رهانات صعبة: هل تحققت المُصالحة الخليجية؟ - محمد مجاهد الزيات - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رهانات صعبة: هل تحققت المُصالحة الخليجية؟

نشر فى : الخميس 7 يناير 2021 - 8:45 م | آخر تحديث : الخميس 7 يناير 2021 - 10:43 م

أثمرت الوساطات الدولية والإقليمية الضاغطة على دول التحالف الرباعى ــ السعودية والإمارات والبحرين ومصر ــ عن إنجاز الإطار الإجرائى للمصالحة مع قطر كخريطة طريق لإنهاء المقاطعة التى بدأت عام 2017، وكانت الدول الأربعة قد حددت ثلاثة عشر شرطا لتغيير موقفها من قطر واعتبرتها ضرورية لتحقيق المصالحة وعودة العلاقات الطبيعية. وشهد العام الماضى بصفة خاصة إصرارا من الدول الأربعة على موقفها وعدم تقديم تنازلات فيما يتعلق بهذه الشروط، وطوال العام الماضى توالت التحركات سواء الخليجية أو الأمريكية لإلغاء المقاطعة وإعادة العلاقات بين دول التحالف الرباعى وقطر، ونشرنا فى مقال سابق، أن جهود الوساطة على هذا المستوى اختلفت دوافعها وأهدافها بين الأطراف الخليجية والولايات المتحدة الأمريكية.

الوساطة الأمريكية: أهداف وظيفية
تعددت التحركات الأمريكية والاتصالات على أعلى المستويات مع المسئولين فى دول التحالف الرباعى لوقف المقاطعة وإعادة العلاقات مع قطر، وأجرت شخصيات أمريكية لها وزنها مثل جاريد كوشنر كبير مستشارى الرئيس الأمريكى مباحثات مكثفة لهذا الغرض، كما مارست الولايات المتحدة ضغوطا مكثفة على أطراف التحالف وتم التلويح بإعادة فتح ملفات كان ترامب حريصا على ألا تُفتح وتحمل تهديدا لبعض دول التحالف لتحقيق الهدف من المصالحة. ورغم ما أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية من ضرورة توحيد الصف الخليجى لمواجهة الخطر الإيرانى وعدم ترك قطر تحت السيطرة الإيرانية وهو أمر لا يتفق مع طبيعة الاستراتيجية الأمريكية الحقيقية فى المنطقة خاصة بالنظر إلى ما يلى:

1ــ العلاقات الإيرانية ــ القطرية تتم برضا أمريكى ودون اعتراض واضح لأهداف مستترة شأنها فى ذلك شأن العلاقات بين سلطنة عمان وإيران والتى لم تشهد انتقادات حادة أمريكية خلال العام الماضى، وعلى اعتبار أن كلا منهما يقوم بأدوار وساطة عند الضرورة تخدم المصالح الأمريكية.
2ــ إن الهدف الأساسى للتحرك الأمريكى على هذا المستوى هو توفير مناخ وأرضية مناسبة لشراكة استراتيجية خليجية إسرائيلية تندمج فيها إسرائيل ضمن تحالف إقليمى كانت تسعى إليه الولايات المتحدة منذ سنوات وتجعل من الخطر الإيرانى هدفا رئيسيا لهذا التحالف استكمالا للضغوط القصوى التى مارستها الإدارة الأمريكية على إيران.

وفى تقديرى أن من ضمن الأهداف الأمريكية على هذا المستوى التأثير على طبيعة التحالف الرباعى الذى يحد من فكرة الاندماج الإقليمى لإسرائيل ويعوض ضعف جامعة الدول العربية وعجزها عن القيام بدور كبير فى ظل المواقف المتناقضة لدول التأثير داخلها. كما أنه رغم الضغوط والعداء الأمريكى للنظام الإيرانى إلا أن كثيرا من المراقبين يرون أن الهدف الاستراتيجى الأمريكى ليس إسقاط النظام الإيرانى وتكرار تجربة العراق لاختلاف طبيعة البلدين والمناخ السائد حاليا فى الإقليم والعالم والتداعيات السلبية المترتبة على ذلك، ولكن تغيير اتجاهات هذا النظام وقطع أذرعه مع استثمار ذلك فى توظيفه لتحقيق الاستراتيجية الأمريكية، كما أن هناك حرصا على أن تبقى إيران ممثلة للمذهب الشيعى باقية للتوافق مع طروحات المفكرين الأمريكيين بأن الخطر الإسلامى على الحضارة الغربية يمكن مواجهته باستمرار الانقسام المذهبى ــ شيعى سنى ــ واستثمار الإسلام السياسى السنى لتنفيذ أهداف السيطرة الأمريكية فى النهاية.

الوساطة الخليجية: تكتيك الانفتاح المحسوب
تصدرت الكويت جهود الوساطة مدعومة من سلطنة عمان وعقدت لقاءات مكثفة بين كبار المسئولين فى البلدين مع كل من أمير قطر والمسئولين فى السعودية بصفة خاصة، وركزت هذه الوساطة على تحقيق خطوة انفتاح أولية يمكن أن ترتب نوعا من الثقة وتحسين العلاقات على أن تستثمر لاحقا فى مناقشة القضايا الخلافية، وبدا نوع من إرجاء التفاهم مع مصر لمرحلة لاحقة، وأكدت مصادر خليجية فى ذلك الوقت أن هناك انفتاحا سعوديا واضحا على تلك الوساطة، وأكدت فى نفس الوقت أن هناك تحفظات لدولة الإمارات والبحرين ومصر عليها، وتبلورت خشية لدى أطراف الوساطة من أن يحدث انقسام خليجى، إلا أن الدول الثلاثة حرصت على إعطاء فرصة للسعودية لقيادة التفاوض مع قطر تحقيقا لتلك المطالب بصورة أساسية.

«إعلان العُلا»: انفراجة أولية
صدر إعلان العلا بعد اجتماعات القمة الخليجية متضمنا الاتفاق على إعادة العلاقات السياسية بين السعودية وقطر وفيما يتعلق بهذا الإعلان نشير للملاحظات التالية:

أنه جرى العرف على أن يتم إعداد البيانات التى تصدر عن اجتماعات رسمية قبل الجلوس إلى مائدة الاجتماع، إلا أن تأخير إصدار البيان وغموض ما ورد فيه يؤكد أن هناك خلافات حتى اللحظة الأخيرة، وأنه جرى البحث عن صياغات عامة لا تُحمل طرفا المسئولية ولا تحدد بالقطع ما تم تحقيقه وإلزام الأطراف به.

تصريحات وزير الخارجية السعودى والتى ركزت فى الأساس على أن استعادة العلاقات مع قطر يفتح صفحة جديدة لتحقيق أمن واستقرار المنطقة قد تضمنت أيضا تضامن الأطراف فى عدم المساس بسيادة أية منها ووقوفها التام فيما يخل بالأمن الوطنى والإقليمى ومواجهة الكيانات الإرهابية وهى صياغة عامة لكنها تشير إلى بعض الشروط التى طالبت دول التحالف بتطبيقها.

الثابت هنا أن الأطراف المعنية توصلت إلى هذه الصياغة لتحقيق الانفراجة من خلال فتح المجالات الجوية وتفويض السعودية فى استكمال التفاوض مع قطر لمحاولة وضع قواعد عدم التدخل والاتفاق على القضايا التى تمسنا جميعا بما فى ذلك التطرف والإرهاب واعتبار أن ذلك جزء لا يتجزأ من الاتفاق. والثابت أيضا أنه لا تزال هناك تحفظات لكل من الإمارات والبحرين ومصر وأن البيانات التى صدرت من الدول الثلاثة بهذا الخصوص حرصت على تأكيد دعم كل ما يحقق الأمن القومى العربى دون إشارات واضحة لتغير فى علاقاتها مع قطر وانتظار ما يسفر عنه الدور السعودى لاحقا. علاوة على غموض الموقف القطرى وعدم صدور بيان قطرى يتناول ما تم مناقشته وتفاصيل الاتفاق. كما تناولته المصادر الإعلامية الخليجية خاصة الإماراتية والبحرينية بنوع من التحفظ.

ماذا بعد؟
المصالحة إذن مهدت الطريق لتحقيق انفراجة جزئية يمكن أن يُبنى عليها إذا صدقت النوايا القطرية، وإذا تم تنفيذ مطالب مهمة للدول الثلاثة. وفى التقدير أن القيادة السعودية رأت أن الانفتاح على قطر– وهو ما تحقق سريعا ومفاجئا لكل المراقبين ــ يمكن أن يساهم فى تحقيق الوصول إلى تفاهمات على هذا المستوى، يكون قد تم التوافق مع الضغوط التى مُورست عليها وصياغة موقف خليجى متماسك يواجه التطورات القادمة فى منطقة الخليج والتعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة التى لا تختلف مع جوهر الاستراتيجية الأمريكية السابقة فيما يتعلق بالاندماج الإقليمى لإسرائيل.

وسوف يرتهن تحقيق إنجازات فعلية خلال الفترة القادمة على ما تبديه قطر من تجاوب خاصة فيما يتعلق بتحركاتها الإقليمية التى تمس الأمن القومى المباشر بصفة خاصة لكل من مصر والبحرين وتبنيها لتنظيم الإخوان المسلمين ورعايتها لمنابره الإعلامية، خاصة أن هذه قضية لا تمس مصر وحدها ولكن الدول الخليجية بما فيها السعودية التى أعلنت أنه تنظيم إرهابى.

ويبقى أن هذه المصالحة التى أكدت القيادات الخليجية أنها إعادة التماسك لمجلس التعاون الخليجى محدودة التأثير؛ حيث إن المجلس يعانى من ضعف واضح لمنظمة إقليمية كان لدى مؤسسيها طموحات كبيرة، إلا أن تناقض مواقف بعض الدول داخلها فى المدى التى يمكن أن تصل إليها هذه الصيغة تجعل من تحقيق إنجازات كبيرة على هذا المستوى رهينة بتغير مواقف تلك الدول وقبولها لمزيد من التنسيق، خاصة فى ظل مناخ دولى يتناقض مع صيغة التحالفات الجماعية وسياسة أمريكية تفرض أبعادا أخرى لمثل هذه الصيغة.

محمد مجاهد الزيات مستشار أكاديمى فى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
التعليقات