المستقبلات الممكنة للنظام السياسى الجديد - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المستقبلات الممكنة للنظام السياسى الجديد

نشر فى : الثلاثاء 5 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 5 مارس 2013 - 8:00 ص

كان المفترض أن يتناول هذا المقال تعديلات بشأن إشكاليات أربع ينبغى إدخالها على الدستور المعتمد فى ديسمبر 2012، من أجل تعزيز الطابعين المدنى والديمقراطى للدولة، وذلك استفادة من عرض رئيس الجمهورية  بإجراء تعديلات دستورية بغية تحقيق التوافق الضرورى لقيام نظام سياسى قابل للحياة. هذه الإشكاليات على جانب كبير من الأهمية وهى تتعلق بالحريات والحقوق المدنية والسياسية، وسلطات رئيس الجمهورية، وميزانية القوات المسلحة واختصاصات القضاء العسكرى، والممارسة الفعلية للحقوق الإقتصادية والاجتماعية. غير أن التطورات السياسية قد تخطت حديث التعديلات، فى الوقت الراهن، والراهن وحده، لأن رئيس الجمهورية وفريقه اللصيق به قد اختارا أن يطورا الخوض فى بناء النظام السياسى الجديد على أساس القواعد الدستورية المعتمدة بالإضافة إلى قواعد قانونية مستحدثة اعتمداها هى الأخرى، وبناء على جدول زمنى حدداه وحدهما.

 

المراقب لا يملك إلا أن يتساءل أى نظام سياسى يمكن أن ينشأ عن هذه القواعد، وفى ظل التنافر الذى نشأت عنه وتعزز بها، وفى مناخ سياسى واجتماعى مليء بالاحتجاجات والاضطرابات والتحديات بطول البلاد وعرضها. أى مستقبل يمكن أن ينتظر مثل هذا النظام السياسى؟

 

•••

 

ليس بالقواعد المكتوبة وحدها، على أهميتها، تنشأ الأنظمة السياسية. الفاعلون، وحركتهم، وكفاءتهم، حاسمون فى رسم شكل النظام السياسى وفى تحديد طرائق عمله، ودرجة فاعليته وكفاءته، وممارساته غير المكتوبة. لايهم كثيرا إن كان بعض هؤلاء الفاعلين يلعبون وفقا للقواعد المعتمدة أو لا. وقد لا يكون هؤلاء الفاعلون قادرين على فرض رؤاهم، أو حتى على فرض أخذها فى الاعتبار. ولكن قد يمكن لهم الحيلولة دون أن تنطبق القواعد المعتمدة، وبالتالى فهم يفرغونها من مضمونها. اتهام هؤلاء بالخروج على القواعد، بل وعلى القانون نفسه، لايجدى طالما لم تستطع الأطراف الأقوى نسبيا فى النظام السياسى فرض القواعد وإلزام الخارجين عليها باحترامها. فى مصر الآن، وفى ظل مظاهر تحلل الدولة، لايستطيع أحد فرض قواعد وإلزام الآخرين بها. من لايدرك ذلك ويعترف به ويتصرف على أساسه يخدع نفسه، قبل أن يخدع الآخرين، وهو يعرِض نفسه للخسارة، ويقوِض النظام السياسى الذى يبغى انشاءه ويفترض أن يكون الطرف الأقوى فيه.

 

فى مصر الآن خمسة مجموعات من الفاعلين السياسيين. المجموعة الأولى يشكلها الإخوان المسلمون وحزبهم، والأحزاب المسايرة لهم. المجموعة الثانية يكونها حزب النور، وهو الحزب الأكبر بين التيارات السلفية. المجموعة الثالثة تتشكل من أحزاب جبهة الإنقاذ عموما. المجموعة الرابعة تتكون من بعض مكونات جبهة الإنقاذ مثل التيار الشعبى، ومن العدد الأكبر من مجموعات الشباب، ومجموعات وأحزاب صغيرة ولكن نشطة. أما المجموعة الخامسة فهى غير محددة الشكل والحجم، ولكنها هائلة التأثير؛ إنها مجموعات الاحتجاج والاعتراض غير المنظمة التى تتجمع من بين الجمهور فى مختلف المدن المصرية، وتنفض لتعود إلى التجمع مرة أخرى. المجموعة الأولى تتمسك بالقواعد الدستورية والقانونية المعتمدة وتعتبرها الشرعية التى يجب الالتزام بها والبناء عليها، وهو بناء تحسبه لا محالة فى صالحها. هذه المجموعة لا تلتفت إلى الفاعلين الآخرين، تندد وتستهزئ بهم، وتدين ما يفعلونه وما لايفعلونه، وهى تتجاهل الاحتجاجات والاضطرابات وموضوعاتها. المجموعة الثانية اشتركت مع الأولى فى وضع القواعد الدستورية، إلا أنها تخشى استعلاءها؛ المجموعة الثانية لاتتجاهل كل الفاعلين الآخرين وهى تبحث عن حد أدنى من الوفاق الضرورى لنشأة واستمرار النظام السياسى الذى اشتركت فى وضع قواعده، لأنها تدرك أن فشل هذا النظام هو اجهاض للمشروع السياسى الإسلامى. المجموعة الثالثة ترفض القواعد الموضوعة وتمتنع عن الاشتراك فى بناء نظام سياسى على أساسها. هذه المجموعة تريد اشتراكا عادلا فى تحديد قواعد النظام السياسى، ولكنها تعترف بشرعية الآثار المترتبة على القواعد التى كان المجلس العسكرى قد أرساها للفترة الانتقالية، بعبارة أخرى هى تعترف بشرعية رئيس الجمهورية المنتخب بناء على هذه القواعد. سلوك جبهة الإنقاذ هذا لايعترف به الإخوان المسلمون ويتهمونها بانكار شرعية رئيس الجمهورية. غير أن لسلوك الجبهة هذا يتعرض للإنتقاد أيضا من قبل المجموعة الرابعة التى سحبت اعترافها بشرعية القائمين على النظام السياسى، وهى تنادى باسقاطه وبالخروج عليه، وتدعو إلى مواجهته بكل طرق المواجهة الممكنة. جانب معتد من هذه المجموعة الرابعة لايحتج فقط على قواعد النظام السياسى وإنما على قواعد عمل النظام الاقتصادى والاجتماعى أيضا. هذه المجموعة أكثر ثورة على سيئات مصر المتراكمة عبر العقود والقرون من المجموعة الثالثة. المجموعة الخامسة لا تفتأ تحتج على مظاهر الخلل فى تحقيق مصالح الناس وفى الوفاء بحقوقهم، وما أكثر هذه المظاهر التى يتحمل الحكام، وهذه طبيعة الأشياء، آثارها  حتى وإن لم يكونوا مسئولين عن تشأتها. هذه المجموعة الخامسة من المواطنين لاشك تجد حلفاء لها فى المكونات المنظمة للمجموعة الرابعة، ولكن فيها هى المخزون الأكبر لعمليات الاحتجاج ولإفشال أى نظام سياسى لايرضى عنه من يشكلونها.

 

•••

 

ثلاثة احتمالات تنتظر النظام السياسى المصرى قيد التشكل. الاحتمال الأول هو أن يستفيد الإخوان المسلمون بالقواعد التى وضعوها، وأن ينفردوا بالحكم، وأن يلحقوا بهم الجانب الأكبر من التيارات الإسلامية والأحزاب المسايرة لهم. فى هذه الحالة سيحصد الإخوان المسلمون كل ثمار النجاح إن نجحوا، ولكنهم سيسددون ثمن الفشل كاملا إن فشلوا. وفرص الفشل كثيرة، وهى لاتتربص بهم وحدهم بل بكل من يتصدى للحكم. الفاعلون من المجموعات الأربع الأخرى لن يسهلوا عليهم الأمور، وحتى إن استمرت جبهة الإنقاذ فى التنديد بهم، فإنها ستكون أقل المجموعات خطرا عليهم. النظام السياسى الذى يحبو لن تمكنه مجموعات الاحتجاج والاعتراض المنظمة وغير المنظمة من أن يقف على قدميه. ولن يستطيع الإخوان المسلمون إخماد هذه المجموعات حتى وإن خرجت على القانون. نظام لايقف على قدميه هو نظام فاشل سيجرى البحث عن بديل له إن عاجلا أو آجلا. الذى يخشى منه هو أن عدم الاعتراف بالفشل لفترة ممتدة قد تنتج عنه فوضى لاتحمد عقباها. الاحتمال الثانى هو أن تحدث المعجزة وأن ينفتح الإخوان المسلمون على مطالب جبهة الإنقاذ التى يتفهمها حزب النور، وأن يصلوا مع الجبهة إلى تفاهمات توسِع من قاعدة النظام السياسى الناشئ. نظام سياسى يستند إلى قاعدة أوسع تزداد فرص صموده، إلا أن هذا الصمود لن يمتد إن لم تؤخذ اعتراضات مجموعات الاحتجاج ومطالباتهم الاقتصادية والاجتماعية فى الاعتبار. إن أخذت المطالبات فى الاعتبار ومثلت جبهة الإنقاذ المجموعتين الرابعة والخامسة بشأنها، وإن كان ذلك يخالف طبيعة جانب كبير من أعضاء الجبهة، سيمتد أمد النظام السياسى، أما إن لم تؤخذ فمصير النظام أيضا إلى انهيار.  الاحتمال الثالث هو أن تتوسع حقيقةً قاعدة النظام السياسى لتشمل الفاعلين المحتجين من المجموعة الرابعة وأن يضع المطالبات الاقتصادية والاجتماعية فى صدارة أولوياته. هذا يستدعى القبول بتراجع عدد من أولويات الإخوان المسلمين، بل وربما أولويات جبهة الإنقاذ نفسها. مثل هذه القاعدة الموسعة هى التى ستكفل الاستمرارية للنظام السياسى الناشىء، إلا أنه سيكون بالضرورة نظاما شديد الاختلاف عن ذلك الذى ينشئه دستور ديسمبر 2012 والترتيبات السياسية التى ترمى إلى تكريس أولويات الإخوان المسلمين كأولويات للمصريين ولنظامهم السياسى. هذه الاحتمال، وللأسف، هو أقل الاحتمالات الثلاثة قابلية لأن يتحول إلى واقع.   

 

•••

 

فى الوقت الذى يتوق المصريون فيه إلى ترتيبات تمكنهم من أن ينتشلوا أنفسهم من المستنقعات التى أسقطوا فيها، فإنهم يجدون أن نظامهم السياسى الجديد على كف عفريت!

 

 

 

أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات