هل تتغير المعادلة السياسية فى العراق؟ - محمد مجاهد الزيات - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تتغير المعادلة السياسية فى العراق؟

نشر فى : الأربعاء 3 فبراير 2010 - 10:02 ص | آخر تحديث : الأربعاء 3 فبراير 2010 - 10:02 ص

 يتزايد الحراك السياسى فى العراق حاليا بصورة ملحوظة، وذلك ارتباطا بالانسحاب الأمريكى المتوقع، والاستعداد للانتخابات البرلمانية المقبلة، ويطرح هذا الحراك وما صاحبه من تفاعل سياسى، مؤشرات توحى بتغيير فى المعادلة السياسية، وطبيعة النظام السياسى، الذى تبلور مع الاحتلال الأمريكى للعراق، وفى إطار استيضاح خريطة هذا الحراك السياسى، فقد لوحظ أنه اتخذ عدة محاور أساسية، المحور الأول عبّرت عنه تحركات المجلس الأعلى الإسلامى بزعامة عمّار الحكيم، التى تركزت بصورة أساسية على صياغة ائتلاف شيعى موسع يسعى للفوز بالأغلبية فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، بما يسمح له منفردا بتشكيل الحكومة العراقية القادمة، وقد قامت إيران بدور كبير فى دعم هذا الائتلاف، أدى إلى اندماج التيار الصدرى المختلف مع المجلس الأعلى فى هذا الائتلاف، إلى جانب حزب الفضيلة وتيار الجعفرى ــ رئيس الوزراء السابق ــ وحزب الدعوة تنظيم العراق، كما مارست طهران ولاتزال ضغوطا على التحالف الذى يتزعمه رئيس الوزراء المالكى للدخول فى هذا الائتلاف، إلا أن إصراره على الحصول على منصب رئيس الحكومة القادمة وبعض المناصب الرئيسية لأنصاره، لايزال يعوق ذلك.

وتمثل التحركات الكردية المحور الثانى فى هذا الحراك، حيث نجح التحالف الكردى فى صياغة موقف موحد للتعامل مع حكومة بغداد والتطورات التى تجرى داخل العراق، وذلك بالتحرك على عدة مستويات أولها: استيعاب الخلاف المتصاعد بين حزب الاتحاد الوطنى الكردستانى الذى يتزعمه الرئيس جلال طالبانى، وجبهة التغيير المنافسة له، والتى انفصلت عنه برئاسة نائبه نوشيروان مصطفى، وقام رئيس الإقليم بدور كبير على هذا المستوى فضلا عن إدراك القادة الأكراد لطبيعة التوجه الإيرانى الحالى فى العراق، فبادر وفد برئاسة برهم صالح ــ رئيس حكومة الإقليم ــ بزيارة طهران لطمأنتها بتوافق الأكراد معها ولاستثمار ذلك فى التعامل مع الأحزاب ذات الصلة بها داخل العراق، ولاشك أن التحالف الكردى أصبح يمثل حاليا رمانة الميزان فى النظام السياسى العراقى، ويتعامل مع القوى السياسية العراقية انطلاقا من هذه الحقيقة، فقد سعى عمار الحكيم لصياغة نوع من التنسيق معه لتحقيق أغلبية برلمانية تنفرد بالحكم مستقبلا، كما بادر المالكى بتقديم تنازلات فيما يتعلق بمطالبات الأكراد والخاصة بالميزانية، وتسيير دوريات عسكرية تشارك فيها قوات كردية فى المناطق المتنازع عليها، بل إنه بادر بتقديم منحة مالية إضافية لميزانية الإقليم، على أمل أن يتمكن من التأثير على تنسيق الأكراد مع الائتلاف الذى يتزعمه المجلس الأعلى، كما جاء الموقف الكردى من قرارات هيئة العدالة والمساءلة لافتا، حيث رفضها الرئيس جلال طالبانى وطلب رأى المحكمة الاتحادية وهو ما أكسبه نوعا من القبول فى أوساط شعبية سنية، الأمر الذى يسهم فى تحقيق مزيد من الحضور الكردى على اتساع العملية السياسية فى العراق فى النهاية.

المحور الثالث لهذا الحراك عبرت عنه الكتلة العراقية التى تزعمها رئيس الوزراء السابق أياد علاوى، والتى نجحت فى تشكيل كيان يضم قوى سياسية شيعية وسنية وتنتشر فى بغداد وغرب العراق والبصرة وبعض مناطق محافظات الوسط والجنوب، وكذلك ضمت كيانات تمتلك التأثير القوى فى محافظات الموصل (قائمة الحدباء) وديالى وصلاح الدين، ويحظى هذا الكيان بدعم من قطاعات شعبية وعشائرية سنية وشيعية، وهو ما أزعج القوى المرتبطة بإيران بدرجة كبيرة، فجاء قرار هيئة العدالة والمساءلة التى منعت عددا من أبرز قياداتها من المشاركة فى الانتخابات، وإن كان هذا الكيان لايزال يملك القدرة على تحقيق مكاسب ملموسة فى الانتخابات المقبلة.

المحور الرابع للحراك الجارى فى العراق يتعلق بقوى المقاومة السنية العراقية التى تعبر عنها كيانات ضمت هذه الفصائل، والتى أجهضت الأحزاب الموالية لإيران جهود المصالحة التى استهدفت دمجها فى العملية السياسية، وفشلت جهود واشنطن وأنقرة ودمشق الخاصة بذلك، فى الوقت التى تسعى فيه الحكومة العراقية والأحزاب الشيعية الكبرى لدمج كتائب عصائب أهل الحق الجناح المتطرف المنفصل عن التيار الصدرى والوثيقة الصلة بالمخابرات الإيرانية فى العملية السياسية، وهو ما دفع فصائل المقاومة السنية على اختلافها، لرفض المشاركة فى العملية الانتخابية المقبلة حتى لا تكون قياداتها هدفا للاعتقال، خاصة أن المناخ السائد حاليا لن يسمح لها بإنشاء أى كيان سياسى مستقل يعبر عنها، وهو ما زاد من حدة الاحتقان بينها وبين مؤسسات النظام وأتاح مجالا أوسع لحركة تنظيم القاعدة فى العراق الذى قام بعمليات إرهابية متعددة خلال الفترة الأخيرة.

ولا شك أن مجمل محاور الحراك والتفاعل السياسى الحالى مع العراق يكشف عن عدد من الحقائق التى من أهمها ما يلى:

أنه رغم تراجع عمليات العنف المسلح المستندة إلى أبعاد مذهبية وطائفية، إلا أن التحركات السياسية الأخيرة تستند فى جوهرها لدوافع وطموحات مذهبية ضيقة خاصة من جانب الأحزاب الشيعية الكبرى التى ترفض تحقيق مصالحة وطنية تكفل مشاركة أوسع للسنة، وتحرص على استمرار الإطار الدينى للنظام، ولا شك أن ما قامت به هيئة العدالة والمساءلة، والتى يتشابه دورها مع مجلس صيانة الدستور فى النظام الإيرانى تعنى تراجعا عن التطور الديمقراطى وعملية التداول السلمى للسلطة الذى كان مأمولا فى العراق.

إن الصراع الأمريكى ــ الإيرانى تتزايد تأثيراته وانعكاساته داخل العراق، وتسعى الدولتين لترتيب الأوضاع بما يكفل استمرار التأثير على الأوضاع، ومن الواضح حرص إيران على تهيئة الظروف بما يكفل لها القدرة على تحريك الأحداث بصورة أكبر بعد الانسحاب الأمريكى، من خلال تقنين هيمنة القوى الموالية لها على الأوضاع ومحاصرة القوى المعارضة لذلك أو التى لها صلات بدول جوار أخرى، ولا شك أن إجهاض الأحزاب الموالية لها لعملية المصالحة، خاصة مع فصائل المقاومة السنية، قد استهدفت فى جانب منها، محاصرة الدور التركى فى العراق الذى تتحسب منه، إلى جانب سعيها للتأثير على نفوذ الولايات المتحدة واستفادتها من عملية المصالحة لتغيير طبيعة المعادلة السياسة فى العراق بما يتوافق مع مصالحها، كما أنه أصبح واضحا تراجع الدور الأمريكى فيما يتعلق بتوجيه العملية السياسية فى العراق، وتحديد مسارات الحركة، ومن أهم المؤشرات على ذلك عدم قدرة واشنطن حتى الآن على حل الأزمة بين الكرد والحكومة المركزية فيما بتعلق بكركوك والمناطق المتنازع عليها، واحتاجت الولايات المتحدة إلى تقديم ضمانات من الرئيس الأمريكى إلى رئيس إقليم كردستان حول تحقيق مطالبهم مقابل تمرير قانون الانتخابات الأخير، كما ضغطت الولايات المتحدة من أجل الوصول إلى صيغة وسط حول الوجود العسكرى فى تلك المناطق المتنازع عليها تتضمن وجود قوات ثلاثية (الجيش العراقى / قوات أمريكية / البشمركة الكردية) دون ترجيح لموقف أى من الطرفين سواء الحكومة المركزية أو إقليم كردستان، الأمر الذى يعنى أن الاستراتيجية الأمريكية فى الوقت الحالى تستهدف توفير المناخ اللازم لانسحاب آمن من خلال تسكين الخلافات وعدم الاهتمام بحلها بالضرورة، وقد تجلى ذلك بوضوح خلال احتلال قوات إيرانية لحقل الفكه دون تدخل من القوات الأمريكية المتمركزة قريبا من الموقع، ولاتزال تتولى مسئولية تأمين العراق ضد أى قوى خارجية، وهو ما أثار الكثير من علامات الاستفهام، وحول ما إذا كان ذلك يدخل ضمن إطار المساومات والتعامل الأمريكى ــ الإيرانى.

ومن الملاحظ أيضا أن اعتماد واشنطن على الأكراد سوف يتزايد خلال الفترة المقبلة للتأثير على المعادلة السياسية فى العراق، وتعكس الزيارة الأخيرة لرئيس إقليم كردستان العراق إلى واشنطن والحفاوة التى استقبل بها من الإدارة الأمريكية والرئيس أوباما ذلك بوضوح.

وفى التقدير أن خريطة الحراك السياسى فى العراق تتجه إلى مزيد من هيمنة الأحزاب الشيعية الكبرى، التى سوف تسعى للتنسيق مع التحالف الكردى، وأن المجلس الأعلى الإسلامى سوف يستعيد نفوذه الذى تراجع مؤخرا على حساب تحالف رئيس الوزراء المالكى وأن ذلك سوف يكون على حساب مشاركة السنة فى العملية السياسية، وهو ما يحمل معه مؤشرات على تراجع حجم الاستقرار والأمن خلال المرحلة المقبلة.

محمد مجاهد الزيات مستشار أكاديمى فى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
التعليقات