الحزبية التى تبادلت تشكيل الائتلافات الحكومية يمينا ويسارا أو النخب المؤسسية التى أدارت أجهزة الدولة، كانت تنظر استراتيجيا إلى تسوية القضية الفلسطينية على أنها المدخل الوحيد للانفتاح على الدول العربية والتطبيع معها والانتقال من علاقات محدودة مع البعض إلى دمج إقليمى واسع لإسرائيل فى الشرق الأوسط.
كانت هذه هى النظرة الاستراتيجية التى دفعت إسرائيل إلى المشاركة فى مفاوضات السلام الإقليمى التى دعت إليها فى بداية التسعينيات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتى السابق ودعمتها القوى الأوروبية والصين ورعتها الأمم المتحدة، وأسفرت آنذاك عن مؤتمر مدريد للسلام (١٩٩١) الذى جمع العرب وإسرائيل وجها لوجه. كانت هذه أيضا هى النظرة الاستراتيجية التى حفّزت إسرائيل على بدء مفاوضات ثنائية للسلام مع الأردن (أسفرت عن اتفاقية وادى عربة أو معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية فى ١٩٩٤) ومع سوريا (لم تسفر عن معاهدة سلام ثنائية) ومع فلسطين ممثلة فى منظمة التحرير (أسفرت عن اتفاقية أوسلو وتوابعها العديدة). كانت هذه، أخيرا، هى النظرة الاستراتيجية التى تجاوب معها العالم العربى حين أعلن فى ٢٠٠٢ مبادرة السلام العربية التى هدفت إلى الربط بين إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان السورية وبين اعتراف العرب بالدولة العبرية والتطبيع معها.
• • •
جرت مياه كثيرة فى وديان الشرق الأوسط بين تسعينيات القرن العشرين وبين ٢٠١١ وحملت لإسرائيل حصيلة متناقضة. كان أهم ما حققت تل أبيب فى خانات نجاح سياستها الخارجية هو استقرار معاهدات السلام الثنائية بينها وبين مصر من جهة والأردن من جهة أخرى. تطورت أيضا العلاقات الاقتصادية والتجارية مع بعض الدول العربية كقطر والمغرب. أما فى باب الإخفاق، فالأخطر كان غياب التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتواصل التدخلات العسكرية والأمنية الإسرائيلية فى القدس والضفة الغربية وغزة والتورط فى حروب حدودية مع وكيل إيران فى لبنان، حزب الله.
ورتب تعثر حل الدولتين ونزوع النخب الإسرائيلية الحزبية والمؤسسية إلى استخدام الآلة العسكرية بعنف تجاه الفلسطينيين، وكذلك تجاه لبنان، شكوكا متصاعدة لدى العرب بشأن مدى جدية تل أبيب فى تحقيق السلام وتعالت الأصوات الناقدة للمفاوضات والمباحثات معها وارتفعت حتى ٢٠١١ الأسهم الإقليمية لما سمى آنذاك محور الممانعة الذى تصدرته عربيا سوريا وحركة حماس وحزب الله. كما توترت علاقات تل أبيب الجيدة تاريخيا مع أنقرة التى دوما ما كانت حريصة على التعاون الأمنى والسياسى معها. كذلك لم تنجح السياسة الإسرائيلية بين تسعينيات القرن العشرين وبين ٢٠١١ فى احتواء إيران إما بتجميد مشروعها النووى أو بالحد من مساحات الفعل الإقليمى للجمهورية الإسلامية. بل حدث العكس، فتسارع المشروع النووى لآيات الله واتسعت مساحات فعلها من لبنان وسوريا إلى قطاع غزة عبر صلات قوية مع حركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى وإلى العراق بعد الغزو الأمريكى فى ٢٠٠٣.
ولم يكن يقل خطورة عن إخفاق السياسة الإسرائيلية فى تحقيق السلام الإقليمى والاندماج مع المحيط العربى واحتواء إيران بين تسعينيات القرن العشرين وبين ٢٠١١ ما حدث داخل المجتمع الإسرائيلى ذاته من انتقال من تفضيل السلام مع الفلسطينيين وعموم العرب (خاصة فى أعقاب توقيع معاهدة أوسلو ١٩٩٣) إلى رفضه والقبول الفعلى لتحول بلدهم إلى دولة للفصل العنصرى تمارس الاضطهاد ضد الشعب الفلسطينى إما داخل حدودها المعترف دوليا بها (حدود ١٩٤٨) أو فى الأراضى المحتلة منذ ١٩٦٧ (القدس الشرقية والضفة وغزة). ولا شك أن متوالية التدخلات العسكرية العنيفة من قبل إسرائيل والأعمال العسكرية من قبل بعض الفصائل الفلسطينية والضحايا من المدنيين الذين توالى سقوطهم هنا وهناك، لا شك فى كونها أسهمت فى انسحاب أغلبية الإسرائيليين من تأييد السلام مثلما انسحبت الأغلبيات العربية قبلها.
كان ذلك هو مشهد السياسة الخارجية لإسرائيل تجاه الشرق الأوسط فى ٢٠١١ وتفاصيل تداعياته الإيجابية والسلبية كما نظر إليها من داخل الدولة العبرية. ومع التقلبات الدراماتيكية والعديدة التى تعرضت لها منطقتنا منذ ٢٠١٢، تحركت النخب الإسرائيلية باتجاه إسقاط حل الدولتين والتسوية السلمية للقضية الفلسطينية كهدفين استراتيجيين. توقفت المفاوضات بين الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وبين السلطة الفلسطينية، واقتصرت العلاقات مع الفصائل الفلسطينية فى غزة على المواجهات والعمليات العسكرية تارة وعلى اتفاقيات وقف إطلاق النار والهدنة تارة أخرى. فى المقابل، تزايد النشاط الاستيطانى فى القدس والضفة خلال السنوات الماضية واستمر حصار غزة اقتصاديا وتجاريا. اليوم، ووفقا لاستطلاعات الرأى العام، لا توجد أغلبية مؤيدة للسلام مع الفلسطينيين داخل إسرائيل وتحصل أحزاب اليمين واليسار والأحزاب الدينية على مقاعدها فى البرلمان إما بالرفض الصريح لحل الدولتين أو بالتركيز على ضرورة الإدارة البوليسية «لمناطق الفلسطينيين!».
• • •
غير أن السنوات الماضية قدمت لإسرائيل مساحات للنفاذ إلى الشرق الأوسط وتطوير دورها على الرغم من تعثر التسوية السلمية مع الفلسطينيين. كان تمدد النفوذ الإيرانى والتهديدات النابعة منه من محفزات التقارب بين إسرائيل من جهة وبين الإمارات والبحرين من جهة أخرى. كان تراجع الدور الأمريكى وتردد واشنطن فيما خص تعهداتها الأمنية تجاه الخليج وحلفائها بين العرب من محفزات انفتاح بعض الدول العربية على التعاون الأمنى والسياسى مع إسرائيل. فوقعت الإمارات والبحرين وبعدهما المغرب الاتفاقيات الإبراهيمية مع إسرائيل فى ٢٠٢٠ و٢٠٢١. كانت التقلبات الكثيرة والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية العديدة فى الشرق الأوسط من محفزات تصاعد الدمج الإقليمى لإسرائيل ومشاركتها فى سياقات تعاون مختلفة مع العرب وبتأييد من القوى الكبرى وبعيدا عن الالتفات الجاد لممارسات الفصل العنصرى فى فلسطين.
نعم، لم تزل الدبلوماسية المصرية والسعودية والأردنية على مواقفها الثابتة فيما خص أولوية حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية. بل، ولم تزل مصر على موقفها الرابط بين إبعاد المشروع النووى الإيرانى عن العسكرة وبين نزع أسلحة الدمار الشامل من الشرق الأوسط. إلا أن قطار التعاون الإقليمى مع إسرائيل، والذى تركض تركيا للحاق به، انطلق ولن يتوقف لمشروطية ترتبط بالدولة الفلسطينية المستقلة أو بوقف الاستيطان وتفتيت الأراضى الفلسطينية أو بنزع أسلحة الدمار الشامل. فاحتواء إيران والتعامل مع غياب الولايات المتحدة الأمريكية لهما الأولوية الاستراتيجية فى شرق أوسط ٢٠٢٢.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات