مصر تتجه لاستيراد العمالة - عمرو عبدالقوى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر تتجه لاستيراد العمالة

نشر فى : الإثنين 3 أكتوبر 2016 - 11:05 م | آخر تحديث : الإثنين 3 أكتوبر 2016 - 11:05 م
هذا السؤال طرحه الأستاذ عماد الدين حسين فى عموده بجريدة الشروق يوم ١٢ سبتمبر الماضى، الذى ناقش فيه لجوء الصناعة المصرية إلى استيراد العمالة المؤهلة من الخارج، فى ظل وجود نسب بطالة عالية جدا.

هذه هى الحقيقة المرة والتى يجب أن نواجهها بشىء من الصراحة. فكلمة السر هنا هى «المؤهلة»، فالعمالة المصرية تتخرج فى منظومة التأهيل (والتى نسميها بالتعليم) غير مؤهلة لتلبية احتياجات السوق المعاصر، لا على المستوى الفنى أو حتى على المستوى الإدارى، وهذه الحقيقة لا يختلف عليها اثنان فى أية مؤسسة مصرية تحاول سد احتياجاتها من وظائف شاغرة على جميع المستويات. وعندما تقبل هذه المؤسسات بالمتاح تواجه سلوكا غير احترافى لا يساهم فى الاستدامة أو الترقى والنمو.

هناك بعدان للمشكلة، أولهما هو فشل المنظومة على جميع المستويات فى تخريج شباب مؤهل فنيا ومعنويا لتلبية احتياجات السوق المعاصر. أما البعد الآخر فيخص جانب العمل الفنى أو المهنى، حيث أصبح المجتمع ينظر له نظرة فوقية حتى أصبحت كلمة «صنايعى» تشير لمكانة مجتمعية متدنية، وبالتالى فلا عجب أن يعزف الشباب عن العمل المهنى باحثا عن الاحترام المجتمعى فى وظائف إدارية أو فى التسويق أو فى المشاريع الخاصة كالتوك توك وما شابهه. فنجد إعلانات الوظائف الشاغرة كثيرة لا تلبى احتياجات السوق، ونجد فى المقابل الشباب العاطل كثيرين بلا عمل!

لقد اعتدنا أخيرا أن نشتكى من أننا شعب أصبح كسولا لا يريد أن يعمل.

واعتدنا أيضا أن نشتكى بأن الحكومة لا تقوم بدورها فى إصلاح المنظومة، مع أنها تعلن كل عام عن مبادرات عظيمة لتطوير منظومة التعليم، بل وفى بعض الأحيان يتفاخر الوزير المسئول بتصدير خبراتنا فى التطوير إلى بلاد أخرى!

***

وحتى لا يتحول هذا المقال إلى نموذج آخر للشكوى والاستعجاب لماذا لا نفعل ولا تفعل الحكومة ما نعرف أنه السليم والبديهى، دعونا نناقش الموضوع بفرض بعض الافتراضات: أولهم أن الشعب ليس المشكلة، فشعوب العالم تدار من خلال منظومات إدارة «ديمقراطية كانت أو سلطوية» هى المسئول الأول عن إدارة شئون هذه الشعوب، وبالتالى فهى المسئولة عن فشل أو نجاح شعوبها. فالسبب الأساسى لحصول بعض الدول على ميداليات أوليمبية كثيرة هو وجود منظومة إعداد جيدة وطويلة الأمد، وليس وجود مواهب كثيرة فى الشعوب لا توجد فى شعوب أخرى!

الافتراض الثانى هو أن فى وضعنا الحالى وللأسف، لا يمكننا توقع أى حلول مستدامة من «الحكومة»، أو هذا الكائن الهولامى الكهل الذى تعودنا أن نوكل إليه جميع مشاكلنا ونلومه لعدم تلبيتها! فحتى رئيس الجمهورية أصبح يوكل مشاريعه إلى القوات المسلحة إذا ما أراد لها أن تنفذ.

إذا لم يكن الحل سيبدأ من الشعب وإذا كانت الحكومة غير قادرة، فكيف نحل مشاكلنا ومن سيحلها؟

ليس هناك بديل لأرباب الأعمال، فالعمالة المؤهلة جزء من منظومة اقتصادية متكاملة، فالشركات مؤسسات إنتاجية تعتمد على وسائل إنتاج متعددة على رأسها الموارد البشرية، فكما تستثمر فى تطويرها تجنى منها الأرباح. وكما اعترفنا بعدم قدرة الحكومات الحالية على التغيير النوعى يجب أن نعترف أيضا بأن المؤسسات المصرية هى الأخرى مقصرة، فقد أمضت العقود الفائتة تتهرب من مسئولياتها فى الاستثمار فى تنمية الموارد البشرية كما تستثمر فى معدات وسبل الإنتاج الأخرى، متكلة فى ذلك على أن هذه مسئولية الحكومة.

الوضع الآن تغير فقد وصلنا إلى نهاية الطريق فقد فقدنا قدرتنا التنافسية فى سوق شرس ولا يرحم، وبعد أن كنا نستورد معدات الإنتاج، أصبحنا نستورد المواد الأولية، والآن نتجه لاستيراد الموارد البشرية، كيف ومن أين وبمن ستصبح مصر «اد الدنيا»؟

***

ولقد قرأ هذه الصورة العديد من أرباب الأعمال الذين ينظرون بذكاء إلى المستقبل، فليس جميعهم أصحاب فكر انتهازى يسعى للمكسب السريع كما يحلو لكثير من الإعلاميين تصويرهم. قرأوا أن الحل المستدام لن يكون فى استيراد العمالة الفنية، بل يجب أن يكون فى إعادة بناء قاعدة جديدة لعمالة فنية مصرية مؤهلة للمنافسة على المستوى الدولى، فبدونهم لن تستطيع الصناعة المصرية مقاومة الفناء.

والتحدى هنا يكمن فى كلمة «إعادة بناء» وليس «إصلاح»، فتجارب الإصلاح من خلال المنظومة القائمة كالمدارس الفنية ومراكز التدريب المهنى الحكومية كالكفاية الإنتاجية تكاد لا تحصر واستهلكت الملايين من دولارات المنح الدولية وجنيهات رجال الأعمال، إلا أنه لم ينتج عنه إصلاح يُذكر.

إعادة البناء هى السبيل المنطقى الوحيد الذى يمكن أن يكون له تبرير اقتصادى مقبول من المؤسسات العاملة فى اقتصاد السوق الحر. وهنا نجد العديد من التجارب الواعدة التى بدأ فى تبنيها العديد من الموسسات وأرباب الأعمال، بعضها يهدف لحل المشكلات الخاصة بالمؤسسة والبعض الآخر يهدف لأن يكون جزءا من الحل الأكبر. أذكر فى هذا المجال التجربة الرائدة التى تبنتها مجموعة سامى سعد الصناعية التى احتفلت بمضى خمسون سنة لها فى السوق المصرية بالاستثمار فى إنشاء وتطوير منظومة تأهيل فنى جديدة فى شكل أكاديمية وطنية للعلوم والمهارات تقوم على تفعيل شراكات بين كبرى الشركات الدولية والمحلية فى كل مجال صناعى للتشارك فى اعتماد سمة تجارية جديدة لفنى محترف مؤهل للمنافسة دوليا قادر على تغيير المفهوم التقليدى «للصنايعى» الذى فقد قيمته السوقية محليا ودوليا.

كما أذكر أيضا تجارب مجموعة بشارة الصناعية التى قررت تبنى مدرسة فنية من وزارة التربية والتعليم، لتربط عملية تأهيل الطلبة بالمنظومة الصناعية داخل مصانعها وتلبى بالخريجين احتياج تلك المصانع، إلى جانب المصانع المنافسة الأخرى.
وهناك أيضا تجارب مجموعة السويدى الصناعية التى أنشأت مدرسة داخل المصنع للتعليم المزدوج، كمحور موازٍ لأكاديمية تأهيل مهنى متطورة على مستوى كبير ودولى.

هناك كذلك أكاديمية غبور التى طورتها المجموعة بالتعاون مع معهد كندى، لرفع كفاءة الخمسة آلاف موظف وعامل بشركات المجموعة.

كما استثمرت أخيرا جمعية رجال أعمال الإسكندرية فى مشروع مماثل، لإنشاء وتطوير مركز تأهيل مهنى متطور، ليكون همزة وصل أخرى فى هذه المنظومة الجديدة، لإعادة بناء الفنى المصرى المحترف، فهو السبيل الوحيد لصناعة مصرية منافسة.

***
الطموحات يجب أن تتناسب مع مستوى التحديات، والتحديات أصبحت على مستوى الحياة أو الموت. لا مجال هنا للطموحات المتواضعة والتى نحاول بيعها للشباب «بشىء من السذاجة» «تعالى اتعلم صنعة عشان تلاقى شغلانة!» هذا العرض «مبيبعش» مع الشباب لأنه ببساطة لا يخاطب تطلعاته وطموحاته والتى لها اليوم أسقف أعلى بكثير لأنها تحوم فى فضاء دولى أوسع بكثير.

هذه هى القراءة التى قرأتها تلك المؤسسات ولهذا بدأوا فى عملية إعادة بناء لمنظومة جديدة تفترض قدرة وحق كل شاب مصرى على المنافسة دوليا، وأن أى حل مستدام لن ينجح بسلب هذه الحقوق من هؤلاء الشباب تحت مسمى هذه مسئولية الحكومة ولأنها حكومة فهى أدرى بالحل الأمثل لشعبها. المنظومة الجديدة تبنى على مبادئ المصالح المشتركة، فالمؤسسات ستجنى أرباحا أكبر وتنافسية أقوى كلما مكنت العاملين بها من بناء تنافسيتهم وأرباحهم الشخصية.
المؤسسات التى تصر على تجاهل هذه الحقيقة تتحمل مسئولية فشلها، أما الدولة التى تريد أن تنافس «الدنيا» فلا سبيل لها لذلك بدون تبدية أعمال بناء الإنسان على أعمال بناء الخرسانات.
عمرو عبدالقوى أستاذ العمارة بالجامعة الامريكية بالقاهرة
التعليقات