وزارة الصحة وأوبئة الإنفلونزا.. ارتباك أم فشل؟ - محمد حسن خليل - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 11:51 ص القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وزارة الصحة وأوبئة الإنفلونزا.. ارتباك أم فشل؟

نشر فى : الأحد 4 أكتوبر 2009 - 10:44 ص | آخر تحديث : الأحد 4 أكتوبر 2009 - 10:45 ص

 تواكبت أحداث مواجهة إنفلونزا H1N1، والمعروفة بإنفلونزا الخنازير مع تخبط بدا واضحا فى قرارين كانت وراءهما وزارة الصحة، آخرهما قرار تأجيل الدراسة لمدة أسبوع وقبله قرار علاج المصابين بتلك الإنفلونزا بمنازلهم مع بعض الاستثناءات.

وبالطبع فالقراران لا يمكن اعتبار الخطأ فيهما مطلقا، فمن الممكن اتخاذ قرار العلاج بالمنزل عند ارتفاع عدد الإصابات إلى مئات الآلاف مثلا، كما يمكن تأجيل الدراسة بل وإلغائها إذا مثلت ضررا أكيد على صحة الطلاب والشعب كله.

إن خطأ القرار يعود إلى خطأ التوقيت والمواءمة وليس خطأ المبدأ. فمحور الخطأ فى قرار وزير الصحة بعلاج المصابين فى المنازل هو فى السياسة، التى ستتبعها وزارة الصحة فى التعامل مع الوباء فى مراحله المختلفة: فالمرضى فى مصر الآن لم يصلوا بعد إلى الألف مواطن، وبالتالى فهدف السياسة الصحية يجب أن يكون:
أولا: الترصد لبؤر انتشار الوباء.

ثانيا: احتواء المرض بعزل المرضى.
والواضح أن العلاج بالمستشفى هو الأصح طالما أن العدد ما زال صغيرا ضمانا لشمول الترصد الوبائى بمعرفة بؤر الإصابة، وضمانا لمحاصرة الحالات ومنع العدوى. وعندما حدد القرار استثناءات مثل الأطفال وكبار السن والحوامل والمصابين بمرض يزيد من خطر الإصابة بالإنفلونزا، ووضع تحفظا يقضى بأن العلاج بالمنزل يقتضى عزل المريض فى غرفة مستقلة، فإنه قد تجاهل أن إمكانية العزل لا تتوافر فى 70% على الأقل من البيوت المصرية، وهو ما انتقدناه نحن وغيرنا فى حينها واستدركت الوزارة بعد ذلك، وأضافت شرطا للعلاج بالمنزل، وهى أن تكون مساحته تسمح بعزل المريض!

وبخصوص مشكلة تأجيل الدراسة أسبوعا فالخطأ فيها كان أخطر: فكان يجب أن يكون هناك توازن دقيق بين ضرورة الحفاظ على استمرارية نشاط المؤسسات التعليمية، والخدمية والإنتاجية بقدر الإمكان، مع تفادى الضرر فى حالات الضرورة القصوى بمنع تلك الأنشطة، كما يجب أن يكون هناك اتساق بين القرارات المتخذة فى المجالات المختلفة.

وفى الواقع فإن مستوى انتشار الوباء الحالى لا يبرر بالطبع تعطيل الدراسة، بل على العكس، الحفاظ عليها..

حيث يمكن أن تسوء الأمور فى المستقبل فنضطر لتعطيلها إجباريا. كما أنه لو كان هناك ضرورة لمنع التجمعات لمنع انتشار العدوى لوجب منع التجمعات فى أماكن أخرى أقل فائدة والخطر فيها مماثل، إن لم يكن أشد، مثل مباريات الكرة ودور السينما وغيرها.

والمبرر الذى قيل، وهو مرور أسبوعين على قدوم آخر الوافدين من العمرة دون أن تظهر عليهم أعراض هو مبرر واهٍ، ويشهد أيضا بالتردد فى توصيات وزارة الصحة بخصوص العمرة والحج، والموازنة بين السماح بالعمرة ــ وهى نافلة ــ وتأجيل الدراسة يشهد طبعا بعدم اتزان القرارات.

وقد انتقدت منظمة الصحة العالمية قرار الوزارة بتأجيل الدراسة لمدة أسبوع (وانتقدت أيضا المزيد من التأجيل، وهو ما كان يدور بأذهان أصحاب القرار)، وقدمت قوائم تفصيلية لضرورات التأجيل وحدود وقف الدراسة فى كل حالة.

وبالطبع لا تحتكر منظمة الصحة العالمية الحكمة فى هذا المجال، فما فعلته لم يكن إلا تطبيقا لأسس علم الوبائيات الإكلينيكية، الذى يدرَّس فى الجامعات المصرية. فما هو السبب الذى دفع وزارة الصحة لمثل هذا القرار الخاطئ بعيدا عن التشاور مع هؤلاء الخبراء؟ لا يمكننا أن نعلم بالطبع عن يقين، ولكن يبدو أن القلق غير المبرر من احتمال توجيه اللوم قد قاد إلى مبالغة فى الخطر (لكى لا نكون مخطئين فى كل الاحتمالات)!

وبالرغم من تلك الأخطاء، فهى كلها تتواضع بجانب الأخطاء الاستراتيجية للوزارة والناتجة عن سياساتها فى خصخصة العلاج وتعارض تلك السياسة مع ضرورات مواجهة أوبئة الإنفلونزا كما سنوضح. فقد قامت وزارة الصحة بوضع خطة استراتيجية عام 2006 لمواجهة إنفلونزا الطيور فى حال تحولها لوباء، وقامت بإدخال تعديلات متوالية عليها قبل وبعد ظهور إنفلونزا الخنازير.

والخطة فى مجملها جيدة ومستمدة من خطط وتوجيهات منظمة الصحة العالمية، والخطة تتوقع، كما فى معظم بلاد العالم، أن الانتشار الوبائى للمرض سوف يصيب ثلث السكان (بين الربع والنصف) فى دورته الكاملة وسوف يصيب من 5 إلى 10% من السكان فى الوقت الواحد.

ولما كانت إنفلونزا الخنازير قليلة الخطر فإن 2% فقط ممن يصابون بها يصابون بالتهاب رئوى يحتاج لدخول المستشفى، كما يحتاج لدخول المستشفى أيضا مثلهم ممن يحتمل تعرضهم للمضاعفات من الأطفال وكبار السن والحوامل وذوى الأمراض الشديدة والمناعة المنخفضة. والمشكلة أن تلك النسبة البسيطة (حوالى 4%) من المعرضين للإصابة فى الوقت الواحد تبلغ فى بلدنا بين 150 ألفا و300 ألف! وحيث لا يوجد فى مصر سوى 150 ألف سرير فتقتضى الخطة وضع ثلاثة خطوط دفاعية.

وبالتالى تم تخصيص 99 مستشفى لأنفلونزا الخنازير و27 مستشفى لإنفلونزا الطيور كخط دفاع أول، فإذا امتلأت فخط الدفاع الثانى هو المستشفيات العامة والمركزية، فإذا امتلأت لجأت الوزارة إلى نصب أسرة فى خيام فى المدارس أو الساحات العامة القريبة من المستشفيات.

ورغم هذا يصدر وزير الصحة قرارا فى فبراير عام 2008 بإغلاق مستشفيات الحميات التى تقل نسبة إشغال الأسرة بها عن 25% فيتم إغلاق سبعين مستشفى حميات من أصل 102 مستشفى! وبالطبع لا ينتمى هذا القرار إلى مواجهة الوباء ولكن إلى سياسة الخصخصة! ثم عاد وزير الصحة فأصدر قرارا بتحويل مستشفيات التكامل (397 مستشفى) إلى عيادات خارجية فقط، كعيادات طب أسرة، مطيحا بحوالى تسعة آلاف سرير رغم نقص الأسرة!

ثم يصرح سيادة الوزير بأن مستشفى حميات العباسية، خط الدفاع الأول ضد إنفلونزا الخنازير كما يصفها، متهالكة وتجهيزاتها «زبالة»؟! وإذا كان هذا التصريح يأتى بعد أن قضى الوزير حوالى أربع سنوات فى وزارة الصحة، فمن هو المسئول إذن عن هذا التدهور؟!

ترفع وزارة الصحة شعارات جودة الخدمة لمعايرة المستشفيات الحكومية بسوء مستواها تمهيدا لخصخصتها، ولكنها لا تحاول علاج الأسباب الحقيقية لانخفاض الجودة.. والنتيجة الطبيعية هى أن المستشفيات محلك سر أو تدهورت أكثر بعد تلك السنوات الأربع من رفع شعارات زائفة عن الجودة التى يعرفونها بأنها «لا تتحقق إلا بالمنافسة»، ويتخذ هذا ستارا للخصخصة.

أما نسبة الإشغال المنخفضة للمستشفيات وتواضع مستويات الأداء بها فتعود ــ ليس إلى غياب الخصخصة ــ ولكن تعود إلى ضعف ميزانيات التشغيل وفقر المستلزمات وتواضع مرتبات الأطباء وفرق العاملين مما يضعف الأداء، وتهافت النظام الإدارى.

لقد طالب الأطباء كثيرا بكادر مستقل يتناسب ومؤهلاتهم، وصرح نقيب الأطباء فى التليفزيون بأن مرتب الطبيب عند التخرج (ترفض خادمته أن تأخذه)..

وإذا أخذنا بأى حد للفقر (حيث حددته ثلاث دراسات مختلفة بما يتراوح بين 600 و1200 جنيه شهريا) فإن أكثر من ثلاثة أرباع الأطباء، والأغلبية الساحقة من هيئة التمريض والفنيين يقعون تحته، ثم نعود ونتحدث بعد ذلك عن رسالتهم الإنسانية الخالدة!

وهكذا فبعد أربع سنوات فى الوزارة، ساءت حالت المستشفيات والأطباء، وفضح سوء الاستعداد لمواجهة الإنفلونزا انشغال الوزارة بالخصخصة على حساب تطوير حالة الهيكل الطبى وأوضاع الأطباء، ولا أجد ما أختم به أفضل من الفقرة الختامية من بيان لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة حول «خصخصة الصحة تقوض مقاومة شعبنا لأوبئة الإنفلونزا»:
«إن التهاون فى إصلاح الأوضاع الصحية الآن إصلاحا حقيقيا، وتحويل الطب من خدمة إلى سلعة، وتعلية مصالح المستثمرين على حق المواطنين فى العلاج هو جريمة فى حق شعبنا، ولنأخذ من مناسبة الكارثة الصحية المحتملة فرصة للانحياز لمصلحة شعبنا وحقه فى الصحة».

محمد حسن خليل منسق لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة
التعليقات