الخوف على فلسطين.. نتيجة الخوف من فلسطين! - طلال سلمان - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخوف على فلسطين.. نتيجة الخوف من فلسطين!

نشر فى : الثلاثاء 4 سبتمبر 2018 - 10:10 م | آخر تحديث : الثلاثاء 4 سبتمبر 2018 - 10:10 م

لكأنه قدر مكتوب على الشعب الفلسطينى أن تعيش أجياله حربا مفتوحة من أجل حقهم فى وطنهم حرا مستقلا، وأن يعيشوا فيه بكرامة كما سائر شعوب الأرض...
مع نهاية الحرب العالمية الأولى وتقاسم بريطانيا وفرنسا أقطار المشرق العربى بعد إلحاق الهزيمة بتركيا، المتحالفة مع ألمانيا.
.. ومع استذكار البريطانيين وعد بلفور (الذى أعطاه من لا يملك لمن لا يستحق) بأن تقوم دولة لليهود على أرض فلسطين، فتح الغرب ــ والشرق ــ أبواب الهجرة أمام يهودهم ليصيروا «مواطنين» فيما سيكون، مستقبلا، «دولة إسرائيل».
ولقد خاض الفلسطينيون انتفاضات شعبية عارمة بلغت ذروتها مع « ثورة 1936» ضد الاحتلال البريطانى كما ضد الاستيطان اليهودى فى أرضهم.. وهناك روايات بوقائع دامغة عن اندفاع بعض أثرياء «العرب» من خارج فلسطين إلى بيع أملاكهم فيها إلى شركات أو مؤسسات يهودية بتسميات «بريئة» لحساب اليهود، ضمن خطة تبرر ــ لاحقا ــ الادعاء بأن «أبناء صهيون» إنما يستعيدون «أرضهم التاريخية»!
حاول الفلسطينيون مواجهة هذا المخطط بتحريم بيع الأرض، ثم باشروا مواجهة المستوطنين اليهود (ومعهم الجنود البريطانيون) بالسلاح القليل الذى يملكونه، أو الذين استطاعوا شراءه، بأسعار مضاعفة، من بعض «أهلهم» العرب، لكن التفوق الإسرائيلى، فى ظل الرعاية البريطانية والدعم الدولى، كان حاسما.. وهكذا أقيمت «دولة إسرائيل» بالقوة على أرض فلسطين – خلافا لكل دول الأرض – بقرار دولى كان أول من صوّت إلى جانبه الاتحاد السوفيتى وتبعته الولايات المتحدة الأمريكية ثم سائر الدول!
هذا لا ينفى أن بعض الدول العربية قد دفعت بأعداد من جنودها إلى الحرب، وأولها مصرــ ومعها سوريا ــ وأن مئات أو ربما آلافا من المتطوعين العرب قد قصدوا إلى فلسطين فقاتلوا تحت قيادة فوزى القاوقجى، لكن المعركة كانت محسومة النتائج سلفا، خصوصا وأن جيشا كاملا، بدباباته وطائراته وجنوده المدربين فى جيوش «الحلفاء» خلال الحرب العالمية الثانية قد وصل جاهزا للقتال تحت قيادة عسكرية ــ سياسية تمثلت بعصابتى شتيرن والهاغاناه فى الداخل الفلسطينى..
***
كانت الدول العربية، بمجملها، حديثة الولادة، وهى لم تتخلص بعد من القوات الأجنبية (البريطانيين) فى بعض القواعد عند قناة السويس وفى القاهرة وأنحاء أخرى من مصر.. وكذلك فى الأردن ــ الذى اقتطعت بريطانيا «إمارته» من أرض سوريا لتكون دولة للأمير عبدالله بن الحسين، الهاشمى، ونجل مطلق الرصاصة الأولى فيما سمى «الثورة العربية العظمى»، الشريف حسين، أما الفرنسيون فكانوا بالكاد قد تركوا لبنان وسوريا، بعد إعادة صياغة كيانيهما «بالفرز والضم» وهما بلا جيش، تقريبا.
باختصار، كانت القوى العسكرية العربية أضعف، بما لا يقاس، من أن تستطيع مواجهة الكيان الإسرائيلى القوى والمعزز بقوى دعم دولى غير محدود، سياسيا وعسكريا.
هكذا أقيمت إسرائيل بالقوة على بعض أرض فلسطين، فى حين منحت الضفة الغربية لنهر الأردن للأمير عبدالله فصيِّر ملكا، بينما قائد جيشه جنرال بريطانى هو غلوب الذى أنعم عليه بلقب باشا، والذى اشتهر فى فلسطين وخارجها بـ «أبى حنيك» لأن حنكه كان مشوها.
بعد استقطابها ليهود الدول العربية، أو معظمهم (فى مصر، ولبنان وسوريا كما العراق) باتت بجيشها المسلح حتى أخمص أقدام جنوده أقوى من مجموع الدول العربية التى شاركت فى قتالها، رمزيا..
***
عاشت إسرائيل سنواتها الأولى فى حالة استنفار عسكرى دائم (ما زال مستمرا حتى الآن).. وتكررت غاراتها واعتداءاتها على «حدودها» مع الدول العربية من حولها، بل وفى داخلها أحيانا
(كما حصل ضد مصر، أكثر من مرة)، وجندت بعض «اليهود العرب» للتجسس على دولهم الأصلية – أهلهم.
أما العرب فقد عاشوا فى ظل الهزيمة، يعانون من العجز عن «مواجهة العالم فى دولة العدو»... فى حين أن هذا «العدو» لم يتركهم، ففى خريف العام 1956 شاركت إسرائيل مع بريطانيا وفرنسا فى عدوان ثلاثى على مصر... ولقد صمدت مصر جمال عبدالناصر فى مواجهة هذا العدوان تحت شعار «ح نقاتل.. حتى آخر طلقة رصاص وآخر رجل». والتف العرب جميعا من حول مصر، أقله بعواطفهم، إن لم يكن بكامل إمكاناتهم وطاقاتهم (وكانت، على أى حال، محدودة).
خرجت مصر منتصرة على العدوان الثلاثى، وجديرة أكثر مما كانت فى أى يوم، بقيادة الأمة العربية جميعا... وكانت فلسطين بين العناوين المضمرة لهذا النصر العظيم..
تضامن العرب، بمجملهم، مع مصر، وارتفعت روحهم المعنوية، وبلغت حماستهم للموقف الموحد الذروة.. وكان بين النتائج إعلان قيام «دولة الوحدة» ــ الأولى فى التاريخ العربى الحديث ــ بين مصر وسوريا فى «الجمهورية العربية المتحدة».. وكان واضحا أن تحرير فلسطين هو بين الأهداف الأعظم لهذه الدولة التى
«تصون ولا تهدد وتجمع ولا تبدد».
على أن هذه الوحدة المرتجلة والتى كانت تتمحور سياسيا حول قيادة جمال عبدالناصر بأمل تحقيق أحلام الأجيال من العرب، كانت أضعف من أن تصمد فى وجه أعدائها الذين اجتمع فى «حلفهم» العديد من «العرب» مع دول الغرب والشرق، تتقدمهم بطبيعة الحال، دولة العدو الإسرائيلى، التى رأت فى هذه الوحدة ــ إذا ما نجحت – أعظم خطر مصيرى على وجودها..
وهكذا فإن فلسطين، القضية المقدسة وهدف تحريرها وإقامة «دولتها» العتيدة، كانت الضحية الأولى لانهيار حلم الوحدة، وانفضاض العرب عنها، وتفرقهم أيدى سبأ.
وهكذا زاد «الخوف» من فلسطين بدلا من تعاظم الصمود تحت شعار تحريرها.
ولسوف يرحل جمال عبدالناصر فى 28 أيلول 1970 وهو يكافح لإيقاف المذبحة فى الأردن، بين الجيش الأردنى وقوات المنظمات الفلسطينية التى تعددت فصائلها داخل «منظمة التحرير» التى تولت قيادتها منظمة فتح بزعامة ياسر عرفات.
.. ولسوف تخرج القوات الفلسطينية المسلحة من عمان والمناطق الأخرى إلى جرش، بناء لقرار القمة الطارئة فى القاهرة التى أوقفت الحرب الأردنية – الفلسطينية، تمهيدا لأن تكمل فصائلها «الزحف» فى اتجاه لبنان، متخذة من اتفاق القاهرة الذى كان عقد برعاية جمال عبدالناصر بين القيادة الفلسطينية والجيش اللبنانى، أساسا لعلاقة «تحالف» أو «تسهيل» لانطلاق مقاتلى المقاومة من جنوب لبنان لمواجهة العدو الإسرائيلى..
على أن المقاومة الفلسطينية بفصائلها العديدة، كانت متعددة الولاء.. فبينها من يموله عراق صدام حسين، وبينها من ترعاه سوريا، وبينها من يسلحه معمر القذافى.. بينما ياسر عرفات، الذى غدا مرجعية سياسية مهمة فى بيروت ينافس سوريا حافظ الأسد (واللبنانيين) على حكم لبنان.. ودائما بذريعة تحرير فلسطين.
***
لم يتح للمقاومة الفلسطينية أن تشارك فى حرب 1973 التى لم تسعفها الظروف فى تحقيق الهدف المرجو منها، عربيا بشكل عام، وفلسطينيا بشكل خاص بل هى انتهت بخلافات عربية عميقة، خصوصا بعدما اندفع الرئيس المصرى أنور السادات إلى زيارة الكيان الإسرائيلى، والوقوف أمام الكنيست خطيبا بدعوى أنه جاء يعرض السلام ويطلبه للتعايش مع الكيان الإسرائيلى كأمر واقع.
... ولسوف تفقد منظمة التحرير مصادر قوتها المعنوية والعسكرية والمالية تدريجيا.. ويندفع ياسر عرفات إلى استنقاذ ما يمكن استنقاذه، مما أدى به بعد موافقة العرب على حضور مؤتمر مدريد للسلام، إلى عقد اتفاق أوسلو مع العدو الإسرائيلى الذى اعترف ــ أخيرا ــ بالطرف الفلسطينى «بعودة» ما تبقى من منظمة التحرير ومقاتليها المشردين فى أربع جهات الوطن العربى «بالعودة» إلى بعض البعض من الضفة الغربية وقطاع غزة، من دون سلاحهم الثقيل تحت إشرافه على مدار الساعة.
وبهذا أمكن للنظام العربى أن يتنصل من أعباء «القضية المقدسة» فلسطين، معتبرا أنه قد «أدى قسطه للعلى».. وليذهب الفلسطينيون بعد ذلك إلى قدرهم الذى لا مفر!
... وها هى المتاهة الفلسطينية تكاد تبتلع العرب جميعا، فتفرقهم أشتاتا ومعسكرات مقتتلة أو متواجهة، وتتسارع خطوات الدول الغنية فى اتجاه الاعتراف بإسرائيل، التى أعلنت نفسها، مؤخرا، دولة يهود العالم، وأخذت تسعى «لتطهير» أرضها من غير اليهود.
والمأساة لم تكتمل فصولا بعد.. فبعد الخوف على فلسطين ها نحن نعيش الخوف من فلسطين فنبيعها بثلاثين من الفضة (يدفعها الأثرياء من غير جهد، من العرب العاربة)..
«.. ويا فلسطين جينالك.. جينا وجينا جينالك
جينا لك لنشيل أحمالك».

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات