تحرير العملة.. وحبس السياسة! - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 7:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحرير العملة.. وحبس السياسة!

نشر فى : الجمعة 4 نوفمبر 2016 - 9:20 م | آخر تحديث : الجمعة 4 نوفمبر 2016 - 9:20 م
المتأمل جيدا للقرار الذى اتخذه البنك المركزى الخميس الماضى، والقاضى بتعويم الجنيه وتحرير سعر صرفه أمام العملات الرئيسية، اضافة إلى رفع سعر بيع الوقود، مثلما تم مع العديد من السلع والخدمات الأخرى خلال الفترة الماضية، يدرك على الفور اننا اصبحنا نعيش فى «جمهورية جديدة«، غير التى كانت قائمة منذ 64 عاما.

فالجمهورية القديمة التى تأسست فى عام 1952، اعتمد القائمون على امرها، «معادلة غير مكتوبة» فى التعامل مع الشعب جوهرها هو «لنا السياسة.. ولكم الدعم»، والتى تعنى بوضوح ان المواطنين فى هذا البلد لا يحق لهم المشاركة فى صناعة القرار السياسى، أو المطالبة بتداول السلطة وترسيخ قيم الديمقراطية والحرية، طالما ان الدولة تتكفل برعايتهم صحيا وتعليميا وتوفر لهم ولأبنائه الوظائف الحكومية.

أما الجمهورية الجديدة التى أصبحنا نعيش فى كنفها الآن، فرأت أنها لن تستطيع الاستمرار فى هذه تحقيق المعادلة، وانه آن الأوان للتحرر من جميع التزاماتها تجاه الشعب، الذى ينبغى عليه التعود على «الفطام» بعد ان بلغ سن الرشد، ويعى ان «الدولة ليست بابا وماما»، وأن يدفع ليحصل فى المقابل على الخدمات التى يريدها.

التمهيد لهذا الأمر، بدأ منذ ان كان الرئيس عبدالفتاح السيسى مرشحا فى انتخابات الرئاسة عام 2014، حيث قال بوضوح للاعلاميين ابراهيم عيسى ولميس الحديدى:«أنا مش قادر أديك»، فى اشارة منه إلى ان الدولة لن تستطيع الاستمرار فى تقديم الدعم أو تلبية طلبات المواطنين المتزايدة، وعندما لمحت الحديدى إلى امكانية حدوث غضب شعبى يتمخض عنه قيام البعض بقطع الطريق، رد الرئيس بحزم:« القانون موجود.. احنا مش هنهزر بجد».

الكثير من خبراء الاقتصاد يعتقدون ان القرارات الاخيرة، سواء المتعلقة بتحرير سعر صرف الجنيه أو رفع أسعار الوقود، سوف تسهم فى إزالة مخاوف المستثمرين العرب والأجانب من العودة إلى الاستثمار فى مصر، كما أنها ستساعد على تنشيط الأسواق وضرب السوق السوداء للعملة الأمريكية، وتخفيف العبء عن كاهل الموازنة العامة للدولة، ومعالجة الاختلالات الموجودة فى جسد الاقتصاد المصرى.

ربما يكون هذا الأمر صحيحا، بل وقد يكون الحل الوحيد المتاح أمام الحكومة للخروج من هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة التى تعيشها مصر، وبدون اعتماد مثل هذه الاجراءات المؤلمة التى تمس حياة المواطنين مسًا مباشرا، فإن القادم لن يكون مبشرا على الإطلاق.

لكن السؤال الأهم.. إذا كانت «جمهورية 2016» تريد التحرر نهائيا من التزاماتها تجاه المواطنين التى رسختها «جمهورية يوليو 52» فى معادلة «لنا السياسة.. ولكم الدعم»، فلماذا لا يمد الخط على استقامته، ويتم تحرير السياسة من قبضة السلطة، ويسمح للشعب بالمشاركة الحقيقية فى اتخاذ وصناعة القرار السياسى، وألا يظل متابعا لما يحدث فى بلاده من مقاعد المتفرجين، خصوصا انه الوحيد الذى يدفع الثمن فى النهاية؟.

يجب أن تدرك «جمهورية 2106»، أن هناك أثمانا ينبغى عليها أن تدفعها ايضا مقابل تحررها من التزاماتها تجاه المواطنين، اهمها ان ترفع القيود التى تفرضها على المجال العام، والا تنفرد باتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بحياة شعبها، وأن تطلق الحريات ولا تقمعها، وتسمح بتعدد الآراء المعارضة لها وتستوعبها ولا تتهمها بالخيانة، وأن تتخلص من محاولاتها استعادة دولة «الصوت الواحد» التى انتهت تقريبا فى كل بقاع العالم.

عندما يحدث هذا على الأرض، يمكن للشعب وقتها تفهم الاجراءات الاقتصادية المؤلمة التى تم اتخاذها، ويصبر حتى تنتهى هذه المرحلة العصيبة، لكن بدون ذلك فإن الرهانات على بقاء مكنون الغضب حبيسا فى الصدور ستكون «صعبة وخطرة»، لأن الشعب وقتها سيكتشف ان الحكومة لم تقرر«تعويم» الجنيه فقط، بل رميه فى البحر، وهو لا يجيد السباحة.
التعليقات