عملات الأسواق الناشئة.. عام كثير التداعيات - مدحت نافع - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عملات الأسواق الناشئة.. عام كثير التداعيات

نشر فى : الإثنين 2 أكتوبر 2023 - 6:35 م | آخر تحديث : الإثنين 2 أكتوبر 2023 - 6:35 م

انتقد العديد من الاقتصاديين أخيرا بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى على استمراره رفع أسعار الفائدة حتى وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 22 عاما فى يوليو الماضى. يدعم تلك الحجة حقيقة أن المزيد من تشديد السياسة النقدية سيؤدى إلى مزيد من تباطؤ الاقتصاد العالمى فى الوقت الذى تراجعت فيه معدلات التضخم إلى مستوى أقرب إلى المستهدف. بالإضافة إلى ذلك، يزعم المراقبون أن السياسة النقدية الأمريكية حققت «هبوطا ناعما» جيدا للسياسة النقدية، وهو ما يتناقض مع معظم توقعات بداية عام 2023.
من المؤكد أن «الهبوط الناعم» هو وصف مكتسب عن جدارة، لأن معدلات التضخم السنوى فى الولايات المتحدة عادت الآن إلى ما يقرب من هدف 2% (عند 3,7% فى أغسطس 2023 وكانت قد بلغت 3,2% فى يوليو السابق عليه)، بانخفاض عن الرقم القياسى المسجل منذ أكثر من 40 عاما والذى بلغ 9,1% فى يونيو 2022. على الرغم من ذلك، فقد جاء احتواء معدلات التضخم بتكلفة متواضعة؛ حيث تمكن الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى للولايات المتحدة من النمو بنسبة 2,4% (سنويا) فى الربع الثانى من عام 2023، وهو أعلى بكثير من التوقعات البالغة 1,8%، وأفضل بكثير من نمو الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى فى الربع الثانى من عام 2022، والذى سجل معدلا سلبيا قدره 0,9%.
ومع ذلك، فإن أجندة الفيدرالى الأمريكى قد تكون أكثر تأثرا بالدعوات المتزايدة للتخلى عن الدولار كعملة احتياطى وكعملة رئيسة فى التعاملات الدولية والتسويات. بدت تلك الدعوات أكثر صخبا على خلفية العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد روسيا، ومن قبلها وتحديدا منذ عام 2018 حينما بدأ الاقتصاد الأكبر فى العالم يلجأ إلى نوع من التدابير الحمائية فى التجارة والاستثمار مع الصين. الفيدرالى إذن حريص على سرعة استعادة العوائد الحقيقية الإيجابية على العملة الوطنية، ومن ثم على سندات وأذون الخزانة الأمريكية، لمواجهة أى تحركات عنيفة ضد هيمنة الدولار الأمريكى.
وقد سلطت قمة «بريكس»، التى عقدت أخيرا فى جنوب أفريقيا، الضوء على حرص أبرز أعضاء المجموعة على مواجهة التفوق الاقتصادى والمالى لدول مجموعة السبع، فضلا عن هيمنة الدولار الأمريكى. على أمل أن تلعب اقتصادات دول الجنوب الناشئة دورا أكثر أهمية فى النظام المالى العالمى الجديد، وأن تطور نظم موازية للمدفوعات والتجارة يكون أكثر اعتمادا على عملاتها الوطنية.
• • •
إن الآثار غير المباشرة الناجمة عن الصدمات الوافدة من الأسواق الأمريكية، وارتفاع شهية المخاطر عالميا، وتأثيرات ارتفاع أسعار الفائدة، والصدمات المحلية ذات الطبيعة الخاصة.. هى المحركات الرئيسة لتحركات أسعار الصرف فى الدول الناشئة. وفقا لصندوق النقد الدولى، نمت مدخرات الأسر فى غالبية الاقتصادات الناشئة فى أعقاب تفشى جائحة كوفيدــ19، واستخدمت المدخرات المحلية لتمويل العجز الداخلى للحكومات، مما أدى إلى تقليص الحاجة إلى الاقتراض الخارجى فى غالبية تلك الدول، الأمر الذى أدى، إلى جانب انخفاض الاستثمار الخاص، إلى إبقاء العجز الخارجى (عجز موازين المدفوعات) تحت السيطرة. وهذا العجز هو السبب الهيكلى الأبرز وراء انخفاض قيمة العملات الوطنية.
وجدت عملات الأسواق الناشئة نفسها فى مواجهة جائرة ضد الدولار الأمريكى (الأقوى نسبيا)، والموجات التضخمية الناجمة عن الحرب فى أوروبا، وتعافى حركة الطلب فى أعقاب عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا. سواء كانت العملات مربوطة بالدولار الأمريكى أم لا، تحاول البنوك المركزية فى جميع أنحاء العالم إبقاء عملاتها الوطنية على المسار الصحيح، من خلال مواكبة ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، والتى تتراوح حاليا بين 5,25% و5,5%، ارتفاعا من مستويات قريبة من الصفر العام الماضى.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن تراكم المزيد من الاحتياطيات الأجنبية يشكل أسلوبا دفاعيا شائعا فى مواجهة ارتفاع قيمة العملة الأمريكية. وتعمل هذه الاحتياطيات كحاجز ضد تدفقات رأس المال إلى الخارج، ورغبة الأموال الساخنة فى الحصول على أدوات دين مقومة بالدولار، تكون أقل عرضة للمخاطر وأعلى عائدا (مثل أذون الخزانة والسندات). تميل هذه التقنية إلى تعزيز الدولار بشكل أكبر، عوضا عن إضعاف مركزه وسيطرته عالميا!
وقد ارتفعت حصة معدلات دوران العملات الأجنبية فى جميع أسواق العالم، بما فى ذلك عملات الأسواق الناشئة، من أقل من 2٪ فى عام 1995 إلى أكثر من 25٪ فى عام 2019، ونتيجة لذلك، تم تداول عملات الأسواق الناشئة بشكل أوسع، مع إتمام الجانب الأكبر من المعاملات خارج أراضيها، وفى صورة مشتقات (خيارات وعقود مستقبلية). وفى حين تمتعت الاقتصادات الناشئة والنامية المصدرة للسلع الأساسية بشروط تبادل تجارى أفضل، فى ظل قوة أكبر للدولار، بدا أن الضغوط على هذه الدول أقل حدة من الضغوط التى تتعرض لها الاقتصادات المتقدمة. حتى أن البرازيل والمكسيك قد تحسنت قيمة عملتيهما مقابل العملات الرئيسة.
ومن بين أقوى العملات فى عام 2023، أدرجت «فوربس» الدينار الكويتى والبحرينى، يليهما الريال العمانى والدينار الأردنى فى المراكز الأربعة الأولى من هذه القائمة. وجميعها دول نامية، وترتبط عملاتها بالدولار الأمريكى بأسعار ثابتة (باستثناء الدينار الكويتى المرتبط بسلة عملات غير معلنة). وتعتبر العملات الأرمينية والألبانية والجورجية والمكسيكية هى الأفضل أداء بين بداية عام 2020 ويونيو 2023. وقد تمكنت تلك العملات من الارتفاع مقابل الدولار الأمريكى فى نطاق بين 24% و9%، وفقا لتقديرات FDi Intelligence. وفى الأشهر الستة الماضية كان أداء البيزو الكولومبى والمكسيكى، يليهما الريال البرازيلى والزلوتى البولندى، الأفضل بين عملات الأسواق الناشئة، من حيث إجمالى صافى صفقات المناقلة total net carry trades (الاقتراض بسعر رخيص نسبيا وإعادة الاستثمار فى وسيلة ذات عائد أعلى). وعلى الرغم من جميع الصعوبات، فإن العديد من عملات الأسواق الناشئة ظلت مرنة، ويرجع الفضل فى ذلك فى الأساس إلى الفوارق فى أسعار الفائدة التى سمحت للمستثمرين بالانخراط فى تجارة المناقلة.
ويعد الريال الإيرانى أرخص عملة فى العالم فى عام 2023، يليه الدونج الفيتنامى والليون السيراليونى. وتشمل العملات الأخرى التى كان أداؤها سيئا هذا العام البوليفار الفنزويلى، والليرة اللبنانية، والبيزو الأرجنتينى، والليرة التركية. لقد فقدت تلك العملات ما بين 100% و75% من قيمتها بين عامى 2020 وحتى يونيو 2023. وإذا أضفنا أسعار الصرف فى السوق الموازية، فإن الجنيه المصرى والليرة اللبنانية هما من بين أسوأ العملات أداء خلال تلك الفترة.
• • •
بصرف النظر عن حقيقة أن العملة الضعيفة نسبيا تجعل المستهلكين المحليين أكثر فقرا، فإنها يمكن أن تسبب أيضا توترات مع الشركاء التجاريين للدولة. فالحكومة التى تتعمد الإبقاء على عملتها مقومة بسعر صرف أقل مما ينبغى، تحصل على ميزة تنافسية غير متكافئة وغير عادلة، وينتقد شركاؤها التجاريون سعر صرف عملتها، لأنه مقوم بأقل من قيمته عن عمد. وكان هذا دائما هو السبب الأبرز وراء العلاقة النقدية المعقدة بين الولايات المتحدة والصين.
من ناحية أخرى، عندما تتسبب نقاط الضعف الأساسية فى الاقتصاد الوطنى فى انخفاض قيمة العملة، لا يستطيع أحد التنبؤ بأدنى نقطة قد تصل إليها هذه العملة. وبالتالى، سيستمر التضخم فى معاقبة جميع السكان حتى يتم استعادة التوازن. وفى معظم الحالات، يأتى مثل هذا التوازن المطلوب مصحوبا بفاتورة سياسية واجتماعية باهظة.
ويشير استطلاع للرأى أجرته وكالة «رويترز» أخيرا، إلى أن معظم عملات الأسواق الناشئة سوف تتمسك بمكاسبها فى العام المقبل، شريطة أن تحافظ بنوكها المركزية على أسعار الفائدة مرتفعة، مما يعزز من تنافسيتها أمام عملات الدول المتقدمة.
ومن المتوقع أن تحافظ معظم العملات التى شملتها الدراسة، بما فى ذلك البات التايلندى والروبية الهندية والراند الجنوب أفريقى، على مكاسبها الحالية بحلول نهاية العام. ومن المتوقع أيضا أن تظل عملات أمريكا اللاتينية قوية إلى حد معقول فى الأشهر التالية، حيث يحظى الريال البرازيلى بدعم من تحسن الآفاق الاقتصادية والإصلاحات المالية، فى حين يستفيد البيزو المكسيكى من تدفقات رأس المال الأجنبى التى تتحول من الصين. وعلى الرغم من قيام البنك المركزى بتخفيض أسعار الفائدة قبل بضعة أسابيع فقط، فمن المرجح أن يرتفع اليوان الصينى بنسبة 3,5٪ إلى 7 دولارات أمريكية فى ستة أشهر.
تتمتع عملات الأسواق الناشئة بالقدرة على الاستمرار فى توفير عوائد إجمالية جيدة للمتعاملين عليها فى أسواق العملات. ومع سير الاقتصادات المتقدمة على مسار نمو بطىء غير انكماشى، تقترب البنوك المركزية الكبرى من نهاية دورة تشديد سياساتها النقدية، لذا فإن أى تخفيض فى أسعار الفائدة فى الاقتصادات الناشئة من المرجح أن يكون حكيما وبطيئا، بحيث يحافظ على فارق مناسب فى أسعار الفائدة بالمقارنة بمعدلات الفائدة السائدة فى الدول المتقدمة. بالتالى، فإن العودة إلى معدلات الفائدة الطبيعية يجب أن يسبقها الكثير من تدابير الحد من الانكشاف الخارجى وتخفيض الاعتماد على تدفقات الأموال الساخنة من الخارج لصالح جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات